الإعلان عن زيارة مرتقبة لوزير الصحة الأمريكي لتايوان يوم 5 آب (أغسطس) الحالي ترافق مع تقارير صحيفة تحدثت عن تعاون سعودي صيني سري لإنتاج كعكة اليورانيوم الصفراء في منشأة شمال غرب السعودية؛ كان أبرزها ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال في 4 آب (أغسطس) الحالي.
لم تكن صحيفة وول ستريت جورنال الوحيدة التي سربت الأخبار المتعلقة بالتعاون النووي الصيني السعودي الوحيدة، إذ ذكرت صحيفة نيويورك تايمز بعدها بيوم 5 آب (أغسطس) أن المخابرات المركزية الأمريكية أصدرت تقريرًا سريًا يحتوي على تفاصيل المساعي السعودية لتطوير برنامج نووي من خلال التعاون السري مع الصين.
تقارير سارعت بكين لنفيها على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بالقول إن "المزاعم الأمريكية لا أساس لها"، مضيفا أن "الصين والمملكة العربية السعودية تحافظان على تعاون طبيعي في مجال الطاقة"؛ الرد الذي رصده مركز الأمن القومي الإسرائيلي INSS في تقريره المعنون (خطوة جديدة في البرنامج النووي السعودي) والذي أشرف على إعداده كل من "يوئيل جوزانسكي، إفرايم أسكولاي، إيال بروبر".
التحولات الخطيرة لم تجر بعيدا عن الأعين الإسرائيلية التي راقبت المشهد السياسي وهي في حيرة حول أنسب الطرق للتعامل مع الصين بحسب "يوسي ميلمان" في مقالته بصحيفة هارتس تحت عنوان "China Is Saudi Arabia and Iran’s New Friend – and That’s a Real Problem for Israel" فالكيان الإسرائيلي غير قادر على تجاهل التعاون الصيني مع السعودية وإيران ما يتطلب خطة استراتيجية للتعامل مع بكين.
التعاون النووي بين بكين والرياض أثار قلق الدوائر السياسية في الكيان الإسرائيلي بحسب مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) الذي رصد التقارير الصحفية الأمريكية مؤكدا على أن التعاون السعودي الصيني يعود إلى العام 2012 بعد أن وقعت المؤسسة النووية الوطنية الصينية (CNNC) مذكرة تفاهم للتعاون السلمي في المجال النووي مع الحكومة السعودية؛ تبعها توقيع مذكرة جديدة أثناء زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" إلى العاصمة الرياض عام 2016 لبناء مفاعل الغاز عالي الحرارة (HTGRs) ثم توقيع مذكرة جديدة بين شركة (تقنية) السعودية وشركة (المجموعة الهندسية النووية الصينية) في العام 2017 لتطوير مفاعل (HTGRs) لتحلية مياه البحر بحسب ما أورده تقرير (INSS).
الغريب أن هذه التسريبات والكشوفات تزامنت مع زيارة وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكي "أليكس عازار" إلى تايبيه عاصمة تايوان يوم 9 آب (أغسطس) لتكون الأولى من نوعها منذ العام 1979 لمسؤول أمريكي رفيع لتايوان؛ زيارة جاء الإعلان عن موعدها على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بعد يوم واحد على تسريبات صحيفة وول ستريت جورنال في 4 آب (أغسطس).
تايوان الجزيرة التي تعتبرها بكين خطا أحمر وجزءا أساسا من البر الصيني الرئيس وترفض الاعتراف بها حتى اللحظة كدولة مستقلة؛ تقابلها منطقة الخليج العربي والسعودية تحديدا التي تعتبرها الولايات المتحدة خطا أحمر ومنطقة نفوذ وحليفا أساسا في منطقة الشرق الأوسط؛ فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل بحساسية مع النشاطات الصينية في إيران ـ كان آخرها مشروع الشراكة الاقتصادية بين بكين وطهران بقيمة الـ 400 مليار دولار ـ فكيف بها الحال بالتعاون بين الرياض وبكين.
الحدث الجلل دفع الإدارة الأمريكية ومن خلفها المؤسسات السيادية إلى الإعلان عن زيارة المسؤول الأمريكي لتايوان وتنفيذ الخطوة في ظرف زمني قياسي لم يتجاوز الأربعة أيام عن موعد الإعلان عن الزيارة لتحطم واحد من أهم الخطوط الحمر مع بكين ليبدو كرد على الاختراق الصيني في الخليج العربي وخصوصا في المملكة العربية السعودية.
إن الكثير من الخطوط الحمراء تم تجاوزها خلال الأشهر الثمانية الماضية بين بكين وواشنطن تبعت التدهور في العلاقات المرتبط بتفشي كوفيد 19؛ وما سبقه من حرب تجارية بين البلدين أيضا؛ فالتطورات الأخيرة تشير إلى تحولات خطيرة جعلت من السعودية وتايوان ساحات للتصارع وتبادل الرسائل بين البلدين؛
الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتفِ بتسريب المعلومات السرية عن التعاون النووي السعودي الصيني وبكسر الخطوط الحمر في تايوان بل انتقلت إلى مرحلة متقدمة تمثل بقبول النظر في القضية التي رفعها ضابط الاستخبارات السعودي المنشق سعد الجبري في محكمة واشنطن الفيدرالية التي وجهت أمر استدعاء قضائي لـ 13 مسؤولا سعوديا من ضمنهم ولي العهد محمد بن سليمان يوم 10 آب (أغسطس) الحالي؛ أي بعد يوم واحد من زيارة المسؤول الأمريكي لتايوان؛ لتفرض مزيدا من الضغوط على المملكة تتجاوز حدود التسريبات عبر الصحافة الأمريكية.
مقابل ذلك عمدت الصين إلى إرسال طائراتها الحربية لتقترب من جزيرة تايوان أثناء هبوط طائرة وزير الصحة الأمريكي "أليكس عازار" في تايبيه عاصمة جزيرة تايوان وسارعت للدفاع عن علاقاتها مع السعودية في حين أن نائب وزير الخارجية الصيني له يو تشنغ نقل عنه القول في مقابلة نُشرت على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الصينية أنه ينبغي لبلاده إبقاء علاقتها مع الولايات المتحدة على المسار الصحيح وضمان عدم خروجها عنه محذرا من أن "الأشهر المقبلة حاسمة للعلاقات الصينية الأمريكية".
رغم التحذيرات الصينية من الانجرار إلى مسار التصعيد فإن الكثير من الخطوط الحمر تم تجاوزها خلال الأشهر الثمانية الماضية بين بكين وواشنطن تبعت التدهور في العلاقات المرتبط بتفشي كوفيد 19؛ وما سبقه من حرب تجارية بين البلدين أيضا؛ فالتطورات الأخيرة تشير إلى تحولات خطيرة جعلت من السعودية وتايوان ساحات للتصارع وتبادل الرسائل بين البلدين؛ إذ لم تكن مصادفة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن زيارة وزيرة الصحة لتايوان يوم 5 آب (أغسطس) اليوم ذاته الذي نشرت فيه نيويورك تايمز تفاصيل التعاون الصيني السعودي السري في المجال النووي: كما لم تكن مصادفة استدعاء المحكمة الفيدرالية لولي العهد السعودي بأمر قضائي بقضية استهداف ضابط الاستخبارات سعد الجبري يوم 10 آب (أغسطس) أي بعد يوم واحد من زيارة وزير الصحة الأمريكي لتايوان.
ختاما: التحركات الصينية الأمريكية تؤكد أن التصارع بين بكين وواشنطن انتقل إلى الخليج العربي عبر البوابة السعودية دافعا الولايات المتحدة إلى محاولة التأكيد مجددا على خطوطها الحمر في الخليج العربي خصوصا في السعودية؛ معركة إن استمرت دون اتفاق استراتيجي يجمع بكين وواشنطن فسيكون له قرابينه وضحاياه في منطقتنا وفي جنوب شرق آسيا كذلك.
hazem ayyad
@hma36
عن استقالة المبعوث الأمريكي لإيران
نقابة المعلمين ومناخ الانتخابات البرلمانية المقبلة
دلالات اعتراض الطائرة الإيرانية