لم تكن
"العتمة الإلكترونية" الوسيلة الوحيدة التي لجأ إليها صحفيون في الأردن
للتعبير عن احتجاجهم على سياسة الاعتقال والحبس التي يتعرضون لها، ولكنها كانت
الأبرز والأكثر إثارة إعلاميا وشعبيا.
وكان صحفيون و86
مؤسسة إعلامية هددوا بتنفيذ "عتمة إلكترونية"، وتوقف عن العمل لمدة
ساعتين الأربعاء، احتجاجا على اعتقال الصحفي جمال حداد، الذي أفرج عنه الثلاثاء
بعد وقفتين احتجاجيتين نفذهما عشرات الصحفيين أمام مقر نقابتهم في العاصمة عمان.
وجمال حداد ناشر
موقع "الوقائع" الإخباري، تم توقيفه الخميس الماضي، بأوامر من مدعي عام محكمة
أمن الدولة، بتهمة "تعريض أمن الشعب للخطر بأقوال سببت عدم استقرار
عام"، وذلك لنشره تقريرا قال فيه إن الأردن استلم دفعة من لقاح فيروس كورونا،
وإن كبار المسؤولين تم تطعيمهم به.
وتتمثل "العتمة
الإلكترونية" بتوشيح وسائل الإعلام صفحاتها الإلكترونية على الإنترنت بالسواد،
مع كتابة رسالة موحدة مفادها أنه لا توجد
حريات صحفية في الأردن، وأن الصحفيين سيقفون
يدا واحدة في مواجهة توقيفهم وتحويلهم إلى محكمة أمن الدولة.
تطوير وسائل الاحتجاج
وأوضح منسق حملة
الإفراج عن حداد، الصحفي باسل العكور، أن "العتمة الإلكترونية فكرة حديثة
ورائدة، أردنا من خلالها أن نطور وسائل الاحتجاج في مواجهة غلواء السلطة وتعسفها
واستبدادها، كما تطور هي وسائلها في الاعتداء على الحريات الصحفية".
وقال
لـ"عربي21" إن لهذه الوسيلة الاحتجاجية دلالات رمزية مهمة تعكس حالة
الحريات التي وصلت إلى مستوى متأخر جدا، مشيرا إلى أن "السواد يدل على أننا
نعزي أنفسنا بالحريات الصحفية التي أصبحت غائبة تماما".
وأضاف العكور أن استعداد
86 وسيلة إعلامية للمشاركة في العتمة الإلكترونية يمثل حدثا استثنائيا وتاريخيا،
ويبعث رسالة واضحة بأن الصحفيين ضاقوا ذرعا بالاعتداء الرسمي على حرية
الصحافة،
ولن يسكتوا بعد ذلك على توقيف زملائهم.
ووصف العكور الحريات
الصحفية في الأردن بأنها "في أسوأ حالاتها على الإطلاق"، لافتا إلى أن
الصحفي بات يخضع لأكثر من 14 تشريعا، غالبيتها العظمى تتضمن عقوبة الحبس والتوقيف
المسبق، وعلى رأسها قوانين الجرائم الإلكترونية والإرهاب وأمن الدولة.
وأضاف العكور أن
الحكومات المتعاقبة تجاوزت جميع الالتزامات الرسمية بأن يكون قانون المطبوعات
والنشر المرجعية الوحيدة للنظر في جميع القضايا المتعلقة بالصحافة والإعلام،
متسائلا: "لماذا كُيّفت قضية جمال على أنها قضية أمن دولة؟ وكيف لمادة صحفية
أن تشكل خطرا على أمن الدولة؟".
رسالة قاسية
وتوجِّه
"العتمة الإلكترونية" رسالة قاسية تشير إلى الحداد على حرية الصحافة
والنشر والإعلام، بحسب أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، الذي قال إن على
الجهات المعنية أن تلتقط هذه الرسالة وتدرسها، وتتوقف عن استهداف الحريات الصحفية.
وأضاف
لـ"عربي21" أن "تقييد حرية الصحفي وحبسه وإيقافه عن العمل يجب أن
يكون قرارا استراتيجيا مدروسا بعناية، لأنه يؤثر على سمعة الوطن وتقدمه وإنجازاته،
وخاصة مع وجود دول ومنظمات وهيئات ترصد وتتابع الإجراءات المتعلقة بحرية الصحافة
في العالم كله".
وأوضح الخزاعي أن
الإعلام العالمي بشتى أنواعه منفتح على الرأي والرأي الآخر، والأفضل للحكومات إذا
كان لديها تحفظ على مادة صحفية أن تلجأ إلى الرد عليها عبر وسائل الإعلام،
متسائلا: "ما الفائدة التي جنتها الحكومة من حبس الصحفي حداد وغيره من
الصحفيين والإعلاميين؟".
وأكد أنه "لا يجوز
إيقاف الصحفي تحت أي سبب من الأسباب، إلا في الجرائم الكبيرة الخطيرة التي من
البيّن أنها تمس أمن الدولة"، مشددا على ضرورة أن يطلب الصحفي المخالف
للقانون عن طريق نقابته التي تمثله، وأن تكون محاكمته قانونية، وتحضرها اللجنة
المعنية بالحريات في النقابة".
وقال إن المجتمع الأردني
يتميز بمستوى عال من الثقافة والذكاء، ويستطيع أن يحكم على الخبر إذا كان صحيحا أو
غير صحيح، مؤكدا أن اتخاذ إجراءات قمعية بحق كاتب المادة الصحفية يمنحها مصداقية
وشهرة كبيرة، ويلفت أنظار الناس إليها، ويدفعهم للبحث عنها وقراءتها وتداولها.
وأضاف الخزاعي أن
مقياس ثقة المواطن بالحكومات المتعاقبة ضئيل جدا، "فقد أشارت إحصائية أجريت
في عهد حكومة عمر الرزاز السابقة إلى أن 80 بالمئة من المواطنين لا يثقون
بها"، لافتا إلى أن ذلك يجب أن يدفع الحكومة الحالية إلى اتخاذ إجراءات
تكسبها ثقة المواطنين، وليس من خلال التوقيف والتضييق على الحريات.
ومنذ مطلع عام 2020
أوقفت الأجهزة الأمنية العديد من الصحفيين حول قضايا متعلقة بالنشر، أبرزهم جمال
حداد، وناشر موقع "جو24" باسل العكور، والمدير العام لقناة "رؤيا"
فارس الصايغ، ومدير الأخبار فيها محمد الخالدي، وناشر موقع "عمان جو" شادي
سمحان، ورئيس تحرير وكالة الشريط الإخباري حسن صفيرة، والكاتب وليد حسني، ورسام الكاريكاتير
عماد حجاج.
وازدادت وتيرة توقيف
الصحفيين والإعلاميين بعد إعلان العمل بقانون الدفاع في 17 آذار/ مارس الماضي بسبب
أزمة فيروس كورونا، والذي يمنح الحكومة صلاحيات واسعة تصل إلى تعطيل القوانين، ووضع
قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة، وإلقاء القبض، وتفتيش الأشخاص
والأماكن والمركبات.