انفجرت قضية فيرمونت وأصبحت الشغل الشاغل لكل من هب ودب في
مصر. أصبحت مجموعة من الشباب والبنات، ممن لم يفهموا الحد الفاصل بين قيم كثيرة، مدانين إدانة قضائية ومجتمعية.
وكالعادة، نظرا لحساسية القضية، أثيرت زوبعة هائلة ذات محتوىً
فضائحي تختلط فيه مستويات الأفعال: من مثلية وسحاق، إلى
الاغتصاب وحفلات الجنس الجماعي، وكل ما يمت لهذا النوع من المسائل من سمات توصف عادة في مجتمعنا بأنها مسيئة وتُخِّل بالمعايير.. هكذا قِيل، وهكذا يُشاع.
يوما بعد يوم تنضم أسماء جديدة للمحرقة.. أسماء مشاهير، وفنانين معروفين، وما إلى ذلك.
بالتوازي مع هذه القضية المستعرة هناك قضية أخرى وهي القبض على الرجل القوي، أو بمعنى أدق رجل أمريكا المصري صلاح دياب.. رجل الأعمال الذي يمتلك الكثير من المشاريع العملاقة. ولعل أشهرها جريدة "المصري اليوم"، وهي جريدة يومية؛ استطاعت أن تُسجِّل نجاحا مهنيا في عالم الصحافة المصرية المتدهور، وتقف ندا لكل المؤسسات الصحفية العريقة أو التي كانت عريقة.
هاتان القضيتان، فجرتا تساؤلات كثيرة:
القضية الأولى: كيف استطاع عدد من الشباب المتهمين، وهم أولاد رجال أعمال كبار أن يهربوا خارج البلاد؟ والقضية الثانية: لماذا تم القبض على رجل الأعمال المعروف صلاح دياب (كما ذكرنا) وبالتوازي مع انتشار الفضيحة؟ الملاحظ في هاتين القضيتين المتزامنتين أن المتهمين هم رجال أعمال وفنانون.
فعلى سبيل المثال، المتهم الأول فى قضية فيرمونت هو ميدو ابن محمد فريد خميس، رجل الأعمال المعروف والقوي، ونازلي كريم ابنة الفنانة نهى العمروسي؛ التي رفعت يوما شعار "يسقط حكم العسكر".
بالطبع، باقي المتهمين أولاد رجال أعمال. يُقال إن هيفاء وهبي وتامر حسني وغيرهما قد ذكرت أسماؤهم أيضا في هذه القضية... أي باختصار كل المتهمين في القضيتين يمثلون وجوها وشخصيات عامة في المجتمع؛ وينتمون بشكل أو بآخر إلى نظام مبارك الذي ساهم في تكبيرهم وزيادة ثرواتهم.
هو مجرد تساؤل: هل ضاق النظام بشخصيات كانت مرتبطة بالنظام السابق؟ أو لبعضهم صلة بالمجتمع المدني؟ هل أرادو أن يجروا ويخلطوا الأوراق لتُصبح القوة الوحيدة على الساحة المصرية هي قوة النظام، وهو النظام المالك الوحيد والمتحكم في كل مفاصل الدولة اقتصاديا وإعلاميا وما إلى ذلك؟
هل أرادوا أن يوجهوا رسالة للجميع بأن لا صوت يعلو فوق صوت النظام؟
هل أردوا القول إنه على الجميع أن يقدموا فروض الطاعة والولاء دونما قيد أو شرط لنا وبالمطلق؟ هل يريدون التأكيد على مسألة أن أي فرد أو مجموعة، مهما علا شأنهما، مُعرّضين للسحق، ومصيرهما أن يصبحا قربانا يُقّدم عند لزوم الأمر؟
هل يريدون القول إن المؤسسة العسكرية هي خط أحمر لا يمكن المساس بها لا هي ولا كل مَن يمت لها بصلة؟
إنه الكيل بمكيالين: معايير الأخلاق والفضيلة والشرف والأمانة والنزاهة، تُطّبق حسب ولائك وطاعتك؛ وإلا يحدث ما لا تحمد عقباه.
تقديري الخاص: إن المدان الأول في القضيتين - مع حسن النوايا - هو النظام الذي غيّب الوعي في المجتمع فكان الشباب أول مَن فقدوا البوصلة. كما أنه أغمض عينيه عن استفحال الكثيرين إلى أن شكّلوا دولة داخل دولة، حتى أصبح لزاما على النظام الاصطدام المباشر والتدخل لمحاصرة كل هذه الفوضى التي لا تتماشى معه.