إلى الواجهة يعود المقاول والفنان محمد على، بعد دعوته الشعب
المصري إلى الخروج للتظاهر في العشرين من أيلول/ سبتمبر الحالي، وهو المصادف لذكرى دعوته الأولى العام الماضي بعد أن كشف الكثير من سرقات رأس النظام في مصر ورجاله، سواء للمشروعات الاقتصادية التي يوزعونها على بعضهم البعض أو الأموال التي تُنهب من قوت الشعب لبناء القصور وشراء الأراضي، أو حتى وضع اليد عليها من دون حسيب ولا رقيب.
دعوة محمد علي أخرجت الآلاف
خرج الشعب بالآلاف في
مظاهرات وقعت خلالها بعض الاشتباكات مع الشرطة وأسفرت عن بعض الخسائر في معدات الشرطة، بعدما استخدمت العنف مع المتظاهرين السلميين فأصابت العشرات واعتقلت المئات، وكان الدافع الذي أعاد محمد علي للواجهة بعد اعتزاله العمل العام، بعد أن خذلته قوى المعارضة في السابق ولم تنصفه هذه المرة أخرى.
فالدافع الذي أخرج علي كان هدم النظام لبيوت المصريين، في مشهد أدمى القلوب بضياع أموال الناس الذين أفنوا أعمارهم كي يجمعوها لبناء بيت يؤويهم، في وقت تخلت الدولة عنهم وبنت بيوتا ينوء بشرائها أولو المال من الشعب.
تلبية دعوة محمد علي أحرجت المعارضة
خروج الناس تلبية لدعوة محمد علي سطر قواعد جديدة للصراع في مصر بين الشعب والنظام، فالمعارضة التي تدعي منذ سبع سنوات أنها تمثل الشعب تلقت ضربة جديدة بحراك محمد علي، فلا قنوات المعارضة التي تصرف عليها مئات الآلاف من الدولارات شهريا استطاعت أن تحرك الناس فعليا خلال السنوات السبع الماضية، والحديث هنا عن العامة غير المؤدلجين، وإن كانت وبحق حققت اختراقات لا يمكن تجاهلها على المستوى الشعبي لكن في النهاية لم تحقق النتيجة المرجوة في تثوير الناس، كما أن المعارضة لم تفرز رموزا مقنعة حتى الآن يمكن لها أن تخاطب الشعب وتحوز قبولا كما كان لبعض رموز المعارضة الموجودون في المعتقلات حتى الآن، وهو ما أفقد المعارضة قيمة حقيقية لخطابها، ووضع المعارضة في حرج كبير أمام أنصارها المؤدلجين.
المعارضة في المعادلة الصراع والوجود
المعارضة المصرية التي تعمل من الخارج والتي اتخذت من
تركيا مستقرا لها يجب أن تعيد حساباتها، فاستضافة أي دولة وإن أحيط بغلاف من المبادئية لكن في النهاية المبادئ ليست الضابط الوحيد لقواعد السياسة، حتى أن المنظرين الغربيين يخرجونه بالكلية من حسابات الساسة حين اتخاذ القرار، ومن ثم فإن المعارضة المصرية حديثة العهد بالعمل من الخارج لم تستطع أن تقدم نفسها للبلد المضيف كعنصر حقيقي يمكن الاعتماد عليه في معادلة الصراع في مصر.
فدعوات محمد علي البسيطة جعلت المعارضة التي تحولت من المشروع السياسي الذي من المفترض أن تؤسسه إلى مشروع اجتماعي يركن إلى الاستقرار؛ تعطي انطباعا للمضيف بأن لا مشروع حقيقيا لديها، وبقي فقط العامل الأخلاقي هو الرابط بين المضيف والضيف، وأكدت الفكرة تلك الدعوات التي لاقت قبول شعبي من المقاول محمد علي.
هل نجاح محمد علي دفع تركيا إلى التقارب مع النظام المصري؟
منذ أيام والحديث لم ينقطع عن علاقات تركيا مع النظام المصري، أعلن عنها الرئيس التركي أردوغان وأكدها مستشاره في الحزب ياسين أقطاي في حديثه لموقع "عربي21"، وقد تناولناه في نفس الموقع في مقال نشر بعنوان "
ماذا وراء التقارب التركي مع النظام المصري؟"، وتناولنا فيه البعد الأخلاقي من العلاقة بين الإدارة التركية والمعارضة المصرية، والمنطلق من مبدأ عدم قبول الانقلابات والأنظمة الناتجة عنها، لكن المصالح قد تكون ضاغطة، ومن ثم يضطر طرف إلى الذهاب بما هو أبعد من تلك المبادئ لمبادئ أسمى وهي المصلحة العليا للشعوب. ومع قياس المصالح والمفاسد وقياس الأوزان النسبية لكل طرف، قد تجد تركيا، مع الوقت، أن المعارضة قد تكون غير ما بنت الإدارة التركية حساباتها عليها.
الاختبار الأصعب للمعارضة
في ضوء كل ما سلف ذكره، فإن محمد علي بعفويته، أو بتخطيط من يديروا خطابه، فيما لو سلمنا أن هناك في صفوف الجيش والمخابرات من يديرون خطابه ودعواته، وضع المعارضة في اختبار صعب، بلا شك.
فنزول الشعب بأعداد ليست بالقليلة، في محافظات عدة، لا يمكن أن يترجم إلا بأنه نجاح لشخص، لو فرضنا أن محمد علي يعمل منفردا، مدفوعا بألم رؤية أهله من المصريين يتألمون بهدم المنازل على رؤوسهم وتخريب بيوتهم وتشريدهم في الشوارع وإذلالهم من بعد عز، ما يعني بالنتيجة أن المعارضة لم تنجح بالآليات المستخدمة.
لذا؛ أصبح على المعارضة أن تتوقف وتتبين وتتحسس موطئ أقدامها، وتعيد النظر في الخطط والآليات والأدوات، وعليها أن تستخدم الأساليب العلمية الحديثة لرسم هذه الخطط وتحديث الآليات، ولطالما تحدثنا في ذلك منذ سنوات، وقد حان الوقت الآن أن تراجع المعارضة كل ما فات للوقوف على أسباب النجاح وتدعمها، وأسباب الإخفاق وتصححها وتعدلها، وفي الحالتين فإن تطوير الذات أحد العناصر المهمة للبقاء. ولا تعدم المعارضة الكوادر والكفاءات، ولكن طريقة إدارة الموارد واحدة من أخطر الأمراض التي تعاني منها المعارضة.