(1)
أربع نقاط وملاحظات مهمة تمثل جوهر النظرة للتطبيع
السوداني والإسرائيلي، وتأسيس ذلك على منطلقات مفاهيمية:
أولها؛ أن الدولة
الإسرائيلية تنظر لعلاقاتها الخارجية من منظور أمنها القومي، ولذلك أول من يبادر بالاتصال والحوار هو مدير الاستخبارات. والاستراتيحية الإسرائيلية تسعى لتفكيك الدول وتفتيتها، وأي دولة قوية خطر على إسرائيل ومستقبلها، وذلك لقناعتها بأن النظم متغيرة وقناعات الأمم ثابتة، ولذلك قد ينقلب سلطان الدولة يوما.
ثانيا؛ إن هناك جانبا معنويا في توقيع اتفاق مع السودان، وقد ظلت الخرطوم تحمل منذ العام ١٩٦٧م رمزية عاصمة اللاءات الثلاث" (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع إسرائيل). وقد كان ذلك واضحا في ابتهاج رئيس الوزراء الإسرائيلي بهذه الحقيقة، ويضيف إليها أنه "اتفاق مفيد للأمن والقلب والجيب".
ثالثا؛ إن سمة الدينية في الصراع بين العرب وإسرائيل يبقى قائما، ولذلك فإن حدود الاتفاقات معلومة، وهذه حقيقة يدركونها جيدا، وعليه فإن الاتفاقات مهما تم إحكامها وتقويتها، فإنها وقتية ولا تتمتع بعنصر الديمومة والاستمرارية، وهذا سبب الحرص على استمرار تفوق إسرائيل عسكريا.
رابعا؛ إن الحواضن الشعبية تعارض
التطبيع، وقد كشف الربيع العربي هذه الحقيقة، ومهما أبدت إسرائيل وبعض القوى الغربية دعمها للديمقراطية، فإنها تدعم دولا ورموزا سلطوية وتجافي الديمقراطية وشروطها.
(2)
في كتابه "أقليات في خطر" أحصى روبرت جارا ٢٤٣ مجموعة قبلية تهددها المخاطر. والكتاب الذي صدر في بداية تسعينيات القرن الماضي، يجسد حالة التفتت والانقسام في المجتمعات، ومن بينها الدول العربية، حيث خلق الاستعمار غبنا مجتمعيا كامنا، واتسق ذلك مع فشل وتقاصر نخبوي لم يستكمل، ويؤسس وحدة وتماسك المجتمع والأمة.
وفي السودان، وعندما تم توقيع اتفاق السلام الشامل (١٠كانون الثاني/ يناير ٢٠٠٥م)، كانت حدة الصراع قد تصاعدت وتيرتها في دارفور بغرب السودان، وتحولت من تنازع محلي إلى حالة دولية (تهدد الأمن والسلام)، وكانت دوائر كثيرة من وراء الأحداث.
لقد اعترفت إسرائيل بدولة جنوب السودان في اليوم الثاني لإعلانها (١٢ تموز/ يوليو ٢٠١١م)، وهذا دأب إسرائيل في خلخلة المجتمعات، فليس من مصلحة دولة محدودة السكان والمساحة وجود مجتمعات ودول قوية ونامية بجوارها.
(3)
وأكبر مخاوف إسرائيل وجود سلطة في دولة جارة تدعم خيار الشعب
الفلسطيني قولا وفعلا. ومع أن السودان بعيد عن مسرح المواجهة المباشرة، إلا أن أدواره مشهودة في المحافل الإقليمية والدولية، وفي تنوير الرأي وتقديم النموذج في الدعم المعنوي، وإتاحة المساحة الحراك الشعبي بما يشكل مظهرا إعلاميا. وأكثر من ذلك، يسعى بالصلح والتقارب بين الفصائل الفلسطينية، وهناك دلائل لدعم بالسلاح والمواد الخام، ولذلك جاءت عبارة نتنياهو "سلام مفيد للقلب والأمن والجيب".
وأضف لذلك الموقع الاستراتيجي للسودان باعتباره بوابة لأفريقيا، وأحد محطات التحكم في المياه، وأكبر مخزون للغذاء العالمي. إذن التطبيع بين السودان وإسرائيل ليس حدثا عابرا، بل هو إعادة لتوازنات جديدة في الإقليم.