تشكل
الانتخابات الرئاسية الأمريكية منعطفا سياسيا هاما في السياسة الدولية كل أربع سنوات. صحيح أن السياسات الأمريكية لا تتغير 180 درجة، لكن هناك هامشا من المناورة والحركة يسمح لكثير من الأطراف الداخلية الأمريكية والدولية بتحقيق بعض الأهداف. هو موسم حصاد المجهود السياسي لجماعات الضغط داخليا وحملات الدبلوماسية الخارجية، ويترقب الجميع هذه الأيام ما ستسفر عنه انتخابات تشرين الأول/ نوفمبر المقبل ونحن في سباق المئة يوم الأخيرة.
تشير التحركات الواسعة والمتسارعة في منطقتنا العربية أن ثمة احتمالا كبيرا لخروج الرئيس الحالي دونالد
ترامب من البيت الأبيض، وهو الحصان الذي راهنت عليه أنظمة كثيرة بذلت مجهودا في دعمه والتنسيق المسبق معه. خروج ترامب سيكون خسارة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسيكون خسارة لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
في هذا الإطار يمكن أن نفهم
التحركات الحثيثة لتطبيع هذا الأخير مع إسرائيل؛ لتأمين ظهره أمريكيا الذي قد يُكشف في أية لحظة، خاصة مع احتمال فتح ملفات كثيرة حول الدور الإماراتي في الشأن الأمريكي. تحركات أخرى لولي العهد السعودي للملمة فضائحه القضائية أمريكيا باستخدام كافة الوسائل والطرق، ولكن يبدو أن خرقه قد اتسع على الرتق. التسريبات الصحفية تشير لجهد دبلوماسي سعودي محموم ليست له نتائج على الأرض حتى الآن.
الأمر ذاته ينطبق على أطراف تقف على النقيض من السياستين الإماراتية والسعودية في المنطقة، مثل تركيا التي أجادت اللعب مع الولايات المتحدة خلال فترة حكم ترامب لتحقيق أقصى استفادة ممكنة في ملفات مثل سوريا وليبيا. ترامب نفسه يصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه لاعب شطرنج عالمي، وأن منافسه
بايدن غير مؤهل عقليا للتعامل مع مثل هذه النوعية من القادة والمسؤولين.
فخلال أسابيع قليلة كانت تركيا تتدخل عسكريا في ليبيا ثم تخوض حربا دبلوماسية ثم وقفا لإطلاق النار ثم تهدئة، في تسارع ينبئ برغبتها في تثبيت واقع جديد على الأرض قبل قدوم السيد المحتمل الجديد للبيت الأبيض؛ هذا السيد الذي تم نشر لقاء له ينتقد فيه الحكومة التركية، مطالبا بدعم المعارضة، في انحياز واضح وتدخل في الشأن الداخلي في دولة عضو في حلف شمال الأطلسي الناتو.
أما في داخل الولايات المتحدة فهناك سباق له قواعد ومعايير أخرى؛ ما يعنينا منها هو الجهد المكثف لجماعات الحقوق المدنية الذي تطور إلى حملة "حياة السود مهمة"، مع حملات أخرى لفضح الانتهاكات العربية لحقوق الإنسان بغطاء من البيت الأبيض، لا سيما قضية خاشقجي ثم سعد الجبري، مرورا بالوضع في مصر. كل هذه الجهود استطاعت انتزاع وعود من الديمقراطيين،، وخاصة مرشحهم بايدن بالتدخل تشريعيا وسياسيا لكبح جماح هذه الظواهر.
فمن الواضح الجلي أن سياسات ترامب كانت تعتمد بشكل سافر على دعم الأنظمة المستبدة جهارا نهارا، على طريقة مخاطبة ترامب للسيسي بـ"
دكتاتوري المفضل". وهي سياسات غير مرشحة للاستمرار بالطريقة الفجة نفسها إذا خرج ترامب من السلطة.
لم تكن إدارة ترامب إدارة عادية، ولذلك سيكون
خروجه (إذا خرج) من البيت الأبيض غير عادي أيضا. لهذا، فكلما اقترب موعد الانتخابات الأمريكية سنشهد مزيدا من مثل هذه التحركات السريعة والمحمومة في كافة الاتجاهات خلال الأسابيع القادمة. المشكلة الرئيسية أن القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية أصبحت خارج هذه الأجندة.
كنا نتحدث قديما عن فرص وحلول وسيادة بعد مواجهات سابقة قبل عقود من حديث الاستقلال والنهوض، وصل بنا الحال للمراهنة على الإدارة الجديدة لمجرد رفع السكين مع على رقاب الشعوب.
twitter.com/hanybeshr