يعتبر البروفيسور مصطفى كبها من أهم المؤرخين الفلسطينيين؛ خاصة وأنه ركّز في بحوث كثيرة على أهمية تنشيط وحماية الذاكرة الشفوية الفلسطينية حول فلسطين والنكبة وتداعياتها المختلفة؛ بغرض كشف زيف الدعاية الصهيونية والإسرائيلية.
وكان لي شرف مشاركة المؤرخ كبها في ندوة في العاصمة الأردنية عمان في أواسط أيار / مايو عام 2005 حول تجارب شخصية ومؤسسية لتسجيل التاريخ الشفوي الفلسطيني؛ وقد ساهم فيها ثلة من الباحثين والكتاب الفلسطينيين من الداخل الفلسطيني والمهاجر البعيدة والقريبة، وعلى رأسهم الدكتور سلمان أبوستة ووديع عواودة والكاتب الروائي الراحل سلمان الناطور. وقد أوصت الندوة بتشكيل شبكة للتأريخ الشفوي الفلسطيني يرأسها الدكتور أبوستة، ولها امتدادات في كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني؛ وقد نشطت لمدة عامين ثم تراجع فعلها ونشاطها حتى تلاشت لأسباب أجهلها.
سيرة أكاديمي وباحث
البروفيسور مصطفى داوود كبها (ولد 28 تشرين ثاني / نوفمبر 1962) في قرية أم القطف في المثلث الشمالي، هو مؤرخ ورئيس قسم في الجامعة المفتوحة؛ كما شغل رئيس قسم التّاريخ والفلسفة في الجامعة المفتوحة، وعمل في مدى الكرمل مديرا لبرنامج التاريخ حتى 2012. حصل على شهادة بكالوريوس تاريخ عام واللغة العربية، ومن ثم الماجستير في تاريخ الشرق الأوسط، وكان موضوع بحثه حول حرب الاستنزاف خلال الفترة بين الأعوام (1967 ـ 1970)؛ وقد اعتمد في ذلك على حوارات مع شخصيات مصرية رفيعة وضباط من الجيش المصري؛ أمثال محمد فوزي والصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل الذي كانت له مكانة هامة لدى الجمهور المصري والعربي.
أما شهادة الدكتوراه فكانت عن بحثه في موضوع الصحافة الفلسطينية ودورها في بلورة الرأي العام ما بين الأعوام 1929 ـ 1939؛ وأشار خلاله إلى أول صحيفة فلسطينية في عام 1876؛ هذا فضلاً عن (60) صحيفة فلسطينية ظهرت زمن الاحتلال البريطاني لفلسطين؛ أي خلال الفترة (1902 ـ 1948). وقد حاضر في الجامعات والكليات في موضوع تاريخ الشرق الأوسط ؛ وقد نال درجة بروفيسور خلال عام 2011.
ومن أهم ما حرره وأصدره الباحث كبها:
1 ـ الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل في ظل الحكم العسكري وإرثه / تحرير: مصطفى كبها، 2014. ويتألف الكتاب البحث من ستة مقالات، شارك فيها الدكتور يئير بويمل، المحاضر في جامعة حيفا والكلّيّة الأكاديميّة للتّربية "أورانيم". أمّا المقال الثّاني فيتناول "التّنظيم السّياسيّ للفلسطينيّين في إسرائيل فترة الحكم العسكريّ"، وقد كتبه كلّ من البروفيسور أسعد غانم والدكتور مهنّد مصطفى، وكلاهما محاضر في جامعة حيفا. أما المقال الثّالث فكتبه البروفيسور راسم خمايسي، المحاضر في جامعة حيفا، ويعالج فيه "دور الحكم العسكريّ في تخطيط الحيّز وتقييد عمليّة التّمدين لدى العرب الفلسطينيّين في إسرائيل".
أمّا المقال الرّابع فهو للبروفيسور محمود غنايم، المحاضر في جامعة تل أبيب ورئيس مجمع اللّغة العربيّة بالنّاصرة، وجاء بعنوان "بين الشّهادة التّاريخيّة وأسطورة الواقع: القصّة القصيرة الفلسطينيّة في ظلّ الحكم العسكريّ في إسرائيل".
المقال الخامس كتبه البروفيسور مصطفى كبها، وقد عالج فيه موضوعة “الصّحافة العربيّة في ظلّ الحكم العسكريّ (1948 ـ 1966)". وعالج البروفيسور إسماعيل أبو سعد، المحاضر في جامعة بن غوريون ببئر السّبع، في المقال السّادس، موضوعة "السياسة التعليمية والمنهاج الدراسي في إسرائيل".
إن عملية تسجيل التأريخ الشفوي لكبار السن من اللاجئين الفلسطينيين باتت قضية وطنية عليا وملحة لمواجهة الرواية الصهيونية المزيفة حول فلسطين والنكبة الكبرى؛ لأن الذاكرة تتراجع وتضمحل مع تقدم العمر، ناهيك عن احتمالات الوفاة الكبيرة بين الشاهدين عن النكبة من الشعب الفلسطيني بشكل عام واللاجئين الفلسطينيين بشكل خاص
ويعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب لأنه أوّل كتاب علمي يصدر بالعربيّة حول الحكم العسكريّ في الأراضي المحتلّة عام 1948، والّذي امتدّ منذ قيام دولة إسرائيل وحتّى إلغائه أو سقوطه عام 1966. وقد توضح خلاله بأنّ سياسة مؤسّسات دولة إسرائيل المتشدّدة مع مواطنيها العرب في ظلّ الحكم العسكريّ، تعبّر عنها أفضل تعبير مقولة لدافيد بن غوريون، رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق والمؤسّس، مفادها أنّه "يجب الحكم على العرب ليس من منطلق ما يفعلون، ولكن يجب التّعامل مع ما يفكرون بفعله".
وبيّن أيضاً أنّ بن غوريون كان يسعى إلى تغيير المعادلة النّاتجة عن النّكبة وإقامة دولة إسرائيل، وهي معادلة الدّولة اليهوديّة مع أقليّة عربيّة، إلى معادلة تمكّن الدّولة اليهوديّة من التّخلّص ممّن تبقّوا من عرب أصلانيّين في وطنهم؛ وقد اشترك مع بن غوريون في ذلك أصحاب المناصب العليا في سلطة الحكم العسكريّ، إذ يظهر من أدبيّاتهم ووثائقهم أنّهم اعتبروا وجود الأقليّة العربيّة في الدّولة اليهوديّة وجودًا مؤقّتًا، وقد فرضوا الحكم العسكريّ على العرب لإدارة هذا الوجود المؤقّت طالما أنّ التّرحيل بالقوّة لم يكن ممكنًا في حينه كما حصل خلال نكبة عام 1948.
واللافت أن النهج الإسرائيلي لتهميش الأقلية العربية مستمر وبصورة متسارعة؛ خاصة خلال فترات حكم نتنياهو؛ وقد توضح ذلك في إصدار حزمة من القوانين الإسرائيلية العنصرية إزاء الأقلية العربية والعرب المقدسيين؛ ومن أخطرها قانون القومية.
2 ـ علم النفس التربوي ـ كراسة مقالات / إعداد: أفنر زيف، دفورا بن شير، ياعيل غيرنشطاين; المسؤول الأكاديمي: مصطفى كبها عام 2012.
3 ـ نحو صياغة رواية تاريخية للنكبة: إشكاليات وتحديات عام 2006.
4 ـ هوية وانتماء: مشروع المصطلحات الأساسية للطلاب العرب / تحرير بالاشتراك مع محمد أمارة، عام 2005.
5 ـ ثورة 1936 ـ 1939 في فلسطين دوافعها وانعكاساتها. الناصرة 1988.
6 ـ حرب الاستنزاف، 1967 ـ 1970. (بالعبرية) جامعة تل أبيب، 1995.
7 ـ لاجئون في وطنهم، لاجئو المناطق المحتلة عام 48. (بالعبرية وبالاشتراك مع رونيت برزيلاي) جبعات حبيبة، 1996.
والمتابع لأعمال الباحث البروفيسور مصطفى كبها يلحظ بشكل جلي اهتمامه بالتاريخ الشفوي الفلسطيني؛ ومن كتبه وبحوثه حول ذلك كتب: عبد الرحيم الحاج محمد، القائد العام لثورة 1936 ـ 1939. سلسلة التاريخ الشفوي الفلسطيني (بالاشتراك مع د. نمر سرحان) رام الله، 2000؛ وبشير الإبراهيمي، القاضي والثائر في ثورة 1936 ـ 1939، ناهيك عن سلسلة التاريخ الشفوي الفلسطيني (بالاشتراك مع د. نمر سرحان) رام الله، 2001؛ وبلاد الروحة في فترة الانتداب البريطاني. سلسلة التاريخ الشفوي الفلسطيني 3 (بالاشتراك مع د. نمر سرحان) رام الله، 2004؛ ذاكرة المكان: التاريخ المصور لوادي عارة (1903 ـ 2008)؛ أم الفحم، 2008. (بالاشتراك مع جاي راز).
إضافة إلى أعماله البحثية المذكورة؛ يعكف البروفيسور كبها حالياً؛ كما أخبرني عصر يوم الخميس 22/1/2021، على إنجاز بحث تاريخي وجغرافي طويل حول مدينة حيفا وقضائها، وسيستحضر الزمان والمسميات الأصلية الدالة على عروبة المكان وأصحابه ومن بينها قريتي (بلد الشيخ) الوادعة على سفوح جبل الكرمل الذي يحضن مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني من الشرق؛ نافياً بذلك المزاعم والأساطير الصهيونية للانقضاض على فلسطين عبر تغيير أسماء المعالم والرموز العربية.
مؤسسة جامعة
بعد الإطلالة على أهم كتب وبحوث البروفيسور مصطفى كبها، وخاصة تلك المتعلقة بالتأريخ الشفوي الفلسطيني، تحتم الضرورة إنشاء مؤسسة جامعة للتاريخ الفلسطيني المكتوب وكذلك التأريخ الشفوي من خلال جمع كل ما كتب عن تاريخ فلسطين الأرض والشعب؛ فضلاً عن تأصيل البحوث والشهادات الشفوية الفلسطينية التي قام بها كتاب وباحثون أو جامعات فلسطينية. وثمة عشرات الكتب صدرت لكتاب وباحثين وناشطين بعد اتفاقات أوسلو حول القرى والمدن الفلسطينية؛ ومنها على سبيل المثال الكتب التي صدرت عن دار الشجرة للنشر في مخيم اليرموك لصاحبها الشهيد غسان الشهابي؛ وأذكر منها كتاب عن طيرة حيفا للباحث أحمد الباش المقيم حاليا في السويد، وكتاب قرية لوبية قضاء طبرية للدكتور الراحل إبراهيم يحيى الشهابي، وكتاب الشجرة قضاء طبرية للباحث فادي سلايمة، دلاتة قضاء صفد للباحث نهاد حميد، قرية فرعم قضاء صفد للكاتب عبد الكريم عريشة.
وثمة كتب عن مدن وقرى فلسطينية صدرت عن دور نشر سورية وطباعة خاصة خلال الفترة (1995 ـ 2005)، ومنها كتاب عن مدينة صفد للمحامي ظافر الخضراء؛ قرية إجزم قضاء حيفا للأستاذ مروان الماضي، قرية ترشيحا قضاء عكا للباحث الدكتور محمد ناصر، قرية حطين قضاء طبريا ودير ياسين قضاء القدس للباحث فادي سلايمة، القباعة في قضاء صفد الباحث إبراهيم العلي، قرية تلحوم قضاء طبريا وأهم عشائرها السمكية، وعرب الشمالنة للمهندس ياسر شملوني، غوير أبوشوشة قضاء طبريا للباحث ماهر شاويش المقيم حاليا في هولندا.
ويبقى القول إن عملية تسجيل التأريخ الشفوي لكبار السن من اللاجئين الفلسطينيين باتت قضية وطنية عليا وملحة لمواجهة الرواية الصهيونية المزيفة حول فلسطين والنكبة الكبرى؛ لأن الذاكرة تتراجع وتضمحل مع تقدم العمر، ناهيك عن احتمالات الوفاة الكبيرة بين الشاهدين عن النكبة من الشعب الفلسطيني بشكل عام واللاجئين الفلسطينيين بشكل خاص؛ حيث لا تتعدى نسبتهم (2) في المائة. فهل من مجيب؛ فالوقت من دم بالنسبة للشعب الفلسطيني والتاريخ لا يرحم.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
محطات في حياة الشاعر محمود عبد الحليم العنبتاوي
سياسي مصري لـ "عربي21": هكذا تشكلت فلسطين في أذهاننا
"الكمالية".. أول مدرسة في فلسطين تعود لها الحياة