الكتاب: تجارب حركات الإسلام السياسي بعد ثورات الربيع العربي، دراسة في التحديات الراهنة وآفاق المستقبل
الناشر: المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين، ألمانيا، الطبعة 1 ـ 2019
عدد الصفحات 289 صفحة
المؤلف: مجموعة من الباحثين
نخص حركة الإخوان المسلمين بهذه الحلقة لما لها من تاريخ وتأثير، ونعرض مادتنا من خلال عمل الدكتورة بوجحفة رشيدة الموسوم بـ "حركة الإخوان المسلمين في مصر: تاريخ يعيد نفسه بين الماضي الملبد والحاضر المجهول والمستقبل المنشود" ومقالة الدكتور بشير محمد النجاب المعنونة بــ"ثورة 25 يناير وصعود حركة الإخوان المسلمين في النظام السياسي المصري " خاصة.
1 ـ نشأة حركة الإخوان المسلمين
أسسها حسن البنا في مصر في آذار (مارس) 1928 وسرعان ما انتشر فكرها ليتجاوز بر مصر، وليشمل أكثر من اثنتين وسبعين دولة إسلامية وغير إسلامية. واتخذت لها من "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا" شعارا لها.
وتنقل الجماعة عن عمر التلمساني في مقالته "حسن البنا الملهم، الموهوب: حسن البنا أستاذ الجيل" اختزاله للبدايات في عمل ثلاثة من أعلام الحركة: فقد كان حسن البنا المنشئ للجماعة وباني التنظيم الهيكلي، والمحدد لمضمون الدعوة وأهدافها ووسائلها، والمشرف العام على التوجيه والتنفيذ وكل ما تتطلبه الدعوة من عمل. وكان سيد قطب المفكر الذي يتولى تأصيل عمله، فيمنح الأفكار التي تتبناها الجماعة خلفيات دينية ضمن عمله التنظيري، الذي يهدف دائما إلى الإقناع بأن الخلاص في ما جاء به الإسلام. ولما أدخل عبد القادر عودة بعض التعديلات على فكر الجماعة الأم، انتهى الأمر إلى وجود تيارات فكرية متنافسة، يعمل كل منها على استقطاب مجموعة من الإخوان، ثم أصبحت كل مجموعة جماعة دينية تدعو الناس إلى فكرها وتعمل لحسابها الخاص.
ويرصد الأثر مفارقة مهمة في تاريخ حركة الإخوان؛ فقد عرفت صعودا هائلا في المراحل الأولى من تاريخ تأسيسها، واستمر اكتساحها للساحة الفكرية والسياسية حتى حرب فلسطين عام 1948؛فانتشرت سريعا في محافظات مصر المختلفة، وبالمقابل عانت من ضعف سياسي على نحو لا يتناسب مع حجم الجماعة وانتشارها؛ فغابت عن البرلمان طويلا ودخلت في صدام قاس مع السلطة الناصرية، انتهى بأعضائها إلى السجون والمعتقلات، وفرض قياداتها على أنفسهم عزلة اختيارية، طوال عهد الرئيس السادات، الذي أفرج عنهم في بداية حكمه وعاد واعتقلهم في نهايته، واختاروا الانسحاب من المشاركة في الحياة السياسية.
2 ـ في منطلقات جماعة الإخوان
تعدّ جماعة الإخوان المسلمين جماعة متكاملة منظمة، لها هياكل تضبط برنامجها وتسهر على تحقيق أهدافها، لعل أهمها توجيه حسن البنا أتباعه أن يختزل حلمها الذي يتجاوز إقامة دولة إسلامية قطرية؛ فقد خاطبهم قائلا: "عليكم أن تتذكروا أن أمامكم هدفين أساسيين اثنين، الأول هو تحرير الوطن الإسلامي من السيطرة الأجنبية، والثاني هو أنه قد تقوم دولة إسلامية حرة في هذا الوطن الحر، تعمل وفق تعاليم الإسلام وتطبق تشريعاته الاجتماعية، وتعلن مبادئه السلمية وتذيع رسالته السمحة على البشر".
ويردّ الأثر تطور جماعة الإخوان فكريا وعمليا إلى دور حسن البنا بتربيته وشخصيته وقدرته. وإليه يُرجع القول بالمفهوم الشامل للإسلام لكل أوجه الحياة الذي تتبناه مختلف حركات الإسلام السياسي اليوم. فمما يؤثر عنه لدى أتباعه قوله بأن الإسلام "عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف".
تعدّ جماعة الإخوان المسلمين جماعة متكاملة منظمة، لها هياكل تضبط برنامجها وتسهر على تحقيق أهدافها، لعل أهمها توجيه حسن البنا أتباعه أن يختزل حلمها الذي يتجاوز إقامة دولة إسلامية قطرية.
وللوصول إلى السلطة لتحقيق مشروعها المرتكز على تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة، اختارت الجماعة اعتماد العمل السياسي الذي يستهدف المجتمع أولا؛ ليكون حاضنة وطريقا تفضي إلى السلطة، فيذكر حسن البنّا في رسالة إلى الشباب أن الجماعة تسعى في سبيل الإصلاح الذي تنشده إلى تكوين الفرد المسلم، فالأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم، ثم الحكومة الإسلامية، فالدولة، فأستاذية العالم؛ وفقا للأسس الحضارية للإسلام.
ولهذا الاختيار أثره في أسلوب عمل الجماعة وفي ارتكازه على البعد التربوي والتبليغي، وأسلوب المشاركة السياسية واعتماد المال والإعلام لدعم نشاطات الحركة ورؤيتها الإصلاحية؛ بحثا عن القبول الشعبي والتغلغل في المجتمع.
3 ـ المشاركة السياسية للإخوان قبل ثورة 25 يناير:
غرس حسن البنا في جماعة "الإخوان المسلمون" الاعتقاد بأن التأسيس لبناء الدولة الإسلامية، يجب أن يأخذ بعدا سياسيا متنوّع الأشكال، شرط ألا يُنافي أصلا من أصول الشريعة، ومنها المشاركة في الحياة البرلمانية؛ فقد ترشح بنفسه عن دائرة الإسماعلية في انتخابات سنة 1942 ولكنه تنازل بعد ضغوط مورست على الجماعة. ثم في أواخر 1944 قاوم الإخوان الضغوطات ودخلوا الانتخابات التي أفضت إلى خسارتهم، وشهدت الحركة بعدئذ سلسلة من النكسات؛ فقد حُلت الجماعة وتعرضت قياداتها للاعتقالات والعنف والمحاكمات العسكرية في أواخر 1954.
ثم اتهمهم جمال عبد الناصر في 29 آب (أغسطس) 1965 بمحاولة قلب نظام الحكم، ولم يفرج عن المعتقلين سواء من الإخوان أو من الذين كانوا في التنظيم إلا في 1971 في عهد أنور السادات، في ظل ما أسماه "دولة المؤسسات"، وبعد اغتياله في تشرين الأول/أكتوبر 1981، اتبع خلفه حسني مبارك في بدايات حكمه سياسة المصالحة والمهادنة مع جميع القوى السياسية ومنهم الإخوان، فشاركوا في الحياة السياسية من جديد وسجلوا بعض النجاحات الانتخابية ودخلوا البرلمان. وفي عام 2007، عبرت الجماعة رسميا للمرة الأولى عن رغبتها تشكيل حزب سياسي معترف به؛ قصد التفريق بين المستويين السياسي والديني، ويرفع الحرج عن الجماعة.
وعامة، كانت جماعة الإخوان تعيش على هامش الحياة السياسية، ولكنها لم تستسلم؛ فقد ظلت تقتنص الفرصة التي جاءت مع ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، فباركت الثورة التي لم تكن البادئة بها، وأصدرت أول بياناتها في 19 كانون الثاني/ يناير بعنوان "الإخوان المسلمون والأحداث الجارية: انتفاضة تونس ومطالب الشعب المصري"، وكان آخرها شديدة اللهجة مدارها على أنّ ثورة 25 كانون الثاني / يناير هي ثورة شعبية لا يقودها فصيل سياسي بعينه، وأنّ شرعية النظام سقطت بالمسيرات والتظاهرات، وأن اللجنة القانونية التي ألفها الرئيس مبارك لاقتراح تعديلات دستورية غير شرعية؛ لأنها صادرة عن رئيس فاقد للشرعية بدوره. ثم بعثت الجماعة رسائل عديدة لطمأنة العسكر بأنها لا تريد السلطة.
4 ـ الإخوان من سدّة الحكم إلى الزنزانات من جديد.. من يتحمل المسؤولية؟
لم يجد أنصار الثورة مشتركا كبيرا بينهم، وأطلت زعامات كثيرة تريد أن تتسيد زمن ما بعد مبارك، فأسهم تشتت الأصوات على عديد المرشحين في تحوّل العسكر القديم إلى قوة موازية، وتسلل الفريق أحمد شفيق ـ آخر رئيس وزراء في عهد مبارك ـ لمنافسة الدكتور محمد مرسي ـ مرشّح حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة للإخوان المسلمين في الدور الثاني. ولم يفز محمد مرسي إلا بفارق في هذا الدور.
حاول مرسي إرساء حياة سياسية مستقرة، وفق تقدير الأثر، وجعل الدستور سبيله إلى ذلك؛ فجاءت ديباجته مؤكدة أن الشعب مصدر السلطات، وأن نظام الحكم في مصر يجب أن يكون ديمقراطيا، يكفل للمواطن الكرامة المساواة، وعملت أبوابه على ترسيخ سيادة القانون ومقومات الدولة والمجتمع، وضمان الحقوق والحريات، وتركيز الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية؛ منعا للاعتداء على السلطة القضائية أو للتلاعب بالقانون. وضمن حقوقا لم يعرفها المصريون في دساتيرهم السابقة.
يحاول الأثر أن يضفي مسحة من التفاؤل في ظل قتامة المشهد والأسئلة الحارقة حول كيفية تجاوز حركة الإخوان المسلمين هذه الأزمة، وتخطيها التحديات الراهنة وقد انسدّ الأفق أمامها، وحول مدى قدرتها على استعادة "زمن الإخوان" كما كان يقال في 2011.
وعمل الرئيس محمد مرسى، على مستوى السياسة الخارجية، على تأكيد الدور الإقليمي لمصر واستقطاب شركائها المحتملين الجدد، وعلى تعزيز الدعم الشعبي من خلال نشاط السياسة الخارجية. وكشفت رحلاته المبرمجة إلى إثيوبيا، والمملكة العربية السعودية والصين وإيران هذا التوجه الجديد. أما على المستوى الاقتصادي، فقد كانت المؤشرات الرسمية التي تعلنها الرقابة المالية والبنك المركزي تؤكد التحسن الكبير للأداء. ولكن لم يكتب لهذه التجربة أن تتم؛ فقد نسف الانقلاب على الشرعية في 3 تموز/ يوليو 2013 كل تلك الجهود، وعُزل الرئيس من منصبه ببيان عسكري، ثم تسارعت الأحداث التي أعادت الجماعة إلى الزنزانات من جديد.
لقد حاول الأثر تحليل أسباب فشل الحركة في إرساء استقرار سياسي يضمن لها ممارسة الحكم وتنفيذ برامجها، فانتهى إلى أنه فضلا عن الدور الكبير للدولة العميقة التي نازعت الإخوان السلطة، كشفت الحركة عجزا عن الانتقال من ردود فعل الحركة المعارضة إلى التعاطي مع الواقع وتعاطي الحزب الحاكم؛ فلم تتغير طريقة تفكير الجماعة ولا توازنات القوة داخل مؤسسات صنع القرار فيها، وظل التيار المحافظ مهيمنا عليها، ولم ينجح الرئيس محمد مرسي في اتخاذ مسافة من حزبه، وأصر على الاعتماد على "أهله وعشيرته"، وإقصاء المعارضة بكل فصائلها.
وظل حزب العدالة واجهة لحركة دعوية تنادي بتطبيق التعاليم الإسلامية، وظل مفهوم الدولة الدينية يطغى على الفكر السياسي وغُيب مفهوم الدولة المدنية، في ظل اعتقاد سائد عند خصومها الفكريين بأنّ الدولة الدينية تعني الارتباط الوثيق بين الدولة والدين، وأن ذلك يمثل عقبة أمام الديمقراطية.
أما على مستوى إدارة الشأن العام، فقد فشلت الجماعة في التعاطي مع مسألة السلطة والحكم لقصر في رؤيتها السياسية، ولعدم وجود برنامج واضح أو رؤية استراتيجية فعلية. ومشروع النهضة، الذي يُعرّف باعتباره جهد نحو ألف عالم وخبير ومتخصص من الإخوان وغير الإخوان في نقل الدول الرائدة في مختلف مجالات التنمية، لم يكن غير مجموعة أفكار تفتقد في كثير منها إلى آليات التنفيذ. كما أثبتت الجماعة عدم امتلاكها ما يكفي من الخبرات لإدارة الشأن العام، فكانت تؤجج الصراع بدل الحد من الاستقطاب السياسي الشديد، وتفشل في إدارة المناورات السياسية.
إلى ذلك، يرد الأثر فشل الجماعة وانتكاستها إلى سوء تقديرها للمواقف الداخلية والخارجية؛ فقد كانت تعتقد أن مظاهرات 30 حزيران/ يونيو، ستكون كما هو الحال لسابقاتها، محدودة وستنفض سريعا. وعرف التعاطي مع اعتصامي رابعة والنهضة لاحقا سلسلة من الأخطاء القاتلة بدورها؛ فقد راهنت الجماعة على الصمود والقدرة على كسر الداخلية والجيش، وكانت تجربة ثورة 25 كانون الثاني / يناير في البال. ولما فض اعتصاما رابعة والنهضة، لم يكن الإخوان يمتلكون البدائل؛ فقد أحرق الإخوان سفنهم ولم يعد بوسعهم ركوب البحر للنجاة من النار التي كانت تلهب طريقهم.
5 ـ نهاية حركة أم نهاية دورة؟
هل بلغت حركة الإخوان الذروة، ثم أخذت في الانحدار لدورة حياة عمرها قرن من الزمن؟
يشير الأثر إلى أنّ كل العلامات تؤكد عميق انتكاستها إثر فقدانها للحكم؛ فقد استطاعت السلطة أن تؤلب ضدها مختلف شركائها، فصنفت المملكة العربية السعودية جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، مما أدى إلى طردها من معظم الساحة الخليجية. وقرّرت بريطانيا التحقيق في علاقتها بالإرهاب. وهي تواجه خطر فقدان الملاذ الآمن لنشاطات قيادات الجماعة، وصدرت توصيات عن مؤتمر "الإعلام بين المهنية وتسييس الدين" في العاصمة الفرنسية، تدعو إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، ودعت الحكومة الفرنسية إلى التواصل مع المجموعة الأوروبية لتفعيل هذا القرار.
وعليه، يمكن القول؛ إن الجماعة باتت تعيش عزلة شعبية تامة في العالم العربي، ولم تتأثر بتجربتها هي فحسب، وإنما تأذت من أخطاء نظيراتها اللواتي وصلن إلى الحكم، وفقدت الملاذات الآمنة لقياداته في البلدان الأوروبية، وانتقلت فجأة من أحلام السلطة إلى المطاردة في الشتات بتهم الإرهاب والقتل.
يحاول الأثر أن يضفي مسحة من التفاؤل في ظل قتامة المشهد والأسئلة الحارقة حول كيفية تجاوز حركة الإخوان المسلمين هذه الأزمة، وتخطيها التحديات الراهنة وقد انسدّ الأفق أمامها، وحول مدى قدرتها على استعادة "زمن الإخوان" كما كان يقال في 2011؛ فيستنتج أن الجماعة التي تأسست منذ 1928 وضمت في صفوفها مئات الآلاف من الأعضاء وملايين الأنصار، لن تلغى بجرة قلم، رغم محاولات محوها من خارطة القوى السياسية المصرية، وأنها عائدة من جديد بلا شك.
اقرأ أيضا: في الإسلام السياسي وعوامل صعوده وصلته بالدولة العميقة
مصر في عهد جمال عبدالناصر.. شهادة للتاريخ (2من2)
الغزو الفرنسي وإشكالية نهضة مصر.. قراءة في كتاب
ارتسامات النهوض العربي.. محمد علي وعبد الناصر في الميزان