يعتبر الفلسطينيون ارتداء الثوب الفلسطيني الفلاحي، جزءا من تراثهم -الذي حاول الاحتلال سرقته وطمسه- ليحكي قصة تمسكهم بالهوية والأرض الفلسطينية.
والثوب الفلسطيني هو الثوب الذي كان يرتديه الفلسطينيون قبل النكبة عام 1948م، وواصلوا ارتداءه على مدار سنوات طويلة تزيد على عمر دولة الاحتلال.
ويحرص الفلسطينيون على ارتداء الثوب الفلاحي المطرز للنساء و"القمباز" للرجال والذي يحاول الاحتلال سرقته لتثبيت حقه في هذه الأرض.
وقد أصبح هذا الثوب الفلاحي جزءا من حياة عميدة أهالي الأسرى الفلسطينيين الحاجة "أم ضياء" الآغا، فهي تلبسه في كافة المناسبات كي يعرف الجميع أنها فلسطينية لا سيما خلال مشاركتها في مؤتمرات دولية في الأمم المتحدة.
وقالت "أم ضياء" لـ "عربي21": "أنا أفتخر بالتراث الفلسطيني وهذا الثوب الفلاحي هو جزء منه وهو من عاداتنا القديمة".
وأضافت: "هذا الثوب هو الزي الفلسطيني والتراثي الذي كانت تلبسه أمهاتنا وجداتنا، لذلك ورثناه عنهن وما زلت أرتديه".
وأشارت "أم ضياء" إلى أن لهذا الثوب بهجة كبيرة، وهي ترتديه في كافة المناسبات والأعياد.
وشدد وزير الثقافة الفلسطيني الدكتور عاطف أبو سيف، على أهمية الثوب الفلسطيني الفلاحي لمواجهة السرقة الإسرائيلية الممنهجة للتراث الفلسطيني.
وقال أبو سيف لـ "عربي21": "الزي الشعبي الفلسطيني يتكون في الأساس من الثوب الفلسطيني وهو الثوب المطرز للنساء والمعروف منذ العهد الكنعاني بألوانه الجملية، بجانب زي الرجال وهو ما يعرف بالقمباز والكوفية الفلسطينية".
وأضاف: "تمسك الفلسطيني بالثوب الفلسطيني هو تأكيد على وجوده على هذه الأرض وارتباطه بأحد أبرز معالم تشكيل الجغرافية الفلسطينية وهو الزي الفلسطيني".
وأوضح أن لكل منطقة جغرافية في فلسطين زيا معروفا يعرف أبناؤه وبناته من خلاله، مشيرًا إلى أن بعض الأثواب التي يحتفظ بها الشعب الفلسطيني تزيد على عمر دولة الاحتلال مرتين.
وقال أبو سيف: "استمرار ارتداء هذا الثوب حتى اليوم يؤكد أن الآباء يموتون والأبناء لا ينسون، ونحن متمسكون بتراثنا وتقاليدنا وعاداتنا التي هي جوهر رائحة هذه الأرض الفلسطينية".
وأشار إلى أن الفلسطينيين يحيون يوم الزي الفلسطيني في الأسبوع الأخير من شهر تموز/ يوليو من كل عام وفي قلبه يوم الـ25 من نفس الشهر والمتعارف عليه بأنه يوم الزي الفلسطيني، منوها إلى أنه جار اعتماد هذا اليوم يوما وطنيا من قبل السلطة الفلسطينية بشكل رسمي.
وأضاف: "هذا الزي مرتبط أكثر بالإنسان وبأرضه، وهذا الثوب الفلسطيني يعكس تنوع وغنى وثراء الأرض الفلسطينية".
وحذر وزير الثقافة الفلسطيني من أن دولة الاحتلال تحاول سرقة الثوب الفلسطيني كما سرقت التراث الفلسطيني والمطبخ الفلسطيني ونسبت بعض الأكلات الفلسطينية لها.
وكشف أبو سيف أن دولة فلسطين في طريقها لتسجيل "الغرزة الفلسطينية" التي يتكون منها الثوب الفلسطيني التراثي المطرز ضمن لائحة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونسكو".
وقال: "في ظل محاولة دولة الاحتلال سرقة التراث الفلسطيني ومن ضمنه الثوب الفلسطيني عكفت وزارة الثقافة الفلسطينية منذ فترة على حماية هذا التراث، من خلال خطوة عملية بتسجيل الغرزة الفلسطينية التي يتكون منها الثوب الفلسطيني المطرز ضمن لائحة التراث العالمي في منظمة اليونسكو".
وأضاف: "نحن في طور تسجيل الغرزة الفلسطينية في اليونسكو ضمن لائحة التراث العالمي وقد تم إنجاز هذا الملف لدى المنظمة الأممية بانتظار جلسة واحدة ليسجل بشكل رسمي كإنجاز للشعب الفلسطيني".
واعتبر وزير الثقافة الفلسطيني أن هذه الخطوة هي لتثبيت الحق الفلسطيني في هذه الأرض ودحضا لكل الروايات الإسرائيلية التي تحاول طمس هذه الحقائق بل وسرقة هذا التراث ونسبته للاحتلال، لتبقى هذه الغرزة بأشكالها وألوانها تنسج سيلا من قصص الوطن.
وقال: "لدينا ثوب فلسطيني مطرز لامرأة من مدينة المجدل المحتلة شمال قطاع غزة يبلغ عمره 180 سنة أي أكثر من عمر دولة الاحتلال مرتين".
وأضاف: "نحن نحتفظ بهذا الثوب الجميل ونضعه على مدخل وزارة الثقافة في رام الله ليكون شاهدا على حق الشعب الفلسطيني في أرضه وتراثه، إضافة إلى أنه موجود لدى كل سيدة فلسطينية ورثته عن جدتها أو أمها".
وحذر من الخطر الذي تتعرض له الغرزة الفلسطينية وفن التطريز الشعبي الفلسطيني، في ظل محاولة الاحتلال طمسه لإلغاء كل ما يمت لفلسطين بصلة.
وقال: "عمد الاحتلال إلى محاولة سرقة التراث الفلسطيني عن طريق تشويه الأزياء الشعبية الفلسطينية، بإدخال وحدات زخرفية لفن التطريز الفلسطيني، وإنشاء مشاغل للتطريز؛ بغرض طمس هذا التراث؛ والمشاركة في عروض أزياء عالمية، وادعاء أن هذه الأزياء من تراثه؛ بجانب شراء المطرزات القديمة والتخلص منها، وضمان عدم بقاء أي أثر لها، وتحريف الشكل العام للثوب، بتحويل أماكن الزخارف على أجزاء الثوب، وتغيير أسماء الوحدات الزخرفية وأشكالها؛ لذلك كانت هذه الخطوة لتسجيل الغرزة الفلسطينية على لائحة التراث العالمي".
والغرزة الفلسطينية هي التي ترسم من خلال الإبرة والخيط الخاص الثوب الفلسطيني المطرز، وتعرف "الغرزة" باللهجة الفلسطينية الشعبية باسم "قطبة"، وهي الأساس الذي يعطي في النهاية الشكل العام للوحدات الزخرفية المطرزة على الثوب الفلسطيني ولها أسماء وأنواع كثيرة قد تصل إلى 10، وهي متنوعة حيث إن لكل مدينة وقرية فلسطينية غرزة تعرف بها لها علاقة بتراثها وتاريخها وما تشتهر بهذه هذه المنطقة سواء بالزيتون أو البرتقال أو البلح أو غيرها من الأمور.
وحصلت دولة فلسطين في عام 2011م على العضوية الكاملة في منظمة "اليونسكو"، في حين يوجد في فلسطين 13 موقعا مُسجلا على قائمة التراث العالمي لتصبح "الغرزة الفلسطينية" الموقع الرابع عشر.
وأكد الدكتور حسين سعد، عضو هيئة التدريس في كلية الإعلام بجامعة القدس المفتوحة، أن الثوب الفلاحي يعبر عن الأرض والتاريخ والهوية.
وقال سعد لـ"عربي21": "الثوب الفلاحي يبرز في تفاصيله جمال تراثنا وحياتنا الفلسطينية، فهو يميز بلداتنا وقرانا الفلسطينية ويدلل على تجذرنا بالأرض ويعطي قيمة للحياة والتنوع الفلسطيني".
وأضاف: "الثوب الفلاحي هو جزء لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية، حافظت عليه الأجيال وتناقلها الأبناء عن الآباء بالشكل واللون، فهو يعبر عن الأرض والتاريخ والهوية".
واعتبر سعد هذا الثوب وثيقة تثبيت الوجود التاريخي للفلسطينيين على هذه الأرض منذ القدم وارتباطهم بالإرث الحضاري، ويبرز في تفاصيله جمال التراث والحياة الفلسطينية.
وقال: "تتميز بلداتنا وقرانا ومدننا الفلسطينية بأثواب خاصة بها يمكن تمييزها عن غيرها".
وأضاف: "يعد ثوب مدينة أريحا من أقدم الأثواب الفلسطينية حيث عرفه الكنعانيون منذ خمسة آلاف عام، ما يدلل على تجذرنا بالأرض والتاريخ.. كما أنه يعطي قيمة للحياة والتنوع الفلسطيني".
وأثار الثوب الفلسطيني شغف الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، ما دفعهم إلى جعله صاحب نصيب الأسد في لوحاتهم ومعارضهم، إضافة إلى أن هذا الثوب كان يزين كل معارض التراث الفلسطيني.
وأكدت الفنانة التشكيلية نهيل زيدية أنها تعشق رسم لوحات فيها الثوب الفلاحي، مشيرة إلى أنها تشعر خلال رسم أي لوحة فيها ثوب فلاحي بأنها "تؤدي مهمة وطنية".
وقالت زيدية لـ"عربي21": "هذا الثوب الفلاحي يشدني كثيرا في رسوماتي ولوحاتي والتي كان أخرها لوحة ضخمة لصبية فلسطينية ترتدي هذا الثوب تم عرضها في مدخل مطعم ريف المدينة في مدينة غزة، وقد رسمتها برفقة زميلتي عُلا عابد، ومُطيعه السمري".
واعتبرت أن هذا الثوب رمز مهم من رموز الهوية والثقافة الفلسطينية، وأحد أركان التراث الفلسطيني، مشيرة إلى أنه يربط بين الأصالة والتراث الفلسطيني والحداثة والجمال.
وأكدت شيرين أبو نحل، منسقة مركز حكاية وطن الشبابي أن الثوب الفلسطيني المطرز هو الرابط بين الأرض والهوية الفلسطينية.
وأوضحت أبو نحل في حديثها لـ"عربي21" أن الثوب الفلاحي يعود للعهد الكنعاني ويتميز بالتطريز الفلاحي ويغلب عليه اللون الأحمر.
واعتبرت الثوب الفلاحي إرثا حضاريا ترثه الأمهات عن الجدات في كل مدينة وقرية فلسطينية وهو من الأزياء الشعبية المعروفة.
وقالت: "ارتداء الثوب الفلاحي يحاكي الهوية والتراث، وهو شاهد على التاريخ الفلسطيني، وهو موضة لا تبلى أبدا، ويصلح لكل زمان ومكان سواء في العمل أو السوق أو المدرسة".
وأضافت: "نحن في مركز حكاية وطن نعمل على ترسيخ هذا الأمر ليصبح ثقافة بين الناس لا سيما الشباب".
وأكدت أبو نحل أن الثوب الفلاحي هو القوة الحقيقية لمواجهة السرقة الممنهجة من الاحتلال للتراث الفلسطيني.
ودعت المواطنين الفلسطينيين إلى ارتداء هذا الثوب باستمرار وتزيين المنازل والمتاجر به. وقالت: "الثوب الفلاحي كان الشاهد الأول الذي يرصد تمسك الفلسطيني بأرضه، لكل المناسبات سواء الوطنية أو الدينية أو الثقافية وحتى السياحية، والثوب الفلسطيني دائما حاضر".
ومن جهتها أكدت الإعلامية الفلسطينية لينا الخواجة أنها ورثت من جدتها ثوبها الفلاحي الذي كانت ترتديه في بلدة حمامة قضاء المجدل قبل الهجرة عام 1948م.
وقالت الخواجة لـ"عربي21": "إنني أعتز بثوب جدتي الذي ورثته منها وأحرص على ارتدائه في كافة المناسبات كنوع من التمسك بالأرض والهوية الفلسطينية".
وأضافت: "هذا الثوب له رونق جميل، وأنا سأحتفظ به بعد أن ورثته عن جدتي.. سأورثه لابنتي كي تظل تحمل هذه الأمانة إلى أن نحرر أرضنا، ونرجع إلى قرية حمامة الهجرة".
وشددت الخواجة على أن الثوب الفلسطيني ارتبط بتاريخ حاول الاحتلال إنكاره وطمسه على مدار السنوات الماضية، مستطردة بالقول: "لكن المرأة الفلسطينية ما زالت تلبس ثوبها في كل المناسبات كي تحفظ هويتها الفلسطينية في كل زمان ومكان وكذلك الرجل الفلسطيني".
وأضافت: "لكل مدينة وقرية فلسطينية ثوبها الخاص، فتستطيع أن تعرف مسقط رأس أي امرأة من نوع الغرزة وشكلها".
أكاديمي سوداني: هذه علاقتي بفلسطين وقصة لاءات الخرطوم
العرس البدوي موروث فلسطيني يزين بيت الشّعر بالدحية واليرغول
بذور الأدب الفلسطيني.. الشيخ سعيد بن علي الكرمي