أثار قرار استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل غضباً بين عناصر داخل حزب "العدالة والتنمية"، الذي يرفض منذ تأسيسه أي تطبيع مع إسرائيل. فعقب توقيع زعيمه الذي يترأس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، على الإعلان المشترك مع إسرائيل، طالب أعضاء من حزب "العدالة والتنمية" العثماني بالاستقالة، لكن الحزب سرعان ما أكد دعمه لأمينه العام ورئيس الحكومة عقب اجتماع استثنائي لأمانته العامة، كما أكد على أهمية الالتفاف وراء العاهل المغربي في الخطوات التي اتخذها في مجال تعزيز سيادة المغرب على الصحراء، وعلى المواقف الثابتة للبلاد في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
إن الجدل الذي أثاره موقف حزب العدالة والتنمية المغربي من التطبيع مع إسرائيل، يشير إلى التنوع الكبير الذي تنطوي عليه الإسلاموية وما بعدها في أيديولوجياتها وممارساتها، والتي تمتد إلى طيف واسع من الحركات الجهادية والدعوية والسياسية. وتتنوع وتتعدد التيارات داخل هذه الحركات نفسها، كما هو واضح عند جماعة الإخوان المسلمين، بوجود تيارات واتجاهات من المحافظين المتشددين والبراغماتيين إلى الإصلاحيين الدينيين والسياسيين، وهو ما يعزز "وجهة النظر السياقية" في دراسة الحركات الإسلاموية، والتي تعتقد بأن سياسات وممارسات الأحزاب السياسية لا تقودها الأيديولوجية بقدر ما تقودها الأحداث، إذ تعمل هذه الجماعات في سياقات سياسية محددة، وتقوم بردود فعل وتميل إلى التكيّف. ففي حال انسداد الأفق السياسي وتنامي قمع النظام، ينشط التطرف على هامش الحركة، وفي حال انفتاح النظام تدخل الحركة معترك اللعبة الانتخابية.
الجدل الذي أثاره موقف حزب العدالة والتنمية المغربي من التطبيع مع إسرائيل، يشير إلى التنوع الكبير الذي تنطوي عليه الإسلاموية وما بعدها في أيديولوجياتها وممارساتها، والتي تمتد إلى طيف واسع من الحركات الجهادية والدعوية والسياسية. وتتنوع وتتعدد التيارات داخل هذه الحركات نفسها
موقف العدالة والتنمية المغربي بالانحياز إلى بنية الدولة الوطنية، يؤكد على سياقية ظاهرة الإسلاموية، وتكيّفها مع المنطق الوطني
موقف العدالة والتنمية المغربي يكشف عن تهافت منطق أطروحة أسلمة الدولة الوطنية، فهي لا تعدو عن كونها فكرة طوباوية، تستثمرها الأنظمة الوطنية العربية داخلياً، وتضخمها للتهرب من استحقاقات الإصلاح والتحول الديمقراطي، وتوظف نظرية الأسلمة خارجياً لتبرير التوجهات السلطوية
إن موقف العدالة والتنمية المغربي يكشف عن تهافت منطق أطروحة أسلمة الدولة الوطنية، فهي لا تعدو عن كونها فكرة طوباوية، تستثمرها الأنظمة الوطنية العربية داخلياً، وتضخمها للتهرب من استحقاقات الإصلاح والتحول الديمقراطي، وتوظف نظرية الأسلمة خارجياً لتبرير التوجهات السلطوية، ولدغدغة المشاعر الغربية في ظل تنامي الأحزاب اليمينية والشعبوية وبروز ظاهرة "الإسلاموفوبيا".
فتصوير جماعة الإخوان على أنها متشوفة للسلطة وقادرة على الاستيلاء عليها وفرض نسختها من الشريعة على المواطنين غير الراغبين، إنما يشكل صورة كاريكاتورية تبالغ في تضخيم سمات مخصوصة للإخوان في حين تتجاهل أخرى، وتقلل من مدى التغير الذي مرت به الجماعة بمرور الوقت حسب كاري ويكهام؛ فجماعة الإخوان المسلمين مثلاً هي حركة إصلاحية محافظة تعمل في إطار دولة وطنية ذات سلطة بيروقراطية تسود المجتمع عبر توسيعها قدراتها على تنسيق البنى التحتية، بحيث تخترق المجتمع المدني بالكامل امتداداً لسلطتها.
ولا تخرج الأحزاب الإسلامية عن كونها حركة دولتية، بدأت نشاطها كجمعية إحيائية دينية ترتكز على العمل الاجتماعي للحفاظ على الهوية الإسلامية، ودمجت لاحقاً بين العمل الاجتماعي في إطار الجماعة، والعمل السياسي من خلال تأسيس حزب سياسي، لكنها في جميع أطوارها كانت تتوافر على رؤية تقوم على الاعتقاد بشمول وتكامل الإسلام وصلاحيته في كل زمان، دون إمكانية لتصور الفصل بين الديني والسياسي.
ومع ذلك؛ فالأحزاب الإسلامية تستند في وجودها إلى الشرعية القانونية التي حصلت عليها من الدولة، وتمارس كافة أنشطتها الاجتماعية والسياسية في إطار السلطة السيادية القانونية للدولة القومية. إذ لا تتدخل الدولة مباشرة في الجسم الاجتماعي من أجل الإصلاح فحسب، كما يؤكد طلال أسد؛ "بل إن النشاط الاجتماعي برمته يتطلب الموافقة القانونية، وبالتالي موافقة الدولة- الأمة. والطريقة التي جرت فيها تحديد المساحات الاجتماعية وتنظيمها وإدارتها؛ تجعل منها كلها سياسية. هكذا فإن محاولة الناشطين الإسلاميين تحسين الظروف الاجتماعية، مثلاً من خلال إنشاء المستوصفات والمدارس في المناطق المحرومة، لا بد من أن تجازف بإثارة تهمة عدم الشرعية السياسية، وأن تصنف كإسلاموية".
خلاصة القول أن موقف العدالة والتنمية ومناهضيه من الإسلاميين من التطبيع مع إسرائيل يجسد حالة ومشروع الإسلام السياسي، وهو موقف لا يخرج عن المواقف التاريخية التي مارستها قوى وفعاليات وتوجهات وشخصيات مسلمة داخل دار الإسلام تجاه السلطة المتغلبة الحاكمة، والتي ظهرت مع الاجتياحات الكبرى للعالم الإسلامي، كما حدث إبان الاجتياح المغولي في العصور الوسطى والاجتياح الإمبريالي الكولونيالي الغربي في العصر الحديث.
فالأيديولوجية لا تنفصل عن البراغماتية، والتأويلات لا تنفصل عن الخطابات، ولذلك يجب الكف عن النظر إلى الإسلاميين باعتبارهم كائنات جوهرانية، وتجاوز التعامل مع الإسلامية خارج المنظورات السياقية، إذ تحتمل الإسلاموية مواقف وممارسات وتأويلات مجسدة واسعة ومتناقضة، من التطبيع وموالاة الاستعمار إلى المقاومة ومناهضة الإمبريالية.
twitter.com/hasanabuhanya
هل حقا لا يضرّ التطبيع المغربي بالقضية الفلسطينية؟!
المغرب والتطبيع وحزب العدالة والتنمية
الحركات الإسلامية والمراجعة التي آن أوانها