تميز بشخصيته الإنسانية البسيطة. ورافقت مسيرته النضالية صفات الوضوح والتواضع حتى وهو في مواقعه القيادية، على عكس مواقعه السياسية والعسكرية التي اتسمت بالصلابة والشدة وعدم القبول بالحلول الوسط حين تكون فلسطين وأرضها وشعبها موضوع النقاش.
حياته العملية كانت أبسط مما يتصورها أي إنسان فهو عمل موظفا صغيرا في بنك الإنشاء والتعمير، كما عمل في منجرة، ومحل للزجاج، وفي مصنع للكرتون، وأعمال أخرى بسيطة.
ربما أثرت هجرته المبكرة من فلسطين على المسار الشخصي في حياته فقد ولد قبل النكبة بعشر سنوات تحت اسم مصطفى علي العلي الِزبري واشتهر تحت اسم "أبو علي مصطفى" وكانت ولادته في قرية عرابة قضاء جنين في فلسطين عام 1938. ودرس المرحلة الأولى في بلدته، ثم انتقل عام 1950 مع بعض أفراد أسرته إلى العاصمة الأردنية عمان، وبدأ حياته العملية وأكمل دراسته فيها.
وخلال إقامته في عمان انتسب إلى النادي القومي الشهير" النادي الثقافي العربي"، وهو نادٍ ضم شباب "حركة القوميين العرب"، لينتمي من خلاله في عام 1955 إلى "الحركة" رسميا، ويتعرف حينها على القياديين جورج حبش ووديع حداد.
وشارك وزملاؤه في "الحركة" و"النادي" في مواجهة سياسة الأحلاف، وإلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية، والمطالبة بتعريب قيادة الجيش وطرد الضباط الإنجليز من قيادته وعلى رأسهم غلوب باشا.
اعتقل عام 1957 إثر إعلان الأحكام العرفية في البلاد، وإقالة حكومة سليمان النابلسي ومنع الأحزاب من النشاط، كما اعتقل عدد من نشطاء "الحركة" آنذاك، وأطلق سراحه وعدد من زملائه في ما بعد، ليعاد اعتقالهم بعد حوالي أقل من شهر وقدموا لمحكمة عسكرية بتهمة مناوَءة النظام والقيام بنشاطات ممنوعة والتحريض على السلطة وإصدار النشرات والدعوة للعصيان. وصدر عليه حكم بالسجن لمدة خمس سنوات أمضاها في معتقل "الجفر" الصحراوي.
أطلق سراحه عام 1961، وعاد لممارسة نشاطه في "الحركة" وأصبح مسؤول شمال الضفة، وفي عام 1965 شارك بدورة عسكرية سرية لتخريج ضباط فدائيين في مدرسة انشاص الحربية في مصر، وعاد منها ليتولى تشكيل مجموعات فدائية.
اعتقل في حملة واسعة قامت بها الحكومة الأردنية ضد نشطاء الأحزاب والحركات الوطنية والفدائية عام 1966، وأوقف إداريا لعدة شهور في سجن الزرقاء العسكري، ومن ثم في مقر مخابرات عمان، إلى أن أطلق سراحه والعديد من زملائه الآخرين بدون محاكمة.
في أعقاب حرب حزيران / يونيو عام 1967 قام وعدد من رفاقه في "حركة القوميين العرب" بالاتصال بالدكتور جورج حبش (الحكيم) لاستعادة العمل والبدء بالتأسيس لمرحلة الكفاح المسلح، وكان هو أحد المؤسسين لهذه المرحلة ومن مؤسسي "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".
قاد الدوريات الأولى نحو فلسطين عبر نهر الأردن، لإعادة بناء التنظيم ونشر الخلايا العسكرية، وتنسيق النشاطات ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان ملاحقا من قوات الاحتلال واختفى لعدة شهور في الضفة في بدايات التأسيس.
تولى مسؤولية الداخل في قيادة "الجبهة الشعبية"، ثم المسؤول العسكري لقوات الجبهة في الأردن إلى عام 1971، غادر الأردن إلى لبنان لينتخب بعدها بعام نائبا للأمين العام للجبهة الشعبية.
ودخل أبو علي مصطفى في عضوية المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1968. وعضوية المجلس المركزي الفلسطيني. وانتخب عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ما بين عامي 1987 و1991.
عاد إلى فلسطين عام 1999 بعد غياب استمر 32 عاما في أعقاب الاتفاق بينه وبين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات عقب توقيع منظمة التحرير لاتفاقية "أوسلو"، وسمح الاحتلال بعودته إلى بلدته في جنين بعد رفض استمر ثلاث سنوات.
رفضت "الجبهة الشعبية"، وأبو علي مصطفى "اتفاقيات أوسلو"، واعتبر أبو علي مصطفى أن "المقاومة المسلحة ضد إسرائيل يجب ألا تتوقف ويجب ألا ترتبط بالمواقف السياسية المتغيرة للسلطة الوطنية الفلسطينية".
وكان وقتها يتولى منصب نائب الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية" وهو المنصب الذي بقي فيه حتى عام 2000 حين انتخب أمينا عاما للجبهة بعد استقالة (الحكيم) حبش لأسباب صحية.
قبل استشهاده تحدث أكثر من مرة عن محاولات "الموساد" الإسرائيلي اغتياله.
ورغم فشل تلك المحاولات إلا أن اغتيال أبو علي مصطفى كان على أجندة "الموساد" الدائمة ففي 27 آب / أغسطس عام 2001 قصفت طائرات الأباتشي الإسرائيلية بواسطة صواريخ موجهة مكتبه في مدينة رام الله إبان انتفاضة الأقصى، أو الانتفاضة الثانية التي اندلعت بعد تدنيس أرييل شارون للمسجد الأقصى.
وأدت عملية القصف إلى استشهاده، وردا على ذلك قامت "الجبهة الشعبية" بالثأر له فقتلت وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في تشرين الأول / أكتوبر من نفس العام. وهي العملية التي اتهم خليفة أبو علي مصطفى في قيادة الجبهة، أحمد سعادات، بالتخطيط لها فقام الاحتلال باعتقاله ولا يزال أسير سجون الاحتلال حتى اليوم.
وكانت عملية اغتيال زئيفي المرة الأولى التي يتم فيها اغتيال شخصية إسرائيلية بهذا الحجم، الأمر الذي شكل صدمة لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
كان أبو علي مصطفى يؤمن بأن المقاومة المسلحة يجب ألا تتوقف ويجب ألا ترتبط بالمواقف السياسية المتغيرة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وكان يردد أن "معركتنا وصراعنا مع إسرائيل مسألة إستراتيجية لا تخضع لأي اعتبارات، حتى وإن كانت الظروف الآن تتحدث عن تسوية أو سلام، فنحن لا نعتبر ما هو قائم تسوية ولا سلاما، نحن نعتبر أن من حق الشعب الفلسطيني المشرد والواقع تحت الاحتلال أن يناضل بكل الأشكال بما فيها الكفاح المسلح، لأننا نعتبر أن الثابت هو حالة الصراع، والمتغير قد تكون الوسائل والتكتيكات. هذه سياستنا".
ويعتبر أبو علي مصطفى، السلطة الفلسطينية امتدادا ونتاجا لـ "اتفاقية أوسلو" التي رفضها وقاومها على مدى السنوات الماضية، غير أنه كان يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية شيئا مختلفا عن السلطة الوطنية، وكان يدعو إلى المحافظة على وحدة المنظمة التي كان يرى فيها أداة وحدة سياسية للشعب الفلسطيني رغم كونها "مشلولة ومعطلة الأيدي" على حد وصفه.
يقول: "نحن نميز بين سلطة هي امتداد لأوسلو واتفاقات أوسلو ومنظمة التحرير التي هي حصيلة إنجاز وطني فلسطيني، وبالتالي نحن مطالبون بأن نعمل على إعادة بنائها، وإعادة بناء مؤسساتها".
وتثير ذكرى رحيل أبو علي مصطفى سجالا على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن حيث أمضى معظم حياته خصوصا مع منع الحكومة الأردنية في السنوات الأخيرة لقوى حزبية أردنية إقامة إحياء ذكرى استشهاده لمشاركته في أحداث أيلول في الأردن عام 1970 التي وقعت بين الحكومة الأردنية والفدائيين الفلسطينيين، رغم أن الحكومة الأردنية والملك عبدالله الثاني قدموا التعازي للحكومة الفلسطينية وقت اغتياله.
إحراق المسجد الأقصى.. جريمة لا تزال حاضرة بأشكال مختلفة
"يافا".. هل كانت الطعنة الغادرة في القلب؟ لاجئة تجيب
رفات الجندي المجهول في بلدة بيتا