ما الذي يدعو رئيس دولة - أي رئيس - إلى المطالبة باستفتاء على بقائه في السلطة؟ ما الذي يدعوه إلى التفكير في اللجوء إلى استفتاء؟
هذا الأمر لا يفكر فيه إلا شخص تحاصره أزمة سياسية كبرى.. أو تحاصره الجماهير، أو ربما الدبابات.. أو يحاصره فشله!
والأهم من ذلك أن من يفكر في "الاستفتاء".. لا شك فاقد لأي إحساس بشرعية وجوده في موقعه.. إنه محاصر بإحساسه كمغتصب.. محاصر بشعوره كشيء صغير مؤقت.. إحساس الإسرائيلي العابر في كلام درويش..
يعاني رئيس جمهورية الأمر الواقع في مصر من فشل متواصل، فشل في الملف الأمني بسيناء. لا أحد من رجالات الدولة يبالي بما يحدث في سيناء، والتعتيم على الخسائر أصبح ديدن الإعلام الموالي للسلطة.. في الوقت نفسه يتم الترويج لإنجازات وهمية.. أي أن التعاطف الشعبي مع المسألة (بسبب التعتيم، وبسبب سعي الغالبية خلف لقمة العيش) أصبح محدودا.. ينعكس ذلك كله على الحالة النفسية لمتوسطي وصغار الرتب..
في الملف الاقتصادي يحاصره فشله في تحقيق طموحات الطبقتين المتوسطة والدنيا، كما أن الطبقات العليا تعيش تحت سيف الابتزاز، تارة بالضرائب، وتارة بملفات قديمة، وتارة بالمصادرة والتأميم تحت دعاوى دعم الإرهاب، وتارة بالإزاحة بالقوة من أجل أفساح المساحة لشركات القوات المسلحة التي لم تترك مجالا من مجالات الربح إلا وزاحمت الناس فيه..
يحاول الرئيس المحاصر الترويج لتحسن اقتصادي مستخدما جميع أدوات الكذب المتاحة.. فمشاريع الطرقات التي يستفيد منها الجيش، وتأتيه بالإسناد المباشر، وتكلفتها على الإنسان المصري وعلى خزينة الدولة أضعاف تكلفتها الحقيقية (مع كفاءة محدودة بسبب عدم الرقابة) هي الواجهة التي يتباهى بها، ويحاول بافتتاحاته أن يثبت أن البلد يتطور.. وهيهات أن تتطور أمة بطريق أو جسر أو ميناء أو تفريعة!
* * *
على المستوى الإقليمي.. يحاصره فشل إدارة ملف سد النهضة، وما سيتبع ذلك من كوارث لا يعلم مداها إلا الله، ولا يترك له فرصة للحركة، فتراه يحاول التقليل من أهمية هذا الملف، فيقارن بينه وبين قضايا شديدة التفاهة (مقارنة بهذا الأمر)..
يحاول أن يقدم تنازلات في ملفات إقليمية شتى عسى أن ينفعه ذلك، والحقيقة أن أمر السد قد قُضي، ومصر اليوم تحت أمر واقع لم تمر به في تاريخها منذ بدء الخليقة. فالنيل لم يعد يجري كما كان، لقد أصبح "بحيرة" كما يقول الإثيوبيون. وسد النهضة لن يكون المشروع الأخير يقينا.. إنه السابقة الأولى التي ستنتج عنها مشاريع كثيرة في إثيوبيا.. وفي جميع دول المنبع.
* * *
يحاول أن يظهر أمام الشاشات كمؤسس لدولة القانون، ولكن يحدث العكس.. فيظهر كرئيس عصابة يهدد بالإبادة..
يقول: "نحن نبني المشاريع العقارية ولا أحد يشتري الوحدات السكنية منا".. وفي الخطاب نفسه، وبلا أي ذرة خجل.. يهدد بنزول الجيش لهدم بيوت الناس.. سيشرد الآلاف لكي يتمكن من بيع مشاريع الجيش الفاشلة التي لا يشتريها أحد.. وهو فشل جديد يحاصره!
يقول إن من لا ينفذ الأوامر بهدم بيوت الناس عليه أن يغادر موقعه.. يقول ذلك مهددا قوات الشرطة والمسؤولين التنفيذيين بأنهم لا بد أن ينصاعوا لهذه الأوامر وإلا فلينصرفوا، فهو محاصر من قواته برفض تنفيذ الأوامر، ذلك أن هدم آلاف البيوت وتشريد آلاف الأسر على أمل أن تبيع القوات المسلحة بعض وحداتها السكنية لهؤلاء الذين سيشردون؛ أمر لا يريد أحد أن يتحمل تبعته.
الشرطة والمسؤولون التنفيذيون الذين يطالبهم بإزالة التعديات.. هم من قبضوا من المواطنين ملايين الجنيهات من أجل التغاضي عنها.. بل إن هذه التعديات باب رزق منذ عشرات السنين (وليس منذ عام 2011 كما يحاول أن يزعم)..
* * *
نحن أمام رئيس محاصر بشتى أشكال الفشل، فشل محلي، وإقليمي.. فشل سياسي واقتصادي.. كما أنه محاصر بما يشبه التمرد من قوات الشرطة، مما يدفعه إلى محاولة فكّ حصاره بإقحام الجيش في مسألة هدم بيوت المخالفين (هؤلاء المخالفين الذين لم يفعلوا شيئا سوى الخضوع لقانون الفساد الذي رسخه العسكر طوال عشرات السنين التي حكموا فيها)..
حالة الحصار تلك لا مخرج منها.. وسيظل محاصرا مهما فعل.. ذلك أن أساس الحصار هو الشرعية المفقودة، تلك الشرعية التي يستحيل أن يحصل عليها جنرال منقلب.. لم ينتخبه أحد، ولم يصل إلى السلطة ولم يستمر فيها إلا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبتنازلات وطنية لا حدود لها، وبِرَهْنِ أمن البلاد لأعدائها لعشرات السنين القادمات..
ونسأل الله أن يلطف بشعبنا العظيم..
موقع الكتروني: www.arahman.net