قامت الدنيا ولم تقعد للانتقاد الذي صرَّح فيه، الفنان عبد الرحمن أبو زهرة، في إحدى المداخلات البرامجية والتي قال فيها إنه يعاني من عدم العمل، مما سبب له الوحدة والاكتئاب والاغتراب، وإنه يدعو المخرجين الشباب للاستعانة به، وبمن في سنه، بدلا من تجاهل هذا الجيل مهما كانت قدراته.
كتبت ممثلتان منتقدتين سلوك عبد الرحمن أبو زهرة، ووصفتاه بالتعالي والغطرسة، وبأنه يُقّلل ويسخر من شأن الوجوه الجديدة، وخاصة الجنس اللطيف. وعلى الحساب الخاص لكلا الممثلتين؛ كان هناك هجوم وانتقاد له، حيث أدانت كل واحدة منهما تسلطه على مخرج العمل الذي يبدو أن الممثل القدير عبد الرحمن أبو زهرة كان يعمل فيه مع الممثلتين.
انقسمت الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فكان هناك تعاطف مع عبد الرحمن أبو زهرة، ويبدو أن هذا التعاطف كان كبيرا ومصحوبا بنقد للممثلتين، كما يبدو أن النقد الموجه لإحدى الممثلتين على الأقل كان قويا وعنيفا لدرجة التهديد؛ إن لم تقم بمسح البوست وتغييره ببوست اعتذار للممثل عبد الرحمن أبو زهرة. وأعتقد أن النقد الذي اندلع ضدها كان مهينا. واضح أنها تعرضت لضغط من قوى متعددة للعدول عن رأيها.
المثير للدهشة أن التهديد كان قويا وفيه وعيد بعظائم الأمور لهذه الممثلة التي أصبحت مهيضة الجناح.
أما الممثلة الأخرى فيبدو أن الهجوم عليها لم يكن بتلك الحدة وذلك الضغط، ويبدو أن الذي حماها كان اسم والدها.
أي حدث ما يُسمى بالتمييز؛ ولكن ليس هذا هو بيت القصيد.
أعتقد أن هذه الأزمة فجرَّت ثلاث نقاط مهمة:
أولا: إن شكوى عبد الرحمن أبو زهرة، ومن قبله يوسف شعبان، من عدم العمل، بل وبكاءه (وسط ذهول الجميع) مسألة تدعو إلى السؤال التالي: لماذا لا نستثمر مواهب شعبان وأبو زهرة؟ لماذا نُصر على تجاهلهم؟ ثم إن تجاهل الحكومة كبير لمقدرات الجيل السابق، برغم من أن مقدرتهم على العطاء ما زالت متوفرة.
السؤال الثاني: لماذا يتم الهجوم الحاد على الممثلتين لانتقادهما عبد الرحمن أبو زهرة؟ فبالرغم من حبنا واحترامنا لفن أبو زهرة، لكن أنا أعتقد أنه ليس هناك إنسان مقدس.. ليس هناك إنسان مقدَّس لا يمكن المس به والاقتراب منه.
السؤال الثالث: هل هناك كلام يقتل؟ يحضرني هنا في هذا السياق، شاعرنا ومثقفنا الكبير صلاح عبد الصبور؛ الذي قتلته بعض كلمات قاسية، صحيح أنه لا أحد فوق النقد، ولكن الصحيح أيضا أنه لا بد من ضرورة اختيار ما يُكال من اتهامات وما لا يُقال، وخاصة إذا كان المنوط به النقد رجل بلغ من العمر أرذله.
على أية حال كشفت هذه الأزمة عن أزمات أخرى، لا تقل خطورة عن الأزمة الأساسية التي تطرقت لها في هذا المقال. ولهذا لا يسعني إلا أن أختم مقالي هذا بما يلي: ثمة لفظ يُكسبك العالم لكن تخسر به نفسك، وثمة لفظ يُخسرك العالم لكن تكسب به نفسك.