تعتبر "المدرسة الكمالية" الأثرية التي تقع وسط مدينة غزة من المدارس الأولى في فلسطين، حيث إنها بُنيت في العهد الأيوبي، وبقيت تستخدم حتى نهاية العهد العثماني.
وقد أهل موقع هذه المدرسة وسط البلدة القديمة من مدينة غزة لكي تكون منطلقا لعمل ثقافي جديد بعد أن ظلت لسنوات طويلة دون اهتمام.
وقال الدكتور حمودة الدهدار، مدير البلدة القديمة في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية لـ"عربي21": "المدرسة الكمالية هي المدرسة الأثرية الوحيدة الموجودة في غزة وهي من المدارس الأثرية المهمة".
وأوضح أنه ولأهمية موقع المدرسة فقد وقعت الوزارة اتفاقية مع مجموعة "مبادرون" الشبابية "بيتكم عامر" بهدف توعية الأهالي في البلدة القديمة بأهمية المواقع والمباني الأثرية.
وأشار إلى أن "مبادرون" مجموعة شبابية تعمل لإعادة تأهيل المدرسة الكمالية وتحويلها إلى مكان للتوعية المجتمعية بهدف جلب الأهالي والعائلات وحثهم على الحفاظ على المناطق الأثرية في البلدة القديمة.
وأكد المسؤول الفلسطيني أن المواقع الأثرية عادة ما تكون بحاجة إلى صيانة عاجلة، مشيرا إلى أنه حسب الاتفاق بين وزارة السياحة والآثار و"مبادرون" سيتم عمل اللازم حول إعادة التأهيل وليس الترميم الكامل.
واعتبر أن الموقع المركزي للمدرسة وسط البلدة القديمة يؤهلها لتكون واحدة من المشاريع لإعادة ترميمها وتأهيلها لتكون مركزا ثقافيا أو مشروعا يخدم البلدة القديمة.
ومن جهته أكد الدكتور أحمد الأسطل مدير مركز إيوان للتراث الثقافي التابع للجامعة الإسلامية بغزة لـ "عربي21"، أن المدرسة الكمالية أنشئت في العهد الأيوبي عام 1237م، مشيرا إلى أنها سميت بهذا الاسم المدرسة الكمالية أو (الكاملية) نسبة إلى مؤسسها الملك الكامل بن الملك العادل حاكم الدولة الأيوبية.
وتقع المدرسة الكمالية في مدينة غزة، وتحديداً في حي الزيتون بالبلدة القديمة، بالقرب من شارع عمر المختار الذي يحدها من الشمال، ومن الجنوب يحدها شارع الكمالية، ومن الشرق والغرب تحيط بها محال تجارية.
وشدد الأسطل على أن المدرسة الكمالية أُقيمت لتكون حلقة وصل بين طلاب العلم والتجار والفقراء والضيوف وكل ما هو متبادل بين بلاد الشام ومصر، فكانت بمنزلة صرح كبير للفقراء في تلك المدة، وتحولت بعد ذلك إلى مدرسة للبنات عام 1930م في عهد رئيس بلدية غزة فهمي بيك الحسيني، وبقيت هذه المدرسة شامخة إلى يومنا هذا.
وأوضح أن المدرسة تتكون من طابقين، وهي ملاصقة للبيوت السكنية من أربع جهات، والواجهة الرئيسة للمدرسة منتظمة الشكل مبنية من الحجر الرملي الذي يعطي ميزة الدفء شتاءً والبرودة صيفًا ، والباب الرئيسي فيها يعلوه قوس مدبب من الحجر الرخامي منقوش عليه بعض الزخارف، أما الواجهات الأخرى للمدرسة فلا يمكن رؤيتها من الخارج، وذلك لأنها متصلة بالبيوت المجاورة لها.
وأكد أن المدرسة تتشكل من مجموعة من الغرف و"الأواوين" في طابقين يطلان على فناء واسع حيث كان الفناء جزءا مهما في العمارة الإسلامية، مشيرا إلى أن هذا الفناء كان يستخدم كبيئة داخلية ومعالج بيئي في أوقات الصيف الحارة، وتفتح بعض الغرف على الفناء مباشرة، في حين تفتح معظمها على فراغ موزع شبيه بالإيوان.
وقال: "صممت فراغات المدرسة لتكون موجهة إلى الداخل تجاه الفناء إلى البيئة الداخلية، وتُفتح الغرف على الفناء بفتحات مختلفة الشكل، منها الشكل المستطيل لشبابيك الغرف، والقوس المدبب الكبير للإيوان، وأقواس مدببة محمولة على أعمدة من الحجر في الطابق العلوي تفصل بين الممر المؤدي إلى الغرف والفناء. كما أن أسقف المدرسة مبنية بعقود متقاطعة".
بالنسبة للحالة الإنشائية، أكد الأسطل أنها جيدة نسبياً وغير سيئة ويمكن ترميمها والاستفادة منها كمبنى ثقافي يخدم المجتمع. هذا بالإضافة إلى مادة الإنشاء التي تختلف من مكان إلى آخر بشكل يوحي بالعلوم الهندسية وبالرقي في عملية البناء والتشييد، حيث استخدم الحجر الرخامي فوق الأبواب، ما يدل على أنه كانت هناك دقة في تصنيع الحجر من حيث التناغم والتشابه إلى حد كبير بين أحجام الأحجار المستخدمة، أما جدرانها فهي من الحجر الرملي تعلوها أكتاف حاملة متقاطعة، وهي نظام التغطية الإنشائية الأساسية المتبعة في تلك الفترة، وفيها فتحات من الشبابيك والأبواب ذات السمك المختلف تبعاً لطبيعة الاستخدام.
وشدد على أن قطاع غزة يمتلك العديد من المباني التاريخية التي يرجع بناء البعض منها إلى العصر المملوكي والبعض الآخر إلى الحكم العثماني، وتتواجد أغلبيتها في الأحياء التاريخية القديمة بمدينة غزة، مؤكدا أن هذه المباني تعزز الهوية الثقافية الفلسطينية.
وحذر من أن هذه المباني مهددة بالانهيار أو الهدم بالإضافة إلى تدني الوعي الثقافي عند المجتمع الفلسطيني، معتبرا الحفاظ عليها وإعادة ترميمها واجبا وطنياً.
وأكد الأسطل أنه في أواخر عام 2020م بدأت الحياة تعود للمكان المهجور بعد أن توحدت الجهود وسخرت الطاقات لعودة الروح إلى المكان من خلال مشروع المبادرة الشبابية "بيتك عامر" بمشاركة مجموعة من الفنانين والمتطوعين الشباب في البلدة القديمة، بالتنسيق والتعاون مع وزارة السياحة والآثار وبلدية غزة ومركز إيوان للتراث الثقافي بالجامعة الإسلامية.
وبدأت الحملة التطوعية من بداية شهر كانون أول/ ديسمبر الماضي بتهيئة "المدرسة الكمالية" لاستخدامها في أنشطة فنية وثقافية لفترة تستمر لــ 10 شهور، لتسلط الضوء على أهمية الحفاظ على الأماكن التاريخية وتعزيز المسؤولية الفردية عند الأفراد تجاه هذه الأماكن، لحمايتها والحفاظ عليها من الاندثار أو النسيان.
وأكدت أميرة حمدان الكاتبة والمهتمة بالفنون المعاصرة ومنسقة مبادرة "بيتكم عامر" أن المبادرة هي مبادرة مجتمعية انطلقت من محيط البلدة القديمة في مدينة غزة لتسلط الضوء على قضية الأماكن التاريخية المهملة مثل المدرسة الكمالية.
وأوضحت حمدان لـ"عربي21" أن هذه المدرسة ظل يرتادها عدد كبير من أبناء المنطقة حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي إلى أن تغيرت وأصبحت على حالها الذي بات أشبه بمكب نفايات.
واعتبرت أن موقع المدرسة الكمالية على شارع عمر المختار الرئيسي جعلها ذات أهمية عن غيرها من المواقع التاريخية حيث إن المنطقة بأكملها تطغى عليها الصفة التجارية ولا يكاد يخلو أي متر مربع من تلك المحلات التي لا يقارن عمرها بعمر المدرسة الكمالية.
وقالت: "من هنا جاءت فكرة استغلال المدرسة في نشاط مجتمعي يوجه الجهود نحو التكاتف والتماسك والعمل بروح الجماعة وتعزيز المسؤولية الفردية تجاه هذه الأماكن، وإثراء الحالة الثقافية بمزيد من الأنشطة التي تعبر عن حاجات الناس وأولوياتهم، وذلك بتوظيف الفن كأداة تعبير وتغيير مجتمعي".
وأضافت: "المكان هو بيت أثري قديم ومهمل فكرنا في إعادة الروح له من خلال توظيفه كحاضنة للنشاط والحوار المجتمع الذي يهدف إلى تحفيز الناس على طرح قضاياهم ومشاكلهم وأولوياتهم من خلال الفن والأنشطة الثقافية المختلفة".
وأشارت إلى أن بداية هذه المبادرة كانت من خلال حملة تطوعية لتنظيف المكان ومن ثم تهيئته لاستقبال الجمهور.
وأوضحت أن المبادرة وهي بدعم من مؤسسة عبد المحسن القطان والوكالة السويسرية بالشراكة مع كل من مركز إيوان لعمارة التراث وبلدية غزة ووزارة السياحة والآثار، تقدم بها فنانون وناشطون شباب وهم مسؤولون عن قيادة وتنظيم الأنشطة طوال فترة تنفيذ المبادرة، حيث تتنوع اهتماماتهم ومهاراتهم ما بين الأدب والفن التشكيلي والمسرح.
واعتبر المشرف العام لمبادرة "بيتكم عامر"، عبد الله الرُزي، أن المبادرة مجتمعية للحفاظ على الموروث التراثي في البلدة القديمة بغزة.
وقال الرُزي لـ"عربي21": "أخذنا المدرسة الكمالية التي تبلغ مساحتها 800 متر مربع، لتكون حاضنة للأنشطة الثقافية والشبابية التي تستهدف المجتمع الفلسطيني".
وأضاف: "المدرسة سوف نستضيف فيها مجموعة من الفئات المجتمعية كطلاب وأهالي البلدة القديمة وشخصيات من المجتمع المحلي ومسؤولين وأصحاب قرار".
وأوضح الرُزي أن المبادرة تهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي للحفاظ على المناطق الأثرية بشكل عام والبلدة القديمة بشكل خاص، ويمكن أن تطرح قضايا لها علاقة بالمجتمع في داخل المكان نفسه.
البذور المؤسسة لنهضة الشعر الفلسطيني.. إرث علي الريماوي
أسماء مؤسسة للهوية وللتاريخ الثقافي الفلسطيني
بذور الأدب الفلسطيني.. الشيخ سعيد بن علي الكرمي