كانت محل استقرار الإنسان الأول؛ فقد ساعدت الأنهار المتدفقة للبحيرة، والسهول المحيطة بها وتربتها الخصبة، والمناخ المعتدل، ووفرة المياه على أن تكون مصدرا للرزق لشعوب عدة على مر العصور والحضارات والرسالات السماوية.
فهي بحيرة مياه عذبة تقع بين منطقة الجليل في فلسطين التاريخية وهضبة الجولان في سوريا، على الجزء الشمالي من مسار نهر الأردن.
يبلغ طول سواحلها 53 كم وطولها 21 كم وعرضها 13 كم، وتبلغ مساحتها 166 كم2. أقصى عمق فيها يصل إلى 46 مترا. وتنحدر من قمة جبل الشيخ الثلجية البيضاء، وتشكل المياه الغزيرة مجموعة من الينابيع التي تتجمع بدورها لتكون نهر الأردن.
اسم البحيرة بالعربية يشير إلى مدينة طبريا، ويرد هذا الاسم بالعبرية أو بالآرامية. وسميت مدينة طبريا، عند تأسيسها عام 20 ميلادية على الساحل الجنوبي الغربي من البحيرة، نسبة إلى الإمبراطور الروماني طيباريوس قيصر (الأول). وفي النسخ اليوناني واللاتيني للعهد الجديد تذكر البحيرة باسم "بحيرة الجليل".
شكلها لا يخفى على أحد فهي تشبه الإجَّاصة (الكمثرى) وتمتاز بتنوع سمكها ومن أشهرها أسماك المشط والقشرى والكرسين والسلطان إبراهيم.
وفي الشتاء والربيع تصبح منطقتها من أجمل مشتي في العالم بسبب زرقة المياه الصافية المكشوفة للشمس والنسيم الدافئ اللطيف الذي يهب من البحيرة، ولذلك اتخذها كثير من الخلفاء الأمويين وقوادهم مشتى لهم، كالوليد بن عبد الملك الذي بنى قصر خان المنية في الجنوب الغربي من البحيرة.
تطل البحيرة من الشرق على جبال الجولان السورية ومن الغرب على جبال الناصرة. وفي سفحها الشرقي المطل على مدينة طبريا نبع حار غزير أقيمت عليه حمامات طبريا المعدنية التي لها شهرة عالمية في المداواة من الأمراض الجلدية وغيرها. وعلى التلال الجنوبية ينمو التين والزيتون والنخيل والرمان.
تحتل بحيرة طبريا خصوصية لدى الديانة المسيحية؛ فالروايات وِفق الإنجيل تقول بأن نبي الله عيسى بن مريم مشى على الماء، وهدأ رياح العاصفة؛ لينقذ تلاميذه في ذلك اليوم العاصف، كما أن سيدنا عيسى عليه السلام كان يلقي خطبه الشهيرة على جبالها، وفيها جند أول أربعة تلاميذ ولهذه الأسباب وأسباب سياحية أُخرى يزور حوالي مليون سائح من مختلف دول العالم البحيرة.
وبشكل عام تعتمد المنطقة على السياحة الدينية المسيحية، والحجاج الذين يتوافدون إليها من مناطق كثيرة حول العالم. ومع انتشار وباء كوفيد-19 توقفت هذه السياحة بشكل تام.
والبحيرة تعد ملتقى تجمع مياه نهر الحاصباني ونهر اليرموك بحيث يتقاسم الثروة المائية الأردن وسوريا والاحتلال. وتعد تلك الأنهار مجرى للمياه يمكن التحكم فيها عبر كبح التسرب للمياه فيها بحيث يستولي الاحتلال على أكبر كمية من المياه العذبة التي تعد أحسن جودة من مياه البحر التي يقع تحليتها مما يحرم دول المنطقة في فلسطين وسوريا والأردن من المياه.
ونتيجة لسياسات الاحتلال فقد شهدت طبريا في السنوات الأخيرة فترة جفاف طويلة أضرت مباشرة بمنسوب مياه البحيرة بحيث كادت أن تجف بالكامل خاصة مع بروز جزيرة صغيرة في وسطها وانخفاض نسبة مياهها إلى أدنى مستوى لها لم تشهده طيلة قرن كامل.
وتقول الروايات إن جفاف بحيرة طبريا وانقطاع تمر نخل بيسان ونضوب عين زغر، من العلامات التي تسبق ظهور الدجال ودليل ذلك خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم، التي روتها فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، بمناسبة رحلة الصحابي تميم الداري رضي الله عنه، مع نفر من أصحابه.
ووفقا للحديث يعد جفاف البحيرة من علامات ظهور المسيخ الدجال، وهي أولى العلامات الكبرى التي تسبق قيام الساعة، وتحدث الرسول عليه الصلاة والسلام عن المسيخ الدجال، الذي يخرج من طريق بين الشام والعراق، ويمكث 40 يوما، ويعيث فسادا في الأرض أينما ذهب.
بحسب الحديث المروي عن الرسول الكريم في حديث "الجسَّاسَة" المشهور في "صحيح مسلم" وهو حديث يثير جدلا بين العديد من علماء الحديث والسيرة النبوية. ومن بينها أنهم يقولون إنه لم يصلنا خبر الدجال في القرآن الكريم أو بحديث متواتر، وإنما وصل بأحاديث آحاد "رواه عدد قليل لم يصل للتواتر".
المصادر
ـ أحمد البديري، "بحيرة طبرية ونهر الأردن في خطر"، 2009.
ـ عز الدين سطاس، إشكالية الحدود السورية الإسرائيلية وقضم أراضي الجولان، 2016.
ـ ؤاد الصباغ، بحيرة طبريا بين الصراع على مياهها ونقصان منسوبها، صحيفة القدس العربي، 2020.
ـ تقرير يورونيوز، بحرية طبريا في الجليل "متخمة" كما لم تكن منذ 20 عاما ولكن السياحة متوقفة، 2020.
شاعر سوداني: فلسطين همّ شخصي وأواصر دم وثقافة وعقيدة
"الكمالية".. أول مدرسة في فلسطين تعود لها الحياة
وليد سيف.. من "التغريبة الفلسطينية" إلى "ثلاثية الأندلس"