في عام 2007 سرّب الموقع الشهير ويكيلكس حديثا لمحمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، يقول فيه: "لو علم قومي ما الذي أفكر به لرجموني بالحجارة". ولم يتخلف الرجل في الرجوع عما يفكر به، حتى حوّله إلى واقع عملي بعد أن كان حبيس رأسه، ربما خوفا من ردة فعل الجماهير حينذاك، لكن بعد أن تصدعت المنطقة وساهمت مؤامراته في تهيئة السياقات اللازمة لخططه الشيطانية، أسرع في الجهر بالتطبيع مع
إسرائيل، فكان كالذي تزوج سِفاحا وكتم أمره فترة من الزمن خوفا من الأهل والمجتمع، لسوء اختياره ونسبه الفاسد، حتى إذا جاء الوقت المناسب وانشغل الأهل في أزمات طاحنة أعلن نِكاحه على مرأى ومسمع مع الجميع بعد أن أمن العقاب. وكيف يخشى العاقبة وهو أدرى بما وصل إليه الأهل والمجتمع، من انحدار وقهر حصد أنفاسهم وأزهق أرواحهم بتآمره الماكر وأمواله الفاسدة؟
إن التاريخ في حركة مستمرة ويُعاد إنتاجه بلا توقف، وليست هناك أمة يجرى عليها التاريخ في كل عصر مجرى الماء في السهول والجداول المرتفعة مثل الأمة العربية، فماضينا السيئ نعيشه الآن حاضرا أكثر سوءا، لكن بوجوه جديدة أحط كرامة وأكثر عمالة، حتى الثوابت التي تمسك بها أجدادهم لحفظ ما تبقى لهم من كرامة هدموها، رغم تورطهم في كثير مما نعيشه الآن، فجمع الأحفاد بين هدر الكرامة ومجانية الخيانة.
فالإمارات لن تستفيد مما فعلت سوى صفعة في نهاية الأمر، عندما تهتز الأرض من تحت أرجل زعامتها فيرجعون بخفي حنين أذلّة وهم صاغرون. وحدثوني عن دولة طبّعت مع الكيان الصهيوني وكُتب لها الفلاح، بل كلها دول يُضرب بها المثل في الفشل والتبعية لأرباب الكنيست والبيت الأبيض..
مصر التي حاربت إسرائيل وحققت نصرا لا بأس به وأهدر قيمته السادات في معاهدة كامب ديفيد، قال عنها جمال حمدان "إن مصر لم تعد مستقلة ذات سيادة بعد كامب ديفيد، بل أصبحت محمية إسرائيلية تحت الوصاية الأمريكية"، ويضيف أن "مصر تم دفنها في كامب ديفيد، وفي كامب ديفيد ماتت
فلسطين".
حتى الأردن الذي وقع اتفاقية وادي عربة للسلام في التسعينيات لم يتغير حاله إلى الأفضل، بل ما زال في تجاذبات مع إسرائيل وضغوط سياسية واقتصادية، فلم توفر له الاتفاقية رفاهية العيش أو السلام الحقيقي مع الصهاينة. فاتفاقيات السلام تراها إسرائيل مجرد هدنة لالتقاط الأنفاس لتعمل بهدوء على التهام المنطقة بمساعدة بعض زعماء العرب، ممن رهنوا كل شيء من شرف وكرامة في سبيل الحفاظ على عروشهم، لكنهم نسوا أن إسرائيل لن تسمح لأي دولة أن تزاحمها من حيث القوة والمكانة السياسية، فلا تريد سوى دول وظيفية وأنظمة مستعملة تُعقد من وضع القضية الفلسطينية وتشرعن ما تفعله من توحش واستيطان.
السلام مع إسرائيل يعني استسلاما، وأزمة المنطقة الحقيقية ليست في قوة إسرائيل ولا في الدعم الأمريكي لها، بل أزمتنا هي أزمة زعامة، تتسابق مع بعضها البعض لنيل أرفع أوسمة العمالة من عدو غاصب محتل، لا يختلف على إجرامه عاقل.
وما فعلته
الإمارات أمر طبيعي لدولة تتغذى على الفتن وتستمد قوتها من تشتت الدول الكبرى التي أشعلت فيها نار الخصام والتوتر بأموالها، ولا تختلف عن إسرائيل سوى في الاسم والشكل، لكن نفس السياسة والتوجه والأهداف.. تريد أن تكون إسرائيل العربية لتحمي نفسها في المستقبل من أي خطر محتمل، فآل زايد يعلمون جيدا أن الشعوب لن تتركهم من دون عقاب، بل وبعض الدول أيضا لن تتركهم، بسبب ما اقترفت أيديهم من عبث ومؤامرات ودعم انقلابات على كل نظام ديمقراطي، وليد ثمرة كفاح الشعوب في ربيعها العربي.
فرب ضارة نافعة، والعيب حين يخرج من أهل العيب لا يكون عيبا، فالدول المارقة تكفر بالحق والعدل، وأرى أن الاتفاقية سوف تسرع من وتيرة الأحداث لجر حكام الإمارات نحو حتفهم، فمن يستعدي الشعوب مصيره حتما السقوط مهما قوى بالأنياب الإسرائيلية والمخالب الأمريكية، وإن كنتم في شك فسلوا التاريخ ماذا فعلت أمريكا بعملائها عندما تنتهي خدمتهم سواء كانوا شخوصا أو أنظمة،
إن ما فعلته الإمارات ومن بعدها البحرين نكبة جديدة في صورة خيانة للدين والعروبة، وماذا تكون نكبة الأخ إلا أن تكون اسما آخر لمروءة سائر إخوانه أو مذلتهم؟ وأخيرا أذكركم بقول العالم الموسوعي جمال حمدان: "من يؤمن بإسرائيل فهو خائن قوميا وكافر دينيا".