تتعرض
قطر والسودان إلى مزيج من الإغواء والإرهاب والتهديد حتى يقبلا اللحاق بركب الهرولة تجاه
إسرائيل، وبالطبع فإن مصفة الإغواء والإرغام بالنسبة لكل من الدولتين ليست واحدة، فلكل ما يناسبها.
والهدف من توسيع دائرة المهرولين العرب نحو إسرائيل هو كسر حائط المعارضة لاغتصاب إسرائيل لفلسطين. وتؤكد الدول العربية جميعا أنها لا تمانع في الاعتراف بإسرائيل، ولكنه مقابل تصحيح إسرائيل "خطأ قانونيا" وإزالة عملها غير المشروع، وهو الجلاء عن الأراضي التي احتلتها في فلسطين ولبنان وسوريا، وعدم تعويق الشعب الفلسطيني في إقامته دولته المستقلة على أرضه المحتلة عام 1967 (تاركا ربع الأراضي لإسرائيل خارج قرار التقسيم) بعاصمتها في شرق القدس (تنازل عن غرب القدس).
تلك الصيغة كانت ملخص المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل التي أقرتها قمة بيروت العربية.
وهذه الصيغة التي ترفضها إسرائيل فيها الكثير من التجاوز في حق الفلسطينيين، فالحق أن إسرائيل ليس لها أي حق في فلسطين، وفلسطين كلها للفلسطينين.
ولكن، لأن إسرائيل وواشنطن دمرتا العالم العربي منذ ذلك الوقت، فإن منطق إسرائيل وفق مشروعها أن فلسطين كلها لليهود، وليذهب سكانها العرب إلى الجحيم، فهم صاروا غير قادرين على التعايش في أوطانهم بلا مساندة الفلسطينيين في استخلاص حقوقهم، فهذا وقت جني ثمرات المشروع في مسيرته طيلة قرن من الزمان حتى قبل قيام إسرائيل التي كانت أول تجسيد واقعي لهذا المشروع. فانطلاق المشروع في هذه المرحلة النهائية أكثر خطرا وألزم في المساندة العربية الغائبة.
واستغلت واشنطن الوضع الذي صنعته في المنطقة لكي تجني إسرائيل ثماره، وذلك باختطاف إرادة دول كانت مساندة للقضية الفلسطينية حتى تنشر اليأس من الإنصاف للفلسطينيين عند الدول الأخرى، فيسهل انتزاع العروبة عن الدول العربية ومنظماتها حتى تسود الصهيونية وإسرائيل.
نحن الآن في هذه المرحلة التي تراها واشنطن ضبابية بين الحق الفلسطيني والزيف والإجرام الصهيوني، بين انتصار الصهيونية وتداعي العروبة في عقر دارها. ولن أملّ من التأكيد أن هذه النتيجة ما كان لها أن تظهر لولا أنهم بدؤوا نزع العروبة من مصر وإزاحتها عن الصدارة العربية، بل وجرفها إلى مساندة المشروع الصهيوني ضد مصالحها الاستراتجية وضد قناعاتها، فازداد الانقسام حتى بين الحاكم والمحكوم.
وهذا له ما بعده من تفاعلات دون أن تفطن إسرائيل إلى هذه الحلقة الجهنمية، وهي أنها السبب في قهر الشعوب العربية وهجرتها عن أوطانها، وتمزيق هذه الأوطان ومساندة الاستبداد والفساد وانهيار الدول العربية بكل المقاييس.
ذلك أن الدولة الكاملة هي الدولة الديمقراطية، ولكن دونها فهي التي تكمل أركان الدولة عندي، وإن استكملت الأركان المادية في القانون الدولي.
أولا: إغواء قطر
تمارس الولايات المتحدة ضغوطا على قطر وتقدم لها عددا من الحوافز، كما أن الصفقة تتضمن اعتبارات محبطة حتى تدفع قطر إلى اللحاق بقطار
التطبيع.
وقطر الممانعة مهتمة للغاية؛ لأن انهيار صمودها يؤثر تاثيرا فادحا وخسارة ضخمة لمعسكر مقاومة هذا الإغواء.
أما الحوافز فتشمل الوعد بضم قطر إلى مرتبة في الناتو، وهي تقريبا المرتبة نفسها التي حظت بها الكويت، وهو حافز لا ينفع قطر في شيء. أما الحافز الثاني فهو إنهاء مقاطعة وحصار دول الحصار وتطبيع العلاقات القطرية معها، وقاعدة المرجعية هي اتفاق الدول الست أعضاء مجلس التعاون الخليجي على الاعتراف الجماعي بإسرائيل، وكسر ممانعة قطر التي تحرج السعودية وتعري بقية الأعضاء بما فيها تمنّع عُمان.
وإذا ما وافقت قطر، أسقطت واشنطن تهمة الإرهاب عن قطر التي ألصقتها الدول الأربع بها. ومطلوب من قطر الاعتراف بإسرائيل والبعد عن المقاومة، وطمس الصفحة الناصعة التي سجلها أمير قطر عندما زار بيروت وبنت جبيل بعد حرب عام 2006، وتكف يدها عن مساندة غزة.
ويقول المرجفون؛ إن قطر لها اتصالات بإسرائيل، وهذا صحيح، ولكن الصحيح أيضا هو أن قطر تستخدم هذا التواصل لصالح الفلسطينيين. ونذكر أن عبد الناصر كان يقبل التقارب السعودي الأمريكي حتى تكون السعودية معبرة عن المطالب العربية في واشنطن.
ويقول المدلسون أيضا؛ إن قطر لها علاقات حميمة مع ترامب، وهو الذي أوقف خطة الغزو العسكري التي أشيع أن السعودية ومصر كانتا على وشك تنفيذها، وأن قاعدة العيديد الأمريكية شوكة في ظهر المنطقة وأنها استخدمت في غزو العراق، ليخلص هؤلاء إلى أن ممانعة قطر ليست بريئة أو طاهرة. ويضيف هؤلاء أن انضمام قطر إلى معسكر التطبيع يريح السيسي من مساندة قطر للمعارضة المصرية، ويترك تركيا وحدها حتى تفقد مقاومتها.
وإذا انضمت قطر إلى هذا المعسكر، زادت المخاطر على إيران لصالح إسرائيل، وصارت قطر في حماية كاملة لواشنطن.
ثانيا: السودان
اتهمت واشنطن السودان بأنه مأوى الإرهاب منذ حادث أديس أبابا ضد الرئيس مبارك وقصفت مصنع الروار في الخرطوم، كما وضعت السودان على قائمة الإرهاب وفرضت العقوبات عليه. وإذا مضى السودان في التطبيع مع إسرائيل زالت عنه تهم الإرهاب وصار بريئا، وترفع عنه العقوبات المشبوهة غير القانونية.
وربما وعدت واشنطن السودان بدعمه في مطالبه بملكية حلايب وشلاتين، كما أن واشنطن يمكن أن تدعم مطالب السودان في سد النهضة، مقابل أن يتعاون مع إثيوبيا وإسرائيل في قضية المياة ضد مصر التي تبحث منذ سنوات عن بدائل، وافترضت أن الضرر حاصل وأنه لا أمل في استرداد حقوق مصر من إثيوبيا.
ولكن الأهم هو وعد واشنطن للمكون العسكري في السلطة السودانية بدعمه، حتى يستمر في الحكم ويمنع تحول الحكم إلى المكون المدني لا الحكم العسكري العربي، أكبر ضمانة لإسرائيل ومشروعها.
فهل تصمد قطر والسودان؟! وهل هذه الغواية مرتبطة بوجود ترامب وفوزه؟