قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن الخبراء
والعلماء، يستحضرون الإنفلونزا الإسبانية، التي تفشت في العام 1918، كسابقة مفيدة،
في ظل تقدم العديد من الشركات لتجريب لقاء لفيروس كورونا، لكن في الوقت ذاته فإن من
المهم تحول التفكير إلى تاريخ الجدري ومكافحته.
وأشارت الصحيفة في تقرير ترجمته
"عربي21" إلى أن الجدري، فيروس مختلف عن كورونا، وأكثر فتكا، إلا أن
السياسة التي أحاطت بالحملة العالمية للتخلص منه، تقدم دروسا قيمه للكفاح ضد
كورونا.
وكانت منظمة الصحة العالمية بادرت بخطة عام
1958 لتخليص العالم من الجدري. وكان الفيروس تم التخلص منه في الدول الغنية ولكن
بقي ينهش الشعوب في البرازيل وجنوب آسيا وأفريقيا وإندونيسيا.
وفي اجتماع جمعية الصحة العالمية في ذلك العام
حث الدكتور فيكتور زدانوف، نائب وزير الصحة في الاتحاد السوفييتي، المندوبين على التفكير في نسبة التكلفة إلى الفائدة لحملة تقضي على مرض الجدري. فلن يساعد العمل
الجماعي على اجتثاث الفيروس في إبقاء جميع البلدان في أمان فقط ولكن سيلغي تكلفة
برامج التطعيم السنوية.
وقالت الصحيفة إن أمريكا، أكبر مساهم في
المنظمة في تلك الفترة، لم تدعم البرنامج. واعتبرت عدد من الدول الأخرى أن
التلقيح ضد الجدري هو مسؤولية الدول بمفردها ولذلك فإنه لم يتم دعم المشروع أيضا.
وبقي القضاء على مرض الجدري فكرة على ورق لمدة
سبع سنوات أخرى، وبعد رئيسين أمريكيين تحرك الرئيس ليندون جونسون لتوقيع نسخة
جديدة من الحملة ووعد بـ"دعم أمريكي لبرنامج دولي لاجتثاث مرض الجدري تماما
من الأرض على مدى العقد المقبل". وبفضل هذا التبرع المالي وتبرع الاتحاد
السوفييتي بـ 1.7 مليار جرعة لقاح فقد تم القضاء على مرض الجدري تماما عام 1977.
ولفتت إلى أنه بينما ينتظر العالم أخبارا سارة
عن لقاح لكورونا، يجب استحضار نصيحة زدانوف بالتعاون الدولي، من أجل مكافحة المرض
وما إذا كان السياسيون سيعيرون اهتماما لنصحه.
وفي مقال في "واشنطن بوست" مؤخرا أعلن زعماء من
أنحاء العالم، عن "تضامن عالمي" لتطوير لقاح وتوزيعه. وكل هؤلاء الزعماء
موقعون على اتفاقية كوفاكس، وهو تحالف صناعة لقاح تديره منظمة الصحة العالمية
ويونيسيف والبنك الدولي ومؤسسة بيل وماليندا غيتس. وقام التحالف بالبدء بإنشاء
مجمع للقاحات يسمح للدول المشاركة بدعم المزيد من اللقاحات المرشحة وفي نفس الوقت
مساعدة الدول الأكثر فقرا في الحصول على حصص من تلك اللقاحات.
ولكن كوفاكس تفتقر إلى دعم بعض أغنى الدول ولا
يزال بايدن مرشحا للرئاسة فقط ويقدم وعودا قد لا يستطيع الالتزام بها. وبدلا من
التعاون من جميع الأطراف فقد سعت الكثير من الدول الأكثر قوة، للأولوية في الحصول على
اللقاحات الواعدة من خلال اتفاقيات ترخيص.
اضافة اعلان كورونا
وقامت أمريكا الأسبوع الماضي بالتعاقد مع شركة
بفايزر للحصول على 600 مليون جرعة من لقاحهم، وقام الاتحاد الأوروبي بعقد صفقة مع
شركة أسترا زينيكا للحصول على 400 مليون جرعة.
وقالت الصحيفة إن هذه الصفقات الثنائية ستجعل
من الصعب لخطة كوفاكس أن تمضي قدما، فإن قامت الدول الغنية بشراء كل المنتج الأولي
من اللقاحات، فسيكون هناك القليل من اللقاحات للتوزيع في أماكن أخرى. كما أن خطة
كوفاكس سوف تمنح الدول الغنية فرصة إضافية للحصول على لقاح يكفي 20% من شعوبها من
خلال التحالف، إضافة للصفقات التي تعقدها بشكل منفرد.
ورأت أنه ليس من المتوقع أن تعالج نداءات
العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، مع أنها ضرورية، هذه الفروقات. وكما أثبت
برنامج استئصال مرض الجدري، فإن المصالح الذاتية أثبتت أنها السبب الأكثر إقناعا
للدول أن تهتم ببرنامج تلقيح عالمي. فحملات التلقيح في الدول الأكثر فقرا عنت أن
الدول الثرية لم تعد مضطرة لتحمل عبء التلقيح المستمر لشعوبها أو لمزيد من
المراقبة الحدودية كي لا يعبر الفيروس حدودها.
ولفتت الصحيفة إلى أن الكفاح ضد الجدري شهد
أيضا المزيد من المبادئ الأسمى التي تعمل مع المصالح الذاتية. فبسبب المعاناة من
الاحراج الدولي بسبب حرب فيتنام، فقد كان جونسون حريصا على أن يدعم الحملة ليظهر أن أمريكا
تجدد التزاماتها تجاه العالم.
فوقع على المشروع ووافق الاتحاد السوفييتي، وسط الحرب الباردة، على توفير 1.7 مليار جرعة من اللقاح. وهذا السبب وحده يكفي لأن تحتفي منظمة الصحة العالمية والعالم بالقضاء على مرض الجدري على أنه انتصار ناتج عن التعاون الدولي.
وتساءلت في الوقت ذاته: "هل يمكن للتنسيق
على هذا المستوى أن يتم ثانية؟"، وقالت: "كما حصل عام 1958 فمن غير المحتمل أن تسير
أمريكا في هذا الطريق. فقد أعلن دونالد ترامب مؤخرا أن أمريكا لن تمول منظمة الصحة
العالمية بعد الآن، كما أن أمريكا والصين على ما يبدو دخلتا في حرب باردة جديدة.
والتهم الحديثة بأن الصين وروسيا حاولتا سرقة تركيبة اللقاحات من الشركات
الأمريكية والذي جاء بعد سلسة من الاعتداءات على الصين تعود إلى 11 آذار/ مارس حين وصف
كوفيد-19 بأنه فيروس أجنبي".
ربما يرى بايدن، إن تم انتخابه، حدثا يشبه ما
فعله جونسون وسط حرب فيتنام. الذي واجه عالما غاضبا على أمريكا وعلى "أمريكا
أولا"، التي أدبتها حديثا أزمة فيروس كورونا، وقد يسعى بايدن لإصلاح السمعة
المتضررة لأمريكا بالعمل لإنشاء سلاسل إمداد عالمي للقاح.
وقالت الصحيفة إنه "حاليا يبقى أملنا
الوحيد لخطة توزيع عادلة للقاحات، معقودا على الدول التي تشارك كوفاكس. وعلى
السياسيين والعلماء والعاملين في الطب والناشطين من جميع الشرائح أن يضغطوا على
الحكومات في أنحاء العالم، لسد الثغرات والتعامل مع المسائل المتعلقة بمحاسبة
الموقعين الأثرياء والمنتجين للقاح بشأن نصيبهم".
وشددت على أنه وإن كان هناك "درس نتعلمه من
اجتثاث مرض الجدري، فهو أن المساواة في توزيع اللقاح هي بنفس أهمية اللقاح نفسه إن
لم تكن أكثر أهمية. فبعد أن توفر لقاح للجدري، أخذت السيطرة على المرض في الدول
الفقيرة أجيالا لتحقيقها، ولم تتم إلا بتعاون عالمي غير مسبوق.
وأشارت الصحيفة إلى أنه "لم يتم تسجيل براءة اختراع على لقاح الجدري. واليوم صعبت شركات الأدوية وملاك أسهمها الحصول على سلعة عالمية، ما يجعل التوزيع العادل أكثر صعوبة وأكثر تكلفة. وإن لم نتعلم هذا الدرس فإننا سنعيش مع تهديد هذه الجائحة لعقود قادمة".
خمس نصائح لإيجاد عمل بعد أزمة فيروس كورونا
كيف قلب فيروس كورونا الانتخابات الأمريكية رأسا على عقب؟
الغارديان: هذه حقيقة انتقال فيروس "كورونا" عبر الهواء