يواصل الكاتب والباحث علي سعادة، في الجزء الثاني والأخير من قراءته لمائة عام من السينما في فلسطين، استعراض تاريخ السينما الفلسطينية، وموقعها في العالم العربي، من خلال متابعة مسيرتها والتحديات الذاتية والموضوعية التي تواجهها..
سينما الرواد الأوائل
يعد إبراهيم لاما "الأعمى" مؤسس السينما العربية، ويرد اسمه في تاريخ السينما العربية والعالمية متلازما مع اسم أخيه بدر لاما باسم "الأخوان لاما".
يعدان من رواد السينما الفلسطينية، مع أن عملهما في السينما بدأ وتطور في مصر بعد أن قررا الإقامة في الإسكندرية والعمل على إنتاج أفلام سينمائية مصرية، فأسسا شركة إنتاج سينمائي باسم "شركة كوندور فيلم" عام 1926.
بدأ "الأخوان لاما" عام 1927 بإنتاج فيلمهما الأول "قبلة في الصحراء" وهو أول فيلم روائي عربي حيث تولى إبراهيم التأليف والتصوير والإخراج واكتفى شقيقه بدر ببطولة الفيلم.
في عام 1930 انتقل "الأخوان لاما" إلى القاهرة بعد أن اتسعت مشاريعهما السينمائية، بعد أن قدما فيلمهما الثاني "فاجعة فوق الهرم" عام 1928. وكانت معظم الأفلام التي أخرجها إبراهيم لاما يقوم ببطولتها شقيقه بدر لاما، حتى بعد زواج بدر من بدرية رأفت التي قاسمته بطولة هذه الأفلام.
تنوعت أفلام المخرج إبراهيم لاما فقدم الأفلام التاريخية مثل: "صلاح الدين الأيوبي" 1941، و"كليوباترا" 1943 كما أنتجت شركتهما ما يقارب 62 فيلم في الفترة ما بين 1926 و1951.
وقدم إبراهيم لاما للسينما المصرية 30 فيلما في 24 عاما، وعمل مع كبار النجوم آنذاك مثل: فاطمة رشدي، آسيا داغر، بهيجة حافظ، ماري كويني، وبديعة مصابني.
وقد أحضر "الأخوان لاما" إلى حيفا أجهزة ومعدات سينمائية جلبوها من تشيلي التي هاجروا إليها.
إلى جانبهما يوضع المخرج إبراهيم سرحان أبن مدينة الذي قام بصناعة أدواته السينمائية بنفسه وبتكاليف خاصة، كما أسس "أستوديو فلسطين" عام 1945، وأنتج الأستوديو فيلما قصيرا وفيلما روائيا بعنوان "عاصفة في بيت" كذلك بعض الأفلام الإعلانية القصيرة. كما أنجز الفيلم الشهير "صراع في جرش" عام 1957، وهو أول فيلم درامي روائي في الأردن. وانتهى به المطاف في لبنان حيث توفي في مخيم شاتيلا عام 1987.
وقد كان الباحث عدنان مدانات قد ذكر في الموسوعة الفلسطينيّة أن سرحان قد اشترى كاميرا تدار باليد، وقرأ كتبا عن فن التصوير والعدسات والطبع والتحميض، وكان وحده يقوم بتطبيق ما يقرا، ويصنع الأجهزة بنفسه، بما فيها حتّى طاولة المونتاج.
وأيضا هناك أحمد حلمي الكيلاني الذي درس السينما إخراجا وتصويرا في القاهرة، وعام 1945، وعاد إلى فلسطين ليؤسس مع جمال الأصفر وعبد اللطيف هاشم "الشركة العربية لإنتاج الأفلام السينمائية"، ولجأ بعد النكبة إلى الأردن، حيث استقر فيها وعمل في المجال السينمائي.
فيما أسس محمد صالح الكيالي ستوديو للتصوير الفوتوغرافي في يافا عام 1940، ودرس السينما في إيطاليا، وبعد عودته إلى فلسطين، حاول إنجاز فيلم عن القضية الفلسطينية ولكنه لم ينجح بسبب الأحداث في فلسطين وغادر إلى القاهرة وعمل هناك في حقل الإنتاج السينمائي الوثائقي والتسجيلي، وتمكن الكيالي من إنتاج فيلم روائي طويل عام 1969 في سوريا يدعى "ثلاث عمليات في فلسطين". توفي في ليبيا في عام 1977.
فيما يعتبر كثيرون أن مؤسس السينما الفلسطينية المعاصرة ومؤسس "سينما الثورة الفلسطينية" هو مصطفى أبو علي المولود في قرية المالحة عام 1940. ودرس في الجامعة الأمريكية في بيروت، وحصل على منحة لدراسة الهندسة في الولايات المتحدة؛ لكنه لم يواصل دراسته ، وفي عام 1966 حصل على منحة من وزارة الإعلام الأردنية لدراسة السينما في مدرسة لندن لتقنيات الفيلم في بريطانيا وتخرج منها عام 1967.
عمل في دائرة السينما في وزارة الإعلام الأردنية، وشارك بتأسيس "وحدة السينما" التابعة لقسم التصوير الفوتوغرافي في "فتح" عام 1968، وكان من مؤسسي "جماعة السينما الفلسطينية" عام 1973 في بيروت كما شغل منصب "رئيس مؤسسة السينما الفلسطينية" في بيروت ما بين 1971و 1980.
عام 1984 أسس ورئس "مؤسسة بيسان للسينما" في عمان، كما أعاد تأسيس "جماعة السينما الفلسطينية" في رام الله عام 2004.
صعوبات تواجه السينما الفلسطينية
يرى المخرج محمد أبو ناصر "عرب" أن السينما الفلسطينية "لازالت تحتفظ بالخصوصية المبنية على واقع مرير يعيشه كل الفلسطينيين سواء كان من الاحتلال أو حتى الوضع الداخلي الفلسطيني، لذلك لازالت تحبو بخطوات بطيئة، أو لنقل إنها لازالت في طور النمو والنضوج والتقدم".
فيما يؤكد المخرج محمد الجبالي صاحب فيلم "إسعاف" أن السينما الفلسطينية في الفترة الحالية في حالة جيدة "إذ أن هناك حضور وتمثيل فلسطيني في المهرجانات العالمية، ولكن يلزمنا المزيد من العمل على تطوير صناعة السينما والتمثيل بأعمال أكثر" بحسب قوله.
من جانبه يقول الصحافي الفلسطيني المقيم في غزة مجد أبو ريا أن عدة معوقات تحاصر السينما الفلسطينية تكمن في قلة الإمكانيات المتاحة وعدم الاهتمام بها من الجهات المختصة كوزارة الثقافة التي لا توفر الدعم والتمويل لصناعة الأفلام، مبينا أن أغلب المخرجين في فلسطين يعتمدون على المنح والدعم الأجنبي.
يضيف أبو ريا "يتفق أغلب النقاد والمشاهدين على أن السينما الفلسطينية لا تخلو من الطابع الوطني، لكن هل يمكن لها أن تخرج من هذا الرداء وتتجه لتصوير جوانب اجتماعية وحياتية أخرى بعيدا عن السياسية".
يشار إلى أن أغلب دور العرض السينمائي في فلسطين قد أصبحت أنقاضا الآن، وآخرها "سينما العاصي" في نابلس، و"سينما جنين"، كما تم إغلاق "سينما القصبة بسبب مشكلات مالية، في حين بدأت "سينما فلسطين" تحاول شق طريقها في رام الله قبل سنوات.
توثيق لتاريخ السينما الفلسطينية
وفي كتابه "فلسطين في السينما" يجمع المخرج والباحث قيس الزبيدي ما رصدته الكاميرا عن فلسطين في تسعة عقود، من "وعد بلفور" إلى "ملحمة جنين"، في نحو 800 فيلم شارك فيها فنانون مختلفو الجنسيات من فلسطينيين وعرب وأجانب، وتشمل طيفا واسعا من الأفلام الروائية والتسجيلية، الطويلة والقصيرة، التي تصور الأحداث المأساوية التي ألمت بفلسطين والشعب الفلسطيني.
وتغطي هذه الأفلام الفترة من عام 1911، أي منذ زمن الحكم العثماني، مرورا بعهد الانتداب البريطاني وكذلك زمن النكبة والتشريد وما تعرض له الشتات الفلسطيني حتى عام 2005.
ويشكل الكتاب أرشيفا كاملا لتاريخ السينما الفلسطينية أعده الزبيدي مع عدد من الكفاءات العربية والعالمية، لئلا يتعرض هذا الجزء الحيوي من الذاكرة الفلسطينية للضياع والفقدان، بعد أن تعرض الأرشيف السينمائي الفلسطيني للتلف والمصادرة في أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان.
وقد شارك في إنجاز هذه الأفلام 246 عربيا من عدة أقطار عربية، بينهم فلسطينيون من داخل فلسطين التاريخية ومن بلاد الشتات، في حين أن 204 فنيين وفنانين أجانب من دول متعددة ساهموا في إنجاز الباقي من تلك الأفلام.
ويذكر المخرج والباحث السينمائي جورج خليفي في كتابه "السينما الفلسطينية: الطبيعة، الصدمة والذاكرة" أن فلسطين شكلت عامل جذب واستقطاب كبيرين بالنسبة لصانعي الأفلام الغربيين في مطلع العشرينيات أيضا، لم يكن الأمر متعلقا بالفلسطينيين بأي شكل، ولكنه أتى "خدمة للجمهور المسيحي الذي يتوق لرؤية أماكنه المقدسة وتتبع أثر المسيح، بل إن الفلسطينيين ذاتهم كانوا مجردين من ذاتيتهم داخل اللقطات".
وترى المخرجة الفلسطينية نجوى النجار أن "السينما الفلسطينية اليوم هي وسيلة لتوثيق وتأريخ ما يحاول الاحتلال أن يمحوه"، هكذا هي صناعة الفيلم بالنسبة للمخرجة الفلسطينية نجوى النجار.
تضيف" السينما الفلسطينية اليوم حافظة لإرث الأجيال المقبلة، لذا يجب دعمها وتنميتها فهي سلاح قوي في ظل الظروف الحياتية الصعبة التي نعيشها في فلسطين".
وعملت الكاتبة والسينمائية خديجة حباشنة زوجة المخرج مصطفى أبو علي في ترميم أرشيف "مؤسسة السينما الفلسطينية" التابعة للإعلام الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية حيث شاركت بتأسيس وحدة السينما التابعة لقسم التصوير الفوتوغرافي في "فتح" عام 1968.
وقامت "مؤسسة السينما" حتى حصار بيروت وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982، بإنتاج أكثر من 30 فيلما بالإضافة إلى المشاركة بإنتاج عدد كبير من الأفلام لمجموعات سينمائية تقدمية من أنحاء مختلفة من العالم، من إيطاليا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، الاتحاد السوفييتي، الأرجنتين، وغيرها.
إقرأ أيضا: فلسطين 100 عام سينما.. من الريادة عربيا إلى تحدي البقاء (1من2)
فلسطين 100 عام سينما.. من الريادة عربيا إلى تحدي البقاء (1من2)
كنيسة المهد.. غزاها كثيرون وحاصرها جيش الاحتلال 40 يوما
القدس عُروبةٌ وتاريخ وهي مفتاح الحرب والسلم (3من3)