ما يزال موضوع المسارات التفاوضية القائمة اليوم مبهما ليس فقط لرجل الشارع بل وحتى لقطاع من النخبة المتابعة للحوارات الجارية وتلك المزمع عقدها قريبا. وما يجعل ملف التفاوض غامضا هو تعدد اللقاءات وتعارض التصريحات حول مخرجات التفاوض.
الجديد خلال هذا الأسبوع ومنذ السبت الماضي الذي غطينا فيه بيان المجتمعين في بوزنيقة المغربية وما تم التوصل إليه بخصوص معايير الترشيح واختيار من سيشغر المناصب السيادية هو إعلان المجتمعين من أعضاء برلمان طبرق والمجلس الأعلى للدولة بجمهورية مصر عن اتفاقهم على ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية.
الإعلان يلقي بالغموض على المسارات التفاوضية، فالاتفاق على إنهاء المراحل الانتقالية يعني اللجوء إلى الانتخابات العامة على قاعدة دستورية، وهو ما لم يتم الاتفاق عليه في الاجتماع المشار إليه، بل وقع خلاف حاد حوله برفض وفد البرلمان الاستفتاء على مسودة الدستور التي أعدتها الهيئة المنتخبة لهذا الغرض، ورفض مقترح المجلس الأعلى الاستفتاء عليه وإجراء انتخابات ثم جعل مسودة الدستور أول أعمال البرلمان الجديد ليتم التعديل عليها.
من ناحية أخرى، فإن اللقاءات التفاوضية القائمة اليوم وفي مقدمتها اجتماع جنيف واللقاء الحواري المزمع عقده في تونس مطلع شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل إنما تؤسس لمرحلة انتقالية جديدة ترتكز على تعديل دستوري وتشكيل مجلس رئاسي مصغر وحكومة منفصلة عنه، وهو ما يصادم القول بالاتفاق على إنهاء المرحلة الانتقالية.
حالة الغموض والتعارض والتصادم في المواقف سواء داخل كل جبهة أو بين الجبهتين الرئيسيتين المعنيتين بالتفاوض سيفسح المجال لتمرير أجندة خارجية أتوقع أن لا تكون إيجابية ولا تخدم الوحدة والاستقرار السياسي والاقتصادي، فهل ينتبه المعنيون بهذه المخاطر قبل أن يقع الفأس في الرأس؟!
الغموض ليس صائبا، ومبرر الأخذ به بحجة منع التشويش على مسار التفاوض ضعيفة، ولا يستقيم مع حقيقة أن المعنيين بالتفاوض والتوافق وأجنداته هم عموم الليبيين، فهم المستفيد الأول في حالة كان التفاوض بناء ومثمرا والعكس هو الصحيح، فكيف يستقيم تبرير الغموض بحجة الخوف من التشويش أمام المقصد المشار إليه.
أيضا يشكل الغموض حاجزا دون تفاعل قطاع واسع من النخبة والنشطاء تفاعلا إيجابيا يحقق معيار المشاركة الذي صار من أهم ضمانات نجاح التوافقات السياسية، ولأن الغموض يفتح الباب للتوقعات والتخمين السلبي، فقد صار موقف قطاع واسع من المعنيين بالتفاوض اليوم متحفظا بل ومعارضا، وهذه حالة غير صحية ومثلب كبير يمكن أن يقود إلى تكرار مفاوضات الصخيرات ونتائجها.
ويقودني هذا إلى السؤال عن التعامل والتعاطي الإيجابي مع البيانات والمطالبات التي صدرت عن مجاميع سياسية واجتماعية ومجتمعية وعسكرية بخصوص الحوارات القائمة اليوم، فما هو ظاهر هو وعود البعثة الأممية بتوسيع قاعدة المشاركة في الحوار السياسي، مع ملاحظة أن من سيحدد من سيشارك من غير ممثلي البرلمان والمجلس الأعلى للدولة هي البعثة، وهذا خلل بيِّن، والمفترض أن تصبح تحفظات ومطالبات المجاميع المشار إليها ضمن أجندة الأطراف المعنية بالتفاوض خاصة مجلس الدولة، مستقلين يتبنون أجندة الحد الأدنى.
من هذه النقطة، نقطة المشاركة وتوسيع قاعدتها، أدعو إلى تقريب وجهات النظر والمواقف بين الفاعلين ضمن جبهة الوفاق من كافة المكونات السياسية والاجتماعية المجتمعية والعسكرية، حول أجندة الحد الأدنى، والتي تضمن إنهاء مشروع العسكرة وقطع الطريق على مخطط الانقلاب وضمان الاستقرار الذي يعم البلاد وكافة الليبيين.
إن فشل المكونات الممثلة لجبهة الوفاق أو المعنية بالدولة المدنية ورفض العسكرة في التوافق على أجندة الحد الأدنى يعني أن التوافق بين جبهة الغرب وجبهة الشرق متعذر، وإن وقع اتفاق فسيكون بالقطع على حساب الأهداف والغايات المشروعة.
وأجزم أن حالة الغموض والتعارض والتصادم في المواقف سواء داخل كل جبهة أو بين الجبهتين الرئيسيتين المعنيتين بالتفاوض سيفسح المجال لتمرير أجندة خارجية أتوقع أن لا تكون إيجابية ولا تخدم الوحدة والاستقرار السياسي والاقتصادي، فهل ينتبه المعنيون بهذه المخاطر قبل أن يقع الفأس في الرأس؟!
السودان.. سلام تَمام أم أي كلام؟
ليبيا.. التزييف والتضليل في أبشع صوره
دلالة تصريح بومبيو حول مرتزقة الفاغنر