منح تعهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ومن
قبله أيضا باراك أوباما، بإنهاء حروب البلاد، دفعة قوية لهما في السباق نحو البيت
الأبيض، ما يشير إلى أن ذلك مطلب أساسي للناخبين، ويجعل التساؤل عن أسباب ذلك
جديرا بالاهتمام، رغم تراجع أعداد القوات المنتشرة في بؤر النزاع الأساسية بشكل
كبير على مدار العقدين الماضيين.
ونشر موقع مجلة "ذا ناشيونال
إنترست" تقريرا يلقي الضوء على تصدر "إنهاء الحروب" قائمة مطالب
الأمريكيين من أي شخص يتقدم لتولي قيادة البلاد، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة كانت، ولا تزال، لاعبا
عسكريا نشطا في جميع أنحاء العالم منذ نهاية الحرب الباردة.
وأضافت المجلة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن الولايات المتحدة خاضت حروبا دموية
ومكلفة في العراق وأفغانستان بينما قامت أيضا بعمليات عسكرية كبيرة في البلقان
وليبيا وسوريا ومناطق ساخنة أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدار العقود
الماضية.
ويشير انتخاب الجمهوري
ترامب، والدعم الكبير الذي حصل عليه التقدميان، بيرني ساندرز وإليزابيث
وارين، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، إلى أن الأمريكيين قد سئموا من
هذا العبء الثقيل، بحسب المجلة، إذ إن الثلاثة كانوا قد ركزوا في حملاتهم الانتخابية على الدعوة إلى تفكير
جديد حول دور أمريكا في العالم.
مشاكل داخلية
ويوفر استطلاع جديد أجراه
موقع "يو غوف" (YouGov)، واطلعت عليه "عربي21"، المزيد من الأدلة على أن الجمهور الأمريكي يدعم سياسة خارجية "أكثر واقعية"،
كما وصفها التقرير، ويريد من قادته التركيز على الاحتياجات المحلية الملحة أكثر من
المشاريع الخارجية.
وأجرت "يو غوف" مقابلات مع ألفي شخص في الفترة من 24 إلى 27 تموز/ يوليو
الماضي، وجمعت بيانات الاستطلاع بناء على إجاباتهم. وبالنظر إلى مدى استقطاب
البلاد حول العديد من القضايا الأخرى، فمن المدهش بشكل خاص توحد الأمريكيين على إنهاء
الحروب "التي لا نهاية لها" في الشرق الأوسط وتجنب المزيد من التورط
العسكري في النزاعات الخارجية.
اقرأ أيضا: هكذا تغير انتشار أمريكا العسكري حول العالم خلال عقد (خريطة)
ويريد الأمريكيون، بغض
النظر عن الحزب الذي ينتمون إليه، أن يركز قادتهم الانتباه على الجبهة الداخلية،
وفق الاستطلاع، الذي أشار إلى أن نحو 75 بالمئة من المستطلعة آراؤهم أيدوا ذلك،
بينما يريد ستة بالمئة فقط أن تمنح الأولوية لقضايا السياسة الخارجية.
ورغم أن الجمهوري جورج
بوش الابن، الرئيس الأسبق للبلاد، هو من أصدر الأمر الأخير بغزو أفغانستان
والعراق، إلا أن نسبة من يرفضون الاستمرار بالحروب من أتباع الحزب بلغت 82 بالمئة،
مقابل 75 بالمئة لدى الديمقراطيين.
هاجس "الدين العام"
وتماشيا مع مخاوفهم
بشأن الأولويات المحلية، يريد عدد كبير (37 بالمئة) من الأمريكيين رؤية إنفاق
البنتاغون ينخفض، فيما يريد حوالي 28 بالمئة الاحتفاظ به كما هو، و13 بالمئة فقط
يريدون زيادة الإنفاق.
وعندما تم تذكير المستطلعة آراؤهم بأن الدين القومي يزيد على 23 تريليون دولار ويزيد على 25 تريليون دولار
هذا العام، أعرب 49 بالمئة منهم عن رغبتهم في خفض إنفاق البنتاغون، بينما أراد ثمانية
بالمئة فقط رؤيته يزداد.
وتأثر الجمهوريون، على
وجه الخصوص، بالمخاوف المتعلقة بالديون، وازدادت نسبة من طالبوا بخفض
الإنفاق الدفاعي من 13 إلى 40 بالمئة لدى تذكيرهم بالدين العام.
وعندما يتعلق الأمر
بالرأي العام الأمريكي بشأن قضايا السياسة الخارجية الأمريكية الرئيسية اليوم، فمن
الواضح أن الجمهور يدعم إنهاء الحروب الحالية مع عدم الدخول في أخرى جديدة
والتركيز على الأولويات المحلية.
وبذلك، سيكون صانعو
السياسة الحاليون والمستقبليون مطالبين بأن يأخذوا في الحسبان "وجهات النظر
الواقعية المتزايدة"، بحسب "ذا ناشيونال إنترست"، وهو ما يطرح
تساؤلات عن قدرة بايدن على مواجهة ترامب في هذا المنحى تحديدا، علما بأن الأخير
تمكن من تحقيق "صفقة تاريخية" مع طالبان مؤخرا.
ومال 48 بالمئة من
المستطلعة آراؤهم إلى الحد من انخراط الولايات المتحدة العسكري في الصراعات
الحالية، ولم يقل سوى سبعة بالمئة فقط إن البلاد بحاجة إلى زيادة ذلك النشاط، ما
يشير إلى "القليل من الشغف للمواصلة بالمغامرات العسكرية"، وفق "ذا
ناشيونال إنترست".
جيل جديد
وتضيف المجلة أن التحول
الواقعي لأمريكا ملحوظ بشكل خاص في كيفية تفكير الجمهور بحروبها الطويلة الأمد في
العراق وأفغانستان.
ويؤيد حوالي 74 بالمئة
من الأمريكيين إعادة قوات بلادهم من العراق، وترتفع النسبة إلى 76 بالمئة
عندما يتعلق الأمر بأفغانستان، ما يفسر اندفاع ترامب لعقد اتفاق سلام مع حركة
"طالبان"، في السنة الأخيرة قبل انتخابات 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.
ولفتت "ذا
ناشيونال إنترست" إلى أن 24 بالمئة من الأمريكيين، فقط، أيدوا سحب قوات
البلاد من أفغانستان، في آذار/ مارس الماضي، فيما قال 26 بالمئة إنهم يؤيدون خفض
التواجد العسكري هناك، أي إن المجموع آنذاك لم يتجاوز الـ50 بالمئة، وارتفعت النسبة
إلى 51 بالمئة مطلع عام 2019، ثم إلى 69 بالمئة في كانون الثاني/ يناير الماضي.
اقرأ أيضا: WP: كيف يؤثر اضطراب الشرق الأوسط على إعادة انتخاب ترامب؟
انتهاء عقلية الحرب
الباردة
أما في ما يتعلق
بالتواجد العسكري في أوروبا، فإن هنالك انقساما أكبر، إذ قال 36 بالمئة إن على
واشنطن خفض عدد قواتها المتمركز في القارة العجوز، بينما قال 40 بالمئة إنهم
يؤيدون الحفاظ على مستوياتها، وطالب أربعة بالمئة فقط بزيادة الحضور لدى الحلفاء
لحمايتهم.
وفي مؤشر على تغير مهم
للعقلية الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة، فإن غالبية 47 بالمئة من المستطلعة
آراؤهم يرون أن حلف شمال الأطلسي "أقل ارتباطا بعالم اليوم"، مقارنة بما
كان عليه الحال قبل 70 عاما، مقابل 29 بالمئة رأوا أهمية متزايدة
لـ"الناتو".
حتى وإن كان الخصم
"الصين"
وفي ما يتعلق بأكبر
"تهديد استراتيجي" يواجه الولايات المتحدة، أعرب أكثر من نصف الجمهور عن أن
الصين تمثل تهديدا عسكريا للبلاد، بينما يقول أقل من الربع إنها ليست كذلك.
ومع ذلك، بحسب
"ناشيونال إنترست"، فإنه لا يبدو أن الأمريكيين متحمسون لخوض معركة
عسكرية مع العملاق الآسيوي أيضا، إذ قال حوالي 62 بالمئة من المشاركين في
الاستطلاع إن الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل عسكريا في حرب بين الصين والهند،
بينما يؤيد 12 بالمئة فقط الدفاع العسكري عن الأخيرة وثلاثة بالمئة فقط قالوا إنه
يجب علينا الدفاع عن الصين.
وفي حال حاصرت الصين
تايوان، فإنه يتعين على الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية، بحسب 27 بالمئة
فقط من المستطلعة آراؤهم، بينما رفض ذلك 39 بالمئة. وترتفع نسبة التأييد للتدخل في
حال غزت بكين الجزيرة المطالبة بالاستقلال إلى 30 بالمئة، فيما يواصل 36 بالمئة
الرفض، ويقول 35 بالمئة إنهم لا يعرفون.
مصادر عراقية: هذه تفاصيل تخلي الحلبوسي عن محور الإمارات
لماذا تتصاعد الهجمات ضد أمريكا قبل زيارة الكاظمي لترامب؟
هكذا تغير انتشار أمريكا العسكري حول العالم خلال عقد (خريطة)