كانت صورة عفوية التقطها صحفي بصحيفة "نيويورك
تايمز" الأمريكية لكتاب يحمله الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما تحت
عنوان" ما بعد نهاية أمريكا"، فلم يتهمه أحد بالتآمر ولا الانتقاص من
مكانة أمريكا، وأن لولا ديمقراطيتها لما
وصل إلى سدة الحكم فترتين متتاليتين، لكن حين
يقرأ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب
كتاب "أفول
الغرب" وهو عائد من رحلة علاج في الخارج، يكون لناشط
"الولا حاجة" خالد منتصر رأي آخر، ويبدأ في تقريع شيخ
الأزهر وتعديد
محاسن الغرب وفضله على البشرية، وأولها المجتمعات
العربية التي لولا فضل الغرب ما
كانت شيئا يذكر.
فما بين الموقفين فجوة كبيرة بين مثقف سطحي يقف على بر
الفكر يراهق ويخربش ويتصيّد الأخطاء ويشعر بنقص حضاري، وبين مجتمع آخر واع ناضج
يُدرك قيمة القراءة في
كتب تستشرف المستقبل، تلك التي تُقرأ في إطار الاستعداد
والجاهزية في التعامل مع المتغيرات الحضارية، وتطرح أسئلة حول كيف ولماذا تنتهي
الحضارات، وما هي عوامل التحصين من الانهيار؟ فكل شيء في الحياة له دورة مهما بلغ
من القوة والتمكين.
جاء كتاب "أفول الغرب" كجرس إنذار لفهم
التعامل مع الرياح العاتية التي تهب من الضفة الغربية باتجاه الضفة العربية،
وأهمية القراءة النقدية لواقع الغرب الحالي بهدف الوقوف على اختلالاته وتناقضات.
فالكتاب عبارة عن دعوة هامة إلى المثقف في العالم العربي لسبر أغوار أسرار خارطة
الغرب الثقافية والاجتماعية، باعتباره محدد القيم، وفرض كثيرا من الرؤى السياسية
والاقتصادية لتفوقه الثقافي وتقدمه التكنولوجي، وباعتباره أيضا مؤثرا على مجرى
العالم وعلى الديناميات الداخلية للدول التي تدور في فلكه.
ومن هذا المنطلق كان على المثقف العربي أن يمتلك وعيا
تاريخيا يُسعف فكره ويُنضج فهمه كي يستطيع استشراف المستقبل، فالحاضر ليس حلقة
تائهة في أرض فلاة، بل هو حلقة من حلقات سلسلة أحداث وقعت بالأمس.
وقبل أن يكتب الكاتب المغربي حسن أوريد كتاب
"أفول الغرب"؛ كتب من قبله المستشار السابق للرئيس الأمريكي نيكسون
"باتريك بوكانان" كتاب "موت الغرب"، عدّد فيه العوامل التي
ستساهم في تراجع أوروبا وتقلص تعدادها. وكان الكتاب أيضا صيحة نذير للقارة
الأوروبية في مضمونه، وذلك بسبب تآكل بنيته الاجتماعية والتغيرات الديمغرافية
الناتجة عن التحولات العالمية، وكثرة الهجرة وضعف خصوبة الرجال، والانفصال عن
الدين الكنسي وإطلاق عقال الإلحاد والشذوذ.
فالكتابان مجرد صيحات إفاقة لكلتا الأمتين العربية والغربية،
غايتهما هو الاستعداد لما هو قادم من متغيرات وجودية سوف تحدد مصيرهما. ولعل تلك
العبارة تبين لخالد منتصر أهمية رسالة الكتاب لعله يقرأ، فيقول حسن أوريد: "إن
الأسوأ ما سيأتي إن لم يستوعب العالم العربي التحول الجاري في العالم".
هذه الاجتهادات العقلية لمفكرين أجلاء، لا بد أن يُنظر
إليها بعين الاعتبار، والتعامل معها بجدية فكرية وعلمية وعملية، لكن بعض النخبويين
الفارغين بارعون في الوقوف على القشور وإثارة مسائل تافهة لا ترقى لمناقشتها على
"مصاطب العوام".
لذلك، فإن قراءة شيخ الأزهر لكتاب أفول الغرب أمر طبيعي
وانعكاس لتفتح عقلي على كل الثقافات، ومواكبة لقراءة كل ما هو جديد من أشجار الفكر
ومزارع التأليف، لعل المجتمع يقطف على يد أمثاله ثمرة طيبة في المستقبل تتنسم
عبيرها، وتخلّف وراءها جيل واعي مطلع، لا يعيش في صومعة عاجية منفصلة عن حراك
العالم.