مع خسارة الرئيس
ترامب للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وبغض النظر عن التحديات التي تلت ذلك بما في ذلك الفوضى في 6 كانون الثاني/ يناير، بدأت إسرائيل العمل بقوة لوضع أرضية سياسية جديدة واستراتيجية لفرضها بسرعة على إدارة
بايدن المنتخبة مؤخرا، مع الاهتمام بنفسها فقط كالعادة وبالقيادة الإسرائيلية المتطرفة وبأيديولجية هذه.
خلال فترة ترامب، خاصة أواخر الفترة، تمثلت الاستراتيجية الإسرائيلية في شطب الحقوق الوطنية
الفلسطينية، بما في ذلك دولة فلسطين والبدء بشكل عملي في بناء "إسرائيل الكبرى" من خلال ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وفي حالة الاضطرار قبول كيان فلسطيني مفتت خاضع لإسرائيل باعتباره حلاً للفلسطينيين المقيمين في "إسرائيل الكبرى". أصبح واضحاً بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الأمريكية أن هذه الاستراتيجية لم تعد قابلة للتنفيذ، وبدأ بالتالي البحث الإسرائيلي عن استراتيجية بديلة، مع تسخير كل الإمكانيات، بما في ذلك للأسف بعض الليبراليين الإسرائيليين وآخرين في العالم. الهدف هو، بالطبع، تحقيق تقدم مع إبقاء الرؤية المشار إليها أعلاه حية للمستقبل.
يبدو أن الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة تستقر الآن باتجاه منع أي خطوات حقيقية لتنفيذ حل الدولتين ومحاولة استكمال الهدف المركزي القديم- الجديد، وهو شرعنة المستعمرات والمستعمرين، ومحاولة تجنب أي سياسات أو مواقف من الإدارة الجديدة وغيرها في مواجهة المستعمرات وتمددها.
الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة تستقر الآن باتجاه منع أي خطوات حقيقية لتنفيذ حل الدولتين ومحاولة استكمال الهدف المركزي القديم- الجديد، وهو شرعنة المستعمرات والمستعمرين، ومحاولة تجنب أي سياسات أو مواقف من الإدارة الجديدة وغيرها في مواجهة المستعمرات وتمددها
إسرائيل تقول للإدارة الجديدة بأشكال مختلفة إنها لن تقبل أي خطوات باتجاه حل الدولتين، وبالتالي فإن أي محاولة للإدارة الجديدة بهذا الاتجاه ستكون مضيعة للوقت ولن تحقق أي شيء، على غرار ما حدث مع بوش وكلينتون وأوباما وربما أسوأ. وإسرائيل وأصدقاؤها يقولون إن البديل عن ذلك هو خطوات صغيرة لبناء الثقة وتحسين الحالة الفلسطينية وظروف المعيشة للشعب الفلسطيني. البعض يذهب لما هو أسوأ من ذلك ليتحدث عن ضرورة الاهتمام بأمن وسلامة الموجودين في المساحة بين النهر والبحر، سواء أضافوا لذلك ما يسمى بحل الدولة الواحدة أم لا. المعنى هنا واضح والهدف البائس، هو مرة أخرى محاولة شرعنة المستعمرات والمستعمرين، وسيضع الحقوق عليهم بدلاً من إدانة وجودهم والتمسك بأنه استعمار، أي جريمة حرب.
ما هي الاستراتيجية الفلسطينية في مواجهة ذلك، يصعب الحديث عن وجود استراتيجية بدأت تستقر وتظهر. على الأقل كاتب هذه السطور لا يعلم بذلك، هذا باستثناء المواقف التقليدية التي يعاد طرحها من آن لآخر. بالرغم من ذلك، قد يكون مفيداً اقتراح بعض الأمور للمساعدة في بلورة هذا المسعى نحو الاستراتيجية الفلسطينية.
أولاً: تجب مطالبة إدارة بايدن باتخاذ مجموعة من الخطوات قبل التعامل مع مسألة الحل السياسي، وهي خطوات يمكن عنوانها "إلغاء سياسات ترامب وخطواته في الشرق الأوسط". وهي خطوات يجب أن تكون جزءاً من السياسة العامة للإدارة الجديدة بإلغاء سياسات ترامب عموماً، والتي تشمل أموراً مثل تغير المناخ ومنظمة الصحة العالمية والناتو والاتفاق الإيراني.. إلخ. هذه الخطوات تتمثل في إعادة تمويل الأونروا وإعادة المساعدات للجانب الفلسطيني وإعادة فتح القنصلية الأمريكية العامة في القدس، وربما إلغاء إعلان ترامب بشأن القدس ونقل السفارة، وإلغاء وسم بضائع المستعمرات كمنتج إسرائيلي، واتخاذ موقف فعال ضد النشاط الاستعماري الإسرائيلي، وأخيراً إعادة التمثيل الفلسطيني في واشنطن، والذي نأمل أن يكون بشكل قانوني وسياسي مختلف عما كان عليه.
تجب مطالبة إدارة بايدن باتخاذ مجموعة من الخطوات قبل التعامل مع مسألة الحل السياسي، وهي خطوات يمكن عنوانها "إلغاء سياسات ترامب وخطواته في الشرق الأوسط"
هذه خطوات لا بد للإدارة الجديدة أن تقوم بها، بالإضافة لموقف يؤكد تأييدها لحل الدولتين لاستعادة المصداقية وإعادة التوازن للسياسة الأمريكية حول النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وهي خطوات لا بد منها بداية حتى تفهم إسرائيل أن هذا عصر جديد عليها أن تتعامل معه بشكل مختلف، وإلا سيكون من المستحيل تحقيق أي تقدم لاحقاً.
إسرائيل، في المقابل ستقاوم ذلك بالطبع، خاصة موضوع إعادة فتح القنصلية العامة وموضوع المستعمرات، بالرغم من فهمها أن ما يسمى رؤية ترامب وسياسات الإدارة السابقة قد ماتت فعلياً، وهو ما يضيف سبباً ثانياً لكي تقوم الإدارة باتخاذ هذه الخطوات بشكل سريع وتحت غطاء العودة للسياسة الأمريكية التقليدية وتطورها الطبيعي.
بعد ذلك تأتي المهمة الأصعب، وهي العمل على التوصل لحل سياسي للنزاع. يمكن تصور أن هذا سيتأخر بالنظر إلى الأولويات الكثيرة الملقاة على عاتق الإدارة الجديدة، مثل مقاومة وإنهاء فيروس كورونا المستجد وتحسين الأوضاع الاقتصادية والتغلب على الاستقطاب الحاد الذي سببه ترامب، بالإضافة إلى أمور خارجية متعلقة جزئياً بتغير المناخ والمنظمات الدولية والصين... إلخ.
يمكن التصور أيضاً أن الإدارة لن تكون متعنتة في التمسك بالمنهج الأحادي الجانب الذي يوفر احتكاراً أمريكياً لأي عملية سلام، أي أنها قد تكون منفتحة على فكرة الآليات متعددة الأطراف، وربما حتى بناء توافق دولي واسع حول شكل الحل. سيكون هذا بالطبع أمراً إيجابياً ومنطقياً بالرغم من أنه سيعني الحاجة لمزيد من الوقت، وسيسلتزم نشاطاً فلسطينياً يبدأ بمحاولة تشكيل موقف مشترك مع بعض الدول العربية الأساسية مثل مصر والأردن والسعودية؛ موقف يحدد شكل الحل السياسي اللازم والذي يجب أن يكون على أساس المواقف المبدئية المتعارف عليها دولياً، مع إقران ذلك ببعض الأفكار التنفيذية الخلاقة، وهو ما يمكن أن يجذب الدعم الدولي الواسع، بما في ذلك دعم الإدارة الجديدة.
نحن نقول إن أساس ذلك يجب أن يكون وجود دولة فلسطينية على حدود 1967، وأن التفاوض هو بين دولتي فلسطين وإسرائيل. يمكن نصح الإدارة هنا بضرورة الاعتماد على مجموعة مبادئ مثل مبادئ كيري، ثم العمل على التوصل لاتفاق ثنائي على قاعدة هذه المبادئ. إذاً من المفهوم أن الأمر سيستغرق بعض الوقت، ولكن يجب على الإدارة التمسك الحازم بحل الدولتين على أساس حدود 1967 وعدم مغازلة أي حلول أخرى؛ لأن الحقيقة ببساطة أنه لا توجد مثل هذه الحلول.
التهاون أو التأجيل المتعمد أو الخشية من مواجهة محتملة مع الحكومة الإسرائيلية سوف يقود على الأرجح إلى كارثة في المنطقة عموماً، وستكون لها آثارها الطويلة الأمد. إذا أظهرت فترة ترامب شيئاً فهي أظهرت مدى هشاشة الحالة المتعلقة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وأنه في غياب حل حقيقي يمكن للتدهور أن يحدث بسرعة وبدون قاع لهذا التدهور.
التهاون أو التأجيل المتعمد أو الخشية من مواجهة محتملة مع الحكومة الإسرائيلية سوف يقود على الأرجح إلى كارثة في المنطقة عموماً، وستكون لها آثارها الطويلة الأمد
الادعاء بأن الاتفاقيات التي جرت مع إسرائيل وبعض الدول العربية تبرهن على إمكانية تجاهل المسألة الفلسطينية، ويمكن أن تقود إلى استقرار مختلف استراتيجياً، هو ادعاء فارغ. والحقيقة هي أن هذه الاتفاقات جاءت بعد أن مارست إدارة ترامب ضغوطاً كبيرة ودفعت مقابلاً باهظاً على أصعدة مختلفة، وخلقت بالتالي حالة غير قابلة للاستدامة. لم تستقر الأمور بعد بالنسبة لهذه الاتفاقات وحوافزها مختلفة تماماً لكل من قاموا بعقدها، واختلاف الحوافز والأسباب هنا ينذر بالاختلافات القادمة. وفي كل الأحوال سوف نرى ذلك في قادم الأيام، وفي كل الأحوال أيضاً فهذه الاتفاقات أو غيرها يستحيل عليها أن تشكل بديلاً لحل معقول على أساس الشرعية الدولية والخطوط المتعارف عليها دولياً.
الضعف العام للحالة العربية يجب أن لا يبرر أفكاراً بلهاء حول قدرة إسرائيل للسيطرة على هذه الحالة وتوجيهها بالشكل الذي يحقق مصالحها. بدون شك، فإن الانسحاب الجزئي للولايات المتحدة من المنطقة دفع لبعض هذه التطورات، وهذا الانسحاب يمكن أيضا أن يعاد النظر فيه من قبل الإدارة الجديدة، وأي تغيير في هذا المجال يمكن أن يقوض كثيرا من الفرضيات السابقة. لا تستطيع الولايات المتحدة تجاهل وجود وتدهور الكثير من مشاكل المنطقة، ويجب عليها أن تتعامل معها وتحاول حلها.