كتاب عربي 21

قرصنة أوروبية في المتوسط

1300x600

اعترضت فرقاطة ألمانية يقودها ضابط يوناني سفينة تركية، مساء الأحد في مياه البحر الأبيض المتوسط، ونفذت القوات الألمانية عملية إنزال على السفينة، كما قامت بالتفتيش فيها حتى ساعات صباح الاثنين. وكانت السفينة التي ترفع العلم التركي انطلقت من إسطنبول متجهة إلى ميناء مصراتة الليبية، ولم تجد القوات الألمانية فيها غير مساعدات إنسانية ومواد غذائية.

هذه العملية، حسب ما تقول برلين، جاءت في إطار عملية "إيريني" الأوروبية التي تهدف إلى وقف تهريب السلاح إلى ليبيا، إلا أن عملية "إيريني" ذاتها مشبوهة وغير مشروعة، وفقا للقانون الدولي. وبالتالي، عملية القوات الألمانية أيضا غير قانونية، بناء على قاعدة "ما بني على الباطل فهو باطل". كما أن عملية "إيريني" منحازة لقوات حفتر الانقلابية التي تقاتل ضد قوات الحكومة المعترف بها دوليا، وتسعى إلى الحيلولة دون حصول الحكومة الشرعية على أسلحة تحمي بها الشعب الليبي من هجمات المرتزقة الروس والتشاديين والسودانيين، فيما تتدفق كافة أنواع الأسلحة إلى قوات حفتر عبر طائرات الشحن والحدود المصرية. وهي بهذه الازدواجية تعد شريكة في جميع الانتهاكات المروعة وجرائم الحرب البشعة التي ترتكبها قوات حفتر بحق المدنيين الليبيين.

 

عملية الإنزال على السفينة التركية هي قرصنة بامتياز؛ لأن القوات الألمانية، وفقا للقانون الدولي، كان عليها الحصول على إذن من أنقرة قبل نزول الجنود الألمان على متن السفينة وقيامهم بالتفتيش فيها

عملية الإنزال على السفينة التركية هي قرصنة بامتياز؛ لأن القوات الألمانية، وفقا للقانون الدولي، كان عليها الحصول على إذن من أنقرة قبل نزول الجنود الألمان على متن السفينة وقيامهم بالتفتيش فيها. وهذا لم يحدث، بل أبلغت تركيا مركز عملية "إيريني" في اتصال هاتفي بأنها لا تسمح للقوات الألمانية بتفتيش السفينة، وبعد حوالي ربع ساعة من ذلك، نزل الجنود الألمان على متن السفينة.

ومن المتوقع أن ترد القوات التركية على هذه العملية بالمثل، من خلال الاعتراض لسفينة ألمانية أو يونانية، للقيام بعملية تفتيش فيها بشبهة وجود أسلحة على متنها. ومن حق تركيا أيضا أن توقف السفن اليونانية أمام مضيق البوسفور أو مضيق الدردنيل لأيام بحجة التفتيش فيها، لتدرك أثينا حجم الحماقة التي ارتكبها الضابط اليوناني حين أمر الجنود الألمان بالاعتراض للسفينة التركية في المتوسط. وهل ما يجوز للقوات الألمانية لا يجوز للقوات التركية؟!

 

من المتوقع أن ترد القوات التركية على هذه العملية بالمثل، من خلال الاعتراض لسفينة ألمانية أو يونانية، للقيام بعملية تفتيش فيها بشبهة وجود أسلحة على متنها

توقيت العملية التي جاءت قبيل القمة الأوروبية يثير علامات استفهام حول أهدافها. ويرى محللون أن القوات الألمانية التي قامت بعملية الإنزال بقيادة ضابط يوناني، كانت تحلم بالعثور على أسلحة في السفينة، لإحراج أنقرة في القمة المزمع عقدها في الأيام القادمة، وتبرير عقوبات أوروبية على تركيا، إلا أن المؤامرة باءت بالفشل، وعاد الجنود الألمان أدراجهم خاوي الوفاض.

تركيا قبضت على القوات الألمانية متلبسة بخرق القانون الدولي. وتم تسجيل القرصنة بالصوت والصورة. ومن المؤكد أن أنقرة ستستخدم هذه الفضيحة للضغط على دول الاتحاد الأوروبي عموما، وألمانيا على وجه الخصوص. وبعبارة أخرى، إن العملية كانت تهدف إلى العثور على أدلة لاتهام تركيا، إلا أنها تحولت إلى دليل لصالح أنقرة. وكما يقول المثل التركي، "الذاهب إلى الصيد قد يكون فريسة".

السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذه العملية هو: "كيف تخيلت القوات الألمانية أن تركيا يمكن أن ترسل إلى ليبيا أسلحة عبر سفينة دون توفير حماية لها؟". فالسفينة لو كانت محملة بالأسلحة والذخائر لأبحرت برفقة السفن الحربية التركية، ولم يتجرأ أحد حينئذ على الاقتراب منها. وكانت القوات اليونانية حاولت قبل أشهر أن تعترض سفينة شحن تركية، لتنفذ عملية إنزال على متنها للتفتيش والتأكد من حمولتها، إلا أنها اضطرت للتراجع بعد أن أبلغت فرقاطات عسكرية تابعة للقوات البحرية التركية أن السفينة تقع تحت حمايتها.

 

إن كانت الدول الأوروبية ترغب بوقف تدفق الأسلحة إلى المرتزقة والإرهابيين المجرمين في ليبيا فعليها مراقبة الحدود المصرية وطائرات الشحن التي ترسلها أبو ظبي محملة بالأسلحة والذخائر

ليس سرا وقوف تركيا بقوة إلى جانب الحكومة الليبية الشرعية ضد الإرهابيين والانقلابيين، كما يعلم العالم أن أنقرة تدعم طرابلس سياسيا وعسكريا ولوجستيا، بناء على الاتفاقيات الموقعة بين البلدين. وهناك رحلات جوية تقوم بها طائرات شحن بين تركيا وليبيا. ومن المؤكد أن دعم الحكومة المعترف بها دوليا ليس جريمة. وإن كانت الدول الأوروبية ترغب بوقف تدفق الأسلحة إلى المرتزقة والإرهابيين المجرمين في ليبيا فعليها مراقبة الحدود المصرية وطائرات الشحن التي ترسلها أبو ظبي محملة بالأسلحة والذخائر.

تركيا ستواصل وقوفها إلى جانب الشعب الليبي وحكومته الشرعية، كما أنها لن تتراجع عن حماية حقوقها في شرقي المتوسط، ولن تتخلى عن شبر واحد من مناطق نفوذها البحرية، ولن ترهبها مثل هذه التحرشات والعمليات. ومن يحلم بعكس ذلك، فليراجع حساباته قبل أن تصيبه خيبة أمل كبيرة.

twitter.com/ismail_yasa