حقق رئيس الجمهورية التركي، رجب طيب
أردوغان، نجاحات قلّ نظيرها، منذ أن أسَّس مع رفاقه حزب العدالة والتنمية في صيف 2001. ويعود الفضل في ذلك إلى عدة أسباب، منها حسن الاستماع إلى لمواطنين، وجس نبض الشارع، ومحاسبة الذات، وتصحيح الأخطاء، بالإضافة إلى ذكاء الزعيم وحنكته السياسية، إلا أن هناك سببا آخر لا يقل أهمية عن الأسباب الأخرى، وهو عدم كفاءة خصوم أردوغان السياسيين لمنافسته.
رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، على سبيل المثال، خلال رئاسته للحزب لم يحقق أي نجاح يذكر أمام أردوغان، ويتحاشى الترشح للانتخابات الرئاسية لمعرفته بأنه غير قادر على منافسة رئيس الجمهورية، وأن أي سباق بينهما محسوم لصالح أردوغان. ولذلك يرشِّح غيره لرئاسة الجمهورية، ليكتفي هو نفسه برئاسة حزب الشعب الجمهوري. وبالتالي، يتمنى كثير من مؤيدي حزب العدالة والتنمية أن يبقى كليتشدار أوغلو على رأس حزب الشعب الجمهوري.
وعلى الصعيد الدولي، فهناك رؤساء دول وحكومات يعادون رئيس الجمهورية التركي لسبب أو آخر، إلا أنهم يرفعون شعبيته من خلال مواقفهم وتصريحاتهم. وآخر مثال لهؤلاء، الرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون، الذي يدافع عن الرسوم المسيئة إلى خاتم الأنبياء، محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويدعي بأن "الإسلام دين يعيش أزمة في جميع أنحاء العالم".
ماكرون يعاني من أزمات داخلية في بلاده، ويرى الخروج منها في اللجوء إلى اليمين المتطرف، بتأجيج العنصرية والكراهية ضد المسلمين، إلا أنه ينسى أو يتناسى أن هناك ما يقارب السبعة ملايين مسلم في
فرنسا، كما أن الإساءة إلى نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم تعني التحدي لكافة المسلمين في أنحاء العالم، وجرح مشاعرهم، باستثناء شرذمة منسلخة عن العقيدة الإسلامية والقيم الإنسانية يمكن أن تصطف معه.
أردوغان انتقد تصريحات الرئيس الفرنسي العنصرية والمؤيدة للإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلا إن "ماكرون بحاجة لاختبار قدراته العقلية". وقامت باريس باستدعاء السفير الفرنسي لدى أنقرة، احتجاجا على تصريحات رئيس الجمهورية التركي. وكشفت هذه الخطوة عن ازدواجية معايير فرنسا التي تدافع عن الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحجة "
حرية التعبير"، ولكنها في ذات الوقت لا تتحمل لأبسط انتقاد يوجَّه إلى رئيسها.
تصريحات الرئيس الفرنسي المسيئة للإسلام ونبيِّه صلى الله عليه وسلم، دفعت المسلمين في الدول العربية والإسلامية إلى إطلاق حملات لمقاطعة المنتجات الفرنسية. وبدلا من التراجع والاعتذار والاحترام لرموز المسلمين ومعتقداتهم، طالبت وزارة الخارجية الفرنسية بــ"توقف حملات المقاطعة فورا"، مدَّعية بأن من يقف وراءها "أقلية متطرفة". ومن المؤكد أن هذه العنجهية الوقحة واللغة الاستعلائية ستزيد تمسك عموم المسلمين بمقاطعة فرنسا، لأنها تصر على الخطأ، وتتهمهم بالتطرف لدفاعهم عن نبيِّهم صلى الله عليه وسلم، كما تتعاطى مع الأمر وكأن محمدا، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فقط نبي الجماعات الراديكالية، ولا يغضب من أجله إلا المتطرفون.
ماكرون هو الآخر أعرب عن إصراره على موقفه، وقال في تغريدة نشرها باللغة العربية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: "لا شيء يجعلنا نتراجع أبدا"، في إشارة إلى حملات المقاطعة. كما حاول أن يصوِّر دفاعه عن الإساءة إلى الإسلام والمسلمين كـــ"الاحترام لكل أوجه الاختلاف بروح السلام"، و"النقاش العقلاني"، و"الوقوف إلى جانب كرامة الإنسان والقيم العالمية"، متجاهلا أن كل ما ذكره عن الاحترام للاختلاف والعقلانية وما إلى ذلك، يتبخر تلقائيا
إذا كشف - مثلا - صحفي عن لقاء سري جمع ماكرون مع قادة حزب الله في لبنان.
القيادة الفرنسية مهما كانت تكابر وتصر على الدفاع عن الإساءة إلى النبي صلى لله عليه وسلم، فإن بيان وزارة الخارجية الفرنسية، وكذلك تغريد ماكرون باللغة العربية، يدلان على أن الهبة الشعبية التي تشهدها معظم الدول العربية والإسلامية وحملات مقاطعة المنتجات الفرنسية ترعب باريس، الأمر الذي يحث المسلمين على مواصلة تحركاتهم دون الإصغاء إلى الأصوات المرجفة القائلة بأن المقاطعة والمظاهرات غير مجدية.
الأنظمة العربية التي تعادي أردوغان بسبب مواقفه المشرفة من ثورات الربيع العربي، وقفت إلى جانب ماكرون، نكاية برئيس الجمهورية التركي، وسعت إلى تبرير إساءة الرئيس الفرنسي إلى الإسلام ونبيِّه صلى الله عليه وسلم. وبلغ بها الفجور في الخصومة مبلغا حتى قال أحد أبواقها إن "المعادلة بسيطة وواضحة: عندما يهاجم أردوغان ماكرون فاعلم أن ماكرون على حق"، ما يعني أنه يرى أن الرئيس الفرنسي على حق مهما أساء إلى الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، ما دام أنه على خلاف مع رئيس الجمهورية التركي.
أردوغان يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم إيمانا واحتسابا، بعيدا عن الحسابات السياسية، لأنه مسلم غيور على دينه قبل أن يكون زعيما سياسيا، وهذا ما نحسبه، والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحدا. وأما خصومه فمهما أرادوا تشويه صورته واصطفوا مع كل من يختلف معه نكاية به، فإنهم بغباء منقطع النظير يخدمونه، ويرفعون شعبيته، كما يفعلون الآن في الأزمة الأخيرة التي أشعل فتيلها الرئيس الفرنسي.
twitter.com/ismail_yasa