العاطفة الإنسانية والأخوية تجعلنا
ندعو للدكتور محمود عزت بالفرج والحرية، هو وجميع إخوانه وأخواته، وجميع المظلومين.. نسأل الله أن يثبته ويثبتهم ويفرج كرب الجميع، وأن يفك أسرهم.. إنه سميع مجيب. ولكن التحليل السياسي في معركتنا مع النظام، يوجب علينا النظر في التاريخ والأحداث والمآلات لكل حدث ولكل جديد.
الكل يعرف أن د.
محمود عزت هو نائب المرشد الذي بقي في
مصر بلا اعتقال، عقب الأحداث الجسام التي رافقت الانقلاب الدموي وما بعده من مجازر مروعة.
نواب المرشد د. بديع كانوا أربعة: د. رشاد بيومي (اعتقل مبكرا)، م. خيرت الشاطر (اعتقل أيضا)، الأستاذ جمعة أمين (سافر مبكرا قبل أن يعتقل)، ود. محمود عزت.
من الواضخ أن أجهزة أمن الانقلاب كانت ولا زالت تريد وأد الجماعة، وألا يبقى لها صوت أو أثر، فهل تجاوزت هذه الأجهزة عن اعتقال الرجل قصدا وتركته تراقبه أو تتتبع خطواته لتنال منه وممن يتواصل معه وقتما تريد؟ ولم نسمع عن اعتقال من تواصلوا أو قيل إنهم تواصلوا معه بعد محمد عبد الرحمن المرسي.
قيل إنه كان مختبئا في مكان لا يعرفه إلا نفر قليل، وهذا بتوثيق طرفي الخلاف، رغم أن أحدا لم يثبت أنه رآه أو التقاه إلا روايات محمد عبد الرحمن المرسي. حتى محمد كمال طلب مقابلته أو أحدا من اللجنة الإدارية، فلم يقبل ذلك على الإطلاق.
وما أحدث أو فجّر الخلاف، هو تمكن شباب الجماعة من إحداث نقلة نوعية في الصراع مع سلطة الانقلاب. وكما ذكرت الأطراف، فإن كلا من محمد وهدان ومحمد سعد عليوة، عضوي مكتب الإرشاد، استطاعا أن يلتقياه (لا دليل) ويبلغاه بأن اللجنة الإدارية المختارة من الشورى، التي اعتُمدت برئاسه محمد كمال، تتجه إلى المواجهة، رغم أن النظام كان في أضعف حالاته، وأن الشرطة في يوم ٢٥ كانون الثاني/ يناير ٢٠١٥ عاشت أجواء ٢٨ كانون الثاني/ يناير ٢٠١١.
فخرج قرار يسحب البساط من إدارة كمال ولجنته الإدارية. وبعدما كنا نسمع مباشرة من محمود حسين بحضور البحيري والوتيدي؛ بأننا في مرحله الإنهاك والإرباك والإفشال ثم سنصل بإذن الله إلى مرحلة الحسم، انقلبت الطاوله بقرار قيل إنه من القائم بأعمال المرشد، وأوقفت بوادر النصر تحت زعم أن الدولة ستسقط، وهي نفس طريقة صرف الناس من رمسيس (مسجد الفتح) تحت نفس الزعم، بناء على اتصال اللواء العصار ببعض القادة!! فضاعت فرصة رمسيس والحديد ساخن، كما ضاعت فرصة كانون الثاني/ يناير ٢٠١٥.
واختير محمد عبد الرحمن المرسي رئيسا للجنة الإدارية بدلا من ممد كمال، واعتقل في هذه الأثناء جل أعضاء المكتب الذين لم يكونوا قد اعتقلوا (محمد وهدان، محمد سعد عليوة، محمود غزلان، عبد الرحمن البر)، وبقي محمد كمال متهما من إخوانه والنظام بعسكرة الثورة!! وبقي كذلك من أعضاء المكتب محمد عبد الرحمن المرسي.
وسمعنا تسجيلا صوتيا حيا ومحتملا لمحمود عزت، ثم قيل إن الوحيد الذي يستطيع الوصول لمحمود عزت هو المرسي. وقُتل محمد كمال واعتقل المرسي، وذُكر أنه لم يتمكن من إخفاء أية معلومة (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
وبقي عزت وحيدا لا نجزم هل هو حر أم مراقب ومتروك أم مختف تماما عن الأنظار، ولا يوجد أي تواصل معه، وهي الضمانة الوحيدة لبقائه بعيدا عن رقابة الأمن الحثيثة لأهم رجل في الجماعة خارج السجن.
اعتقل مركز الصلة الوحيد به وهو المرسي، ولا غبار على أن يتمكن د. عزت من الاختفاء (إن لم يكن اعتقل) لسبع سنوات. فعلى الجانب الإنساني هذا حقه في الحرية ولو جزئيا، بدلا من السجن والتعذيب والعيش مختفيا. لا يلومه أحد كائنا من كان أن يختفي تماما حفاظا على نفسه من جهاز باطش، يتابع اتصالات وتحركات أفراد الشعب العاديين ويحسب عليهم أنفاسهم. هنا فرد مختف يدير شؤون نفسه، وليس قائدا يدير أكبر جماعة في أعتى صراع (صراع بقاء).
ولا مقارنة بين تقنيات الأمن الآن وبين الماضي، فكلنا نعلم أن أموالا طائلة أنفقت على تحديث إمكانات أجهزة أمن الدولة والمخابرات والشرطة في بلد بوليسي بامتياز.
وعلى الجانب الأمني، ما الذي جعل الأمن يتراخى بعدما اعتقل كل أعضاء المكتب الموجودين في مصر (طبعا هذا الفكر الأمني، ولكن الإنسان لا يفكر أو يتمنى الضرر لأي إنسان، فما بالك لو كان أخا له).
الأمن لو كان جادا لاعتقل محمود عزت فورا بعد المرسي، خاصة أن الإعلام الخارجي للجماعة يتحدث باسمه وعن أنشطته وينشر رسائله.
الأمن تراخى لأحد الأسباب؛ إما أنه فعلا اعتقله بعد المرسي أو قبله، أو أنه تحت المراقبة ولا يستطيع فعل شيء، وهو مصيدة للوصول لمن يتصلون به، أو أنه لم يعد له تاثير يستدعي إلقاء القبض عليه أو إعلان ذلك.
الإعلان نفسه وتوقيته له مغزى، ولكنه سيتضح قريبا. فمثل هذا الحدث وأبعاده ليس بهذه البساطة، لأن أجهزة الأمن مثلا تتهم نفسها بالعجز عن القبض على شخص بهذه الأهمية لسبع سنوات، وأشياء كثيرة لها ألف مغزى ومعنى.
إذن أين المشكلة؟
المشكلة فيمن ادعوا تواصلهم به وأخذ قرارات منه، وأنه الوحيد صاحب القرار النهائي في جماعة بحجم دولة، وهم الذين تلاعبوا بعقول الناس مما أثار التساؤلات.
فجاة محمود عزت قرر كذا.. ثم صمت رهيب ثم قرار آخر.. ثم آخر.. وكل القرارات في إطار تمكين فريق معين من الجماعة ومنع أي تطوير أو تعديل، ومنها تعيين إبراهيم منير نائبا للمرشد، وهو قرار في حد ذاته كارثي وباطل ككل القرارات التي مهرت باسم محمود عزت؛ لأنه إما لا يمكن الوصول إليه لتأمين اختفائه، أو حتى لو وصلوا إليه فلا توجد جماعة تلغي لوائحها ومؤسساتها مقابل فرد واحد مهدد في مكان غير آمن، بينما مئات أو آلاف من القيادات يستطيعون الاجتماع وتفعيل المؤسسات ولو جزئيا.
أصحاب اللبس هم أصحاب المصلحة في إسناد القرار إلى رجل يستحيل الوصول إليه أو مراجعته أو الاستفسار منه. و في الفترة الأخيرة بعدما استتب لهم الأمر نسوه ونسوا ذكره، أو حتى الحديث عنه أو باسمه.
أدرك الأمن أن قرار الجماعة اختطف ووضع عند من يغيرون قراراتهم وتوجهاتهم كما يغيرون ملابسهم، مرة يقولون نتواصل مع شرفاء الجيش، ومرة هناك مفاوضات ومرة لن نقبل بالحوار!! ومرة محدش ضرب الإخوان حتى يلتزموا بالجماعة أو يعتصموا!! ثم الشعب هو المسؤول عن ثورته!! ثم المعتقلون عليهم أن يقرروا شأنهم بأنفسهم!!
غياب في الاستراتيجية وتخبط في الحديث، ثم تنكّر للشعب وتركه بلا بوصلة، ثم تنكّر للمعتقلين وتركهم يواجهون مصيرا مظلما، ولسان مقال إبراهيم منير الكارثي يقول لهم: اختاروا بأنفسكم إما الثبات ونهايته واحدة وهي الموت (كما ذكر ضاربا المثل بمحمد مرسي وعصام العريان) أو الاستسلام!!
ولم يعد في الحديث، سواء لمحمود حسين أو إبراهيم منير، مكان ولا ذكر لمحمود عزت على الإطلاق.
ثم يعلن الأمن اعتقال محمود عزت ظهر الجمعة، ولكن متى اعتقل؟ قبل يوم؟ أم شهر؟ أم سنة؟ أم أكثر؟
ثم يعلن القادة العظام
انقطاع الاتصال بمحمود عزت، وذلك بعد إعلان اعتقاله. وأتعجب لماذا صدر هذا التصريح! هل فكّر أحد في ما يترتب عليه تصريح كهذا من ضرر على الرجل، أم إن المفاجأة والاستعجال جعلهم لا يفكرون إلا في إكمال هذه القصة التي تحدثوا بها للصف سنوات طويلة، فكانوا كالدبة التي أرادت تنقذ صاحبها فقتلته؟
ففي العرف الصحيح، أنه إن اعتقل أخ فعليك أن تخفف عنه وتقول إنه ابتعد عن العمل، وأنه ليس مسؤولا عن أي شيء أو أي تهمة توجه إليه. ولكن على العكس، صدر ما يخالف الحقيقة ويظلم الرجل في محنته؛ بأنهم على اتصال به ٢٤ ساعة في اليوم، ومعنى ذلك أنه المتهم بكل شيء والمسؤول عن كل شيء أمام الأمن المجرم!
فلسان حال البيان يقول: صاحب القرار عندكم، وهو العقل المدبر لكل شيء، رغم أن الدنيا كلها لا ترى شيئا يحدث، بل صمت وفراغ.
وأمام الإخوان، فإن كل القرارات السابقة صدرت عنه، فهي واجبة التنفيذ (رغم مخالفتها للوائح)، وأنه إن استطاع الصف يوما أن يحاسبهم فيقال لك: كنا ننفذ تعليمات القائم بالأعمال، رغم أنهم لو كانوا على اتصال به، لاعتقل من أول اتصال.
هل المروءة تحتم عليك في هذا الزمن العجيب أن تلقي بكل التهم على من فقد حريته وأصبح لا يملك من أمره شيئا؟ أي بدلا من أن تقول: أنا أتحمل مسؤولية كل شيء، وأخي ليس مسؤولا عن أي قرار، وهنا تظهر المعادن؟ أين هذه الأركان من البيعة: التضحيه، والإيثار، والأخوة؟
ولكنك تخلي مسؤوليتك أمام الجماعة وأمام الأمن وأمام الدنيا كلها، وتحمل المسؤولية الكاملة عليه باعتباره قائدا ويدير، وصاحب القرار الأوحد في الجماعة في صراعها الصفري مع نظام انقلابي مجرم، (تقول مش أنا يا باشا، هو اللي عمل كده).
وستعلن الأيام الكثير، وما خفي كان أعظم..