شنت قوى ومليشيات عراقية موالية لإيران هجوما عنيفا على المملكة العربية السعودية، محذرة حكومة مصطفى الكاظمي من السماح للرياض بالاستثمار في مساحات واسعة داخل البلاد، لأسباب قالت إنها تتعلق بالأمن والسيادة والاقتصاد.
"استعمار جديد"
ودعا ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، الجهات الرسمية إلى إيقاف مشروع منح السعودية أراضي للاستثمار في بادية العراق (كربلاء، النجف، المثنى).
وأوضح الائتلاف في بيان، السبت، وصل لـ"عربي21" نسخة منه، أن هذا الأمر فيه "تداعيات خطيرة" على أمن وسيادة البلاد، فضلا عن أنه يساهم في الإضرار بمخزون العراق الإستراتيجي من المياه الجوفية.
وأضاف أن "هذا القرار يثير الكثير من الشكوك والتساؤلات عن أهداف إصداره في هذا الوقت، لا سيما أن هذا المشروع طرح أكثر من مرة في زمن الحكومات السابقة، ورفض لاعتبارات إستراتيجية مائية وأمنية، ولأنه يحمل في طياته الكثير من التجاوز على حقوق العراقيين، ويفتح الباب أمام استعمار جديد تحت عنوان الاستثمار".
وشدد ائتلاف المالكي على ضرورة "إيقاف رخصة المشروع الذي يمنح السعودية ١٥٠ ألف دونم في بادية العراق"، داعيا العشائر العراقية الأصيلة وكل القوى الوطنية إلى "رفض المشروع وإيقافه".
وعلى الوتيرة ذاتها، رفض زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي ما وصفه بمحاولات "النظام السعودي" في الاستيلاء على المساحات الكبيرة من أراضي محافظات الأنبار والنجف والمثنى والبصرة؛ بدعوى الاستثمار، معتبرا أن هذا "المشروع يتزامن مع التطبيع مع إسرائيل".
كما اعتبر الخزعلي في بيان له، الجمعة، أن المشروع فيه تهديدات أمنية "خطيرة للغاية" من قبل نظام له سوابق عديدة في الإضرار بأمن العراق واستقراره، داعيا كل النخب الأكاديمية وشيوخ العشائر والطلبة والقوى السياسية إلى رفض هذا المشروع، الذي وصفه بأنه "خبيث".
تحسس متبادل
من جهته، علق البرلماني جاسم البخاتي عن تيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، بالقول: "لا يختلف اثنان عن التحسس الإقليمي المتبادل بين إيران والسعودية على الساحة العراقية؛ لذلك كلما تقدمت طهران بمشروع كان هناك ردود فعل من الجانب الآخر، والعكس كذلك".
وأضاف البخاتي، في حديث لـ"عربي21"، أن "هذا الوضع ألقى بضلاله على العراق، وأدى إلى انكماشه وعدم الانفتاح على المحيط العربي والدولي، واليوم ملف الاستثمار هو من الملفات المتوقفة؛ بسبب عدم تبسيط إجراءات حتى يجري استقطاب الشركات".
وشدد البخاتي على ضرورة "الأخذ بنظر الاعتبار مصلحة العراق في الاستثمار، ولا ننظر إليها وفقا للمؤثرات الإقليمية والمذهبية، التي أخذت ما أخذت من العراق، وفككت منظومته المجتمعية، لذلك علينا التعامل مع جميع دول الجوار بالثقافة والمعايير ذاتها، وفتح أبواب الاستثمار أمامها".
ودعا النائب إلى "إعطاء رسالة أن الجميع سواسية، سواء السعودية أو إيران أو تركيا وغيرهم، ولا نعطي أولوية لأحد دون آخر؛ حتى لا نوّلد هذا التحسس المفرط، الذي أصبح ظاهرا للعيان، ومعوقا للكثير من المشاريع".
وبخصوص التحذيرات من خطورة الاستثمار السعودي على أمن العراق، قال البخاتي: "هناك خطأ إستراتيجي كبير ارتكبته جميع الدول العربية المجاورة للعراق بعد تغيير النظام عام 2003، وذلك بإدارة ظهرها للمجتمع العراقي، وكانت عاملا مساعد في عملية إرسال المفخخات وتغذية التطرف".
وتابع: "لكن بعدما يأس من كل راهن على تنظيم الدولة، بدأوا بفتح صفحة جديدة مع العراق، والتعاطي بإيجابية لتصحيح المسار وتحسين الصورة، ونتمنى أن يكون ذلك حقيقا بمد يد العون للعراق، الذي يعاني من شلل حقيقي في الاقتصاد والاستثمار، ونقص في الطاقة وتزايد أعداد البطالة، ونحن نرحب بجميع الدول العربية ما دامت النيات صادقة".
توجيه إيراني
في المقابل، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، الدكتور رعد العاني، أن "توقيت الهجوم على السعودية والاستثمار الذي تنوي البدء به في العراق، لا يأتي من فراغ، لأن جميع من طالب بإيقافه هم من المقربين لإيران، وبالتالي هي من وجهتهم".
وقال العاني في حديث لـ"عربي21"، إن "إيران ترفض أن تسيطر السعودية على الشريط الحدودي العراقي المحاذي لها، الذي يمتد من محافظ الأنبار غربا وصولا إلى محافظة البصرة جنوب البلاد، لذلك نرى تحذيرات هذه القوى من تداعيات أمنية إذا تحقق الاستثمار".
ورأى الباحث العراقي أن "إيران لا ترضى بأي منافس لها في العراق، فهي ترفض حتى الولايات المتحدة التي أسقطت نظام صدام حسين، وجاءت بالقوى والأحزاب السياسية الموالية لإيران، التي تولت الحكم في البلاد منذ 17 عاما، فكيف توافق على مجيء السعودية؟".
واستبعد العاني تمكن السعودية من الاستثمار في العراق خلال المرحلة الحالية، لأن إيران والمليشيات الموالية لن تسمح بذلك مطلقا، وأن هذه التصريحات هي بمثابة رسالة تحذيرية للرياض، وكذلك تحمل مضمونا تحذيريا للحكومة العراقية من الإقدام على هذه الخطوة.
وتتجه السعودية إلى استثمار مليون هكتار (الهكتار 10 آلاف متر مربع) من الأراضي العراقية، بهدف تحويلها إلى حقول ومزارع لتربية الأبقار والماشية والدواجن، ليكون بذلك أكبر مشروع استثماري زراعي لها في العراق على الإطلاق، بحسب مواقع عراقية.
وجرى تداول المشروع في "المجلس التنسيقي المشترك" بين السعودية والعراق، الذي تأسس في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، وهو ثمرة جهود حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، الذي سعى لإيجاد توازن دقيق في العلاقات بين الدول الإقليمية المتنافسة.
"الغارديان" تتهم مليشيات الحشد بمنع نازحي العراق من العودة
ما هي فرص الحريري بالنجاح في تشكيل حكومة "تنقذ لبنان"؟
بعد "مجزرة الفرحاتية".. ما هي خيارات القوى السنية بالعراق؟