أعاد خبر الترتيب لنقل رفات جندي من الجيش العربي الأردني كان قد استشهد في العام 1967 بالقرب من قرية بيتا جنوبي نابلس، الحديث عن القبور المجهولة في فلسطين وعن الشهداء الفلسطينين والأردنيين المفقودين الذين انقطعت أخبارهم أيام حرب 1967م وما تلاها من أحداث خلال السنوات التالية (1967- 1970) التي عرفت باسم (حرب الاستنزاف)، ويرقد أكثرهم في مقابر الأرقام التي أقامها الاحتلال الصهيوني في الأغوار.
سيتم نقل رفات الجندي الواقع تحت شجرة تين بالقرب من زعترة/ بيتا تجنباً لأن يمر من فوقه طريق التفافي جديد يتم العمل عليه من قبل الاحتلال الإسرائيلي يمتد من حاجز زعترة ماراً بأرضي بلدتي بيتا وحوارة جنوبي نابلس. وبحسب النشطاء فسيكون نقل الرفات بالتنسيق مع الجهات الأردنية في فلسطين، وهذا ما يعني أن الجهات الرسمية اعتمدت روايات الأهالي حول القبور المنسوبة لشهداء الجيش العربي في فلسطين.
في حالة هذا الجندي وغيره من عشرات القبور مجهولة الأسماء نحن لا نمتلك أيّة مصادر موثقة يُمكن الرجوع إليها لمعرفة تفاصيل حياتهم واستشهادهم، وليس لدينا أيُّ مرجع يمكن البناء عليه وفق حقيقة تاريخية مُثبته، وكل ما لدينا هو روايات شفوية لعبت أعاصير الزمن في بُنيتها.
ولعل المعلومات الأساسية المتوفرة لدى الأهالي حول حكاية قبر الجندي الأردني بالقرب من بلدة بيتا هو ما يرويه الحاج رزق الله أقطش والبالغ من العمر 73 عاماً، حيث روى تفاصيل إعدام الشهيد وتركه لعدة أيام قبل أن يتم دفنه بجانب الطريق لتظلله شجرة تين لاحقاً.
ورغم سعي بعض الباحثين والمؤرخين لتوثيق هذه القبور وإعادة الاعتبار لها وللراقدين فيها منذ نحو 50 سنة، إلا أن الجهود كانت تقف فجأة أمام انقطاع الخبر وتداخل الروايات الشفوية، التي تَضعُفُ مصداقيتها العلمية والبحثية مع طول مدتها وتداخل بعض الأحداث عند الراوي.
وهذا ما نلحظه في قصة القبر المجهول قرب بلدة بيتا، فروايات الأهالي متداخلة، والبعض يقول إن الجثمان لم يقترب منه أحد، وآخرون يقولون إن أهالي البلدة والقرى المجاورة ذهبوا إليه عَلَّهم يتعرفون عليه طوال عشرين يوم قبل دفنه، ومن الواضح أن عوامل الزمن وإشكاليات الرواية الشفوية واضحة في ما يتم تداوله.
وهذا يقودنا إلى ضرورة التأكد من صورة الشهيد الشخصية التي يتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن الشهيد لم يكن يمتلك وقتها أية أوراق رسمية بحسب الروايات الشفوية، فكيف أخرجنا له صورة من العدم.
إن هذه القبور التي جعل الناس لها هالة القداسة باعتبارها قبور شهداء فحافظوا عليها قد تكون قبوراً لمسافرين وعابرين نحو الضفة الشرقية من نهر الأردن وليست لجنود ومقاتلين، حيث تم تسجيل عشرات القصص لمهاجرين لقوا حتفهم في الطريق ودفنوا من قبل الأهالي دون أية تفاصيل عنهم، الأمر الذي يجعلنا أمام مُهمة بحثية وعمل وطني كبير يحتاج إلى نفس طويل قبل أن نُغلق هذا الملف.
وفي السياق الفلسطيني يُمكننا قراءة أشكال كثيرة شبيهة بهذه الحالة للقبور المجهولة والتي تحظى باحترام من الأهالي كما هو الحال مع قبور الأولياء المنتشرة على قمم التلال والجبال، والتي يُجمع الأهالي على أنها لأولياء وعُباد صالحين دون معرفة تفاصيل عن أسمائهم أو نسبهم أو سيرتهم، وفي بعض الأحيان تُربط هذه القبور بشخصيات إسلامية مهمة تاريخياً لمجرد تشابه الأسماء.. وخلال الزمن قامت الذهنية الشعبية بنسج قصص كثيرة حول مكانتهم وكراماتهم.
وفي موضوع الجنود المجهولين نجح روائيون فلسطينيون في ترميم بعض قصصهم ونسج رواية تبقيها في الذاكرة، ومن بين هذه المحاولات، ما كتبه الروائي الدكتور وليد الشرفا في روايته: "وارث الشواهد" حول القبر المجهول الواقع بالقرب من حاجز حوارة جنوبي مدينة نابلس، الكاتب في هذه الرواية جعل لهذا القبر وللشاهد الذي يعلوه قصة بطولة جميلة.
وعلى العموم فمهما كانت القصة الحقيقية لأصحاب هذه القبور فإنها تبقى جزءاً من ذاكرتنا المُتصلة بالمكان، حاكية مشاهد من تاريخ هجرتنا ومعاناتنا مع الاحتلال، ما يدفعنا لصونها واحترامها، الأمر الذي يفعله أهالي بلدة بيتا بنقل رفات صاحب هذا القبر إلى مقبرة الشهداء داخل بلدتهم.
سميح القاسم .. رحل "منتصب القامة"
لاجئ من يافا: لهذا رحّلتنا مصر بعد زيارة السادت للقدس
النكبة واتجاهات تطور المتاحف الفلسطينية