تسجل طواقم وزارة الصحة الفلسطينية عشرات الإصابات والوفيات بفيروس كورونا يوميا، منذ بداية الموجة الثانية من انتشار الوباء بمدن الضفة المحتلة، والتي بدأت فعليا في حزيران/ يونيو الماضي؛ ما دفع الجهات الرسمية إلى الإعلان عن دخول الموجة فعليا، بعد أكثر من شهر على تعافي معظم المصابين، وعدم تسجيل أي إصابات جديدة.
وبلغ
عدد الوفيات بالفيروس 77 جلهم خلال الموجة الثانية من انتشار الفيروس، ومعظمهم من
محافظة الخليل، كما بلغ عدد المصابين نحو 12795، وتصدرت الخليل أعداد المصابين
بواقع 6595 خلال أقل من شهرين، بينما حلت محافظة القدس ثانيا بواقع 3422 إصابة،
تليهما محافظة رام الله والبيرة التي سجلت 696 إصابة.
ويتساءل
الفلسطينيون عن سبب الارتفاع الكبير في أعداد الإصابات؛ ليتضح من خلال بيانات
وزارة الصحة أن عوامل عدة ساهمت في ذلك، أبرزها الاحتكاك المباشر مع الداخل
الفلسطيني المحتل سواء عبر العمال أو الزائرين؛ وعدم اتباع الإجراءات الصحية
الوقائية، والعودة إلى الاختلاط والتجمع دون مراعاة إجراءات السلامة.
بدورها،
تعمل لجان الطب الوقائي التابعة للوزارة يوميا على إجراء مئات الفحوصات، والإيعاز
بضرورة العودة إلى اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة للحد من انتشار الفيروس.
وتوضح
الطبيبة إيلاف أبو زعرور مديرة لجنة الطب الوقائي في مديرية صحة نابلس أن "العمل
يتركز الآن على حصر المخالطين بعد اكتشاف الإصابات"، مضيفة أن "الحديث
يتم مع المصاب لمعرفة المخالطين له بكل دقة، وحصر الخريطة الوبائية، عبر تتبع
الأماكن التي زارها، والأشخاص الذين قابلهم، وتعامل معهم".
اقرأ أيضا: إصابات كورونا تتجاوز 15 مليونا عالميا.. هذه آخر المستجدات
وتشير
زعرور لـ"عربي21" إلى أن المصاب يتم تبليغه بعد إجراء الفحص الخاص
بالفيروس بأن يبقى في مركز الحجر الصحي، لافتة إلى أن البحث عن المخالطين وإجراء
الفحوصات لهم تعتبر أهم خطوة بعد حجر المصاب.
وتبين
أبو زعرور أن العلاقات الاجتماعية المتشابكة، هي التي تؤدي إلى تسجيل خرائط وبائية
متسلسلة، وأنه حين يتم فحص المخالطين وتظهر حالات إيجابية في الفحوصات المتبعة،
يتم حجرهم كذلك ورسم خرائط وبائية جديدة وبالتالي توسيع دائرة الفحص، وهو ما يجعل
عمل اللجنة معقدا في كثير من الأحيان.
وتوضح
أن المصابين في مدينة نابلس حتى الآن مصدر إصابتهم معروف، وهم يشكلون دائرة واحدة
في انتشار الفيروس؛ ولكن هذه الدائرة تتوسع باستمرار في كل يوم.
وتعزو
الطبيبة هذا التوسع إلى عدم تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي، وكذلك الاختلاط المباشر
بين المواطنين، ما جعل انتشار الفيروس أكثر سهولة.
أما
عن المصابين، فتقول إنهم يخضعون للعزل والحجر الصحي في مركز داخل المدينة؛ بينما
تم إدخال عدد من كبار السن إلى المستشفى لمراقبة أوضاعهم الصحية بسبب إصابتهم
بأمراض مزمنة، لافتة إلى أن من بين المصابين في المدينة طفلان في الثالثة والسادسة
من عمريهما.
ووجهت الطبيبة نصائح للمواطنين تساعد في عدم
انتشار الفيروس؛ مثل الابتعاد عن التجمعات خاصة في الأماكن المغلقة؛ والابتعاد عن
زيارة الأماكن العامة واستخدام الكمامات والقفازات وغسل الأيدي باستمرار والتعقيم
بشكل مستمر، وذلك لأن التعامل مع الفيروس يتم على مدى بعيد ولا يُعرف متى تكون
نهايته، داعية إلى عدم الاختلاط وترك مسافة بين الأشخاص.
أعراض
طفيفة
وتظهر
نتائج الفحوصات إصابة أعداد من المخالطين لمصابين دون أن تظهر عليهم أعراض حادة؛
وهو ما جعل الفلسطينيين يقللون من اكتراثهم حول انتشار الفيروس، ولكن المصابين
يوجهون عدة رسائل بضرورة عدم تعريض حياة أي مواطن للخطر.
الصحفي
محمود القواسمي من مدينة الخليل كان أحد المصابين خلال الموجة الحالية، حيث خضع
للحجر الصحي قرابة الشهر قبل تعافيه وعائلته.
ويقول
لـ"عربي21" إنه عانى من أعراض زكام فظنّ أنه التهاب في الجيوب الأنفية؛
ثم ازداد الصداع لديه وأصبح الألم ضاغطا على العينين والأنف، كما شعر بألم في
العضلات.
اقرأ أيضا: دول عربية تفرض قيودا على أماكن صلاة العيد بسبب كورونا
ويوضح
القواسمي أن الأعراض تطورت لتصل إلى فقدان حاستي الشم والتذوق، فأخبر شقيقه الطبيب
بذلك ليبلغه بأن هذه أعراض الإصابة بفيروس كورونا، ورغم أنه استبعد أن يكون مصابا
بالفيروس إلا أنه توجه للفحص وظهرت نتيجته إيجابية.
ويشير
إلى أنه حتى الآن ورغم مرور أكثر من شهر على إصابته وتعافيه إلا أنه لا يعلم مصدر
الإصابة؛ وهو الأمر الذي يخشاه الأطباء في مثل هذه الحالات، فالقواسمي لم يخالط أي
شخص مصاب وظهرت نتيجة سلبية لكل مخالطيه.
ويتابع:
"بعد ظهور النتيجة قامت الفرق الطبية المختصة بنقلي إلى مركز الحجر الصحي ومن
ثم أجروا الفحوصات لأكثر من 43 شخصا من المخالطين؛ وتبين أنني نقلت العدوى فقط
لزوجتي وطفلي وشقيقي الصغير، والذين تم نقلهم لمركز الحجر كذلك".
ويبين
أن الأعراض التي شعر بها المخالطون المصابون هي ذاتها التي شعر بها في البداية،
مؤكدا أن ما قدم لهم هو المسكنات والتغذية الجيدة والفيتامينات والمشروبات الساخنة،
التي أوصاهم بها الأطباء للحفاظ على مناعة قوية.
وينصح
القواسمي كل المصابين بالتحلي بالصبر والثقة والمعنويات القوية، من أجل
التغلب على المرض، كما يوصي المواطنين بارتداء الكمامات والقفازات وتجنب الاختلاط
قدر الإمكان حتى لا تتوسع دائرة الوباء أكثر من ذلك وكي تخفف من انتقال الفيروس.
تعايش
ووعي
وفي
ظل تزايد الإصابات وانتشارها في موجة أوسع يتساءل الفلسطينيون عن الفترة القادمة،
وكيفية التعامل مع الفيروس فيها؛ بينما يرى بعض الأطباء أن الإصابة دون أعراض لا
تستدعي التهويل رغم أن أعداد الوفيات في ارتفاع.
أما
الجهات الرسمية فاتخذت سلسلة إجراءات خاصة في مدينتي الخليل ورام الله تمثلت
بالإغلاق التام لعدة أيام، حتى يتسنى للطواقم الطبية حصر المخالطين وتحديد الخريطة
الوبائية، كما تم إغلاق المساجد خلال صلاة الجمعة ومنع الحركة بين المحافظات
وإغلاق شامل لجميع المدن يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع.
ويرى
الدكتور نظام نجيب نقيب الأطباء الفلسطينيين ورئيس اتحاد المستشفيات الفلسطينية أن
هناك "عملية تهويل كبيرة حول انتشار الفيروس في فلسطين".
ويقول
نجيب لـ"عربي21" إن "فيروس كورونا جدي ويحتاج للوقاية واتباع
الأساليب الوقائية التي تقرها وزارة الصحة ولجنة الطب الوبائي، ولكن الأمر دخل
مرحلة التهويل والذعر والفزع خاصة مع إمكانية ازدياد الإصابات يوميا، لأن الملاحظ
بأن الغالبية العظمى من المصابين لم تظهر عليهم أي أعراض أو مضاعفات خطيرة، وليسوا
بحاجة لمستشفيات وعمليات مراقبة".
ويوضح
أن عمليات المراقبة لهؤلاء المصابين من الممكن أن تتم في منازلهم بدلا من تحمل
تكلفة التغذية والمراقبة والحجر في المراكز المخصصة وإرهاق الفرق الطبية، مضيفا
أنه "يمكن مراقبة أنفسهم في بيوتهم، مع اتباع أنظمة الحجر والعزل"، على
حد قوله.
ويتابع:
"المصابون دون أعراض بدلا من نقلهم للمستشفيات أو المراكز الصحية، من الأفضل
أن يبقوا في منازلهم، إذا كانت الظروف مهيأة".
اقرأ أيضا: كيف تأثرت أسواق الأضاحي في مصر بإجراءات مواجهة كورونا؟
ويؤكد نجيب أن بداية اكتشاف هذه الحالات الجديدة كانت عن طريق عينة عشوائية؛ وبالتالي فإن كثرة الفحوصات ستزيد الحالات المصابة؛ مبينا أن التركيز يجب أن يكون فقط على الحالات التي تعاني من أعراض خطيرة أو تحتاج أجهزة تنفس؛ وأكثرهم الذين يعانون من أمراض مزمنة أو خضعوا لعمليات زراعة أعضاء أو كبار السن الذين يعانون من السكري وأمراض أخرى.
ويقول
إنه يجب إبعاد المواطنين عن المخالطة وأن يكونوا في مكان آمن وأن يطبقوا التباعد
الاجتماعي الذي اعتادوا عليه؛ ولكن عدد الإصابات قد يصل إلى الآلاف ولن يجدوا
مراكز حجر صحية لعزلهم، وبالتالي أفضل مكان بالنسبة لهم هو منازلهم لأن الحكومة
غير قادرة على إطعام المواطنين في تلك المراكز.
ويتابع:
"العزل أو الحجر هي أماكن بعيدة عن مناطق سكن المصابين، وبالتالي لها أبعاد
سلبية فنحن تناسينا العامل النفسي؛ فالمواطن لا يخشى أن يصيبه الفيروس بدون أعراض،
ولكن الأعباء النفسية تزداد حين يتم نقل المريض في سيارة الإسعاف والتعامل معه
بشكل مشدد، وبالطريقة التي يتعامل بها الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ وكلها
عوامل ترهق المريض وعائلته".
وحول
أن أعراض وتداعيات الإصابة بالفيروس طفيفة في فلسطين مقارنة بتلك الأعراض في الدول
الأخرى خاصة الأوروبية والأمريكية؛ يرى نجيب أن الفيروس عالميا ما زال في خانة
المجهول والغامض؛ مبينا أن المرض وتبعاته كان وما زال محل دراسة، وحديث عن تأثير
التطعيمات ضد السل عليه.
ويلفت
إلى أن دراسة أعدت في المستشفى الاستشاري برام الله بالتعاون مع جامعة بيت لحم
استنتجت أن هناك عوامل جينية في هذه المنطقة تختلف عن العوامل الجينية في الدول
التي كان الفيروس فتاكا فيها، حيث أن هناك مستقبلات على الجينات بحيث تجعل الإصابة
طفيفة وعدد الحالات قليل بالنسبة لدول العالم، ولكنها دراسة تحتاج إلى مراجعات،
وفق رأيه.
أكبر 4 مستوطنات بالضفة الغربية.. الضم يستهدفها (خريطة)
"مصطلحات" يحاول الاحتلال ترويجها لشرعنة قراراته بالضفة
كورونا يتفشى في الخليل.. العادات الاجتماعية أبرز الأسباب