أشارت عدة تقارير في الآونة الأخيرة إلى تأجج الصراع بين الهند والصين على النفوذ في أفغانستان، ذات الموقع الاستراتيجي الأكثر أهمية في أواسط آسيا.
وكانت الهند من أكثر الدول دعما للحكومة في كابول، منذ قيامها على حطام "طالبان"، عام 2001، وقد أثار ذلك، مبكرا، قلق باكستان، التي اتهمت جارتها الشرقية، مرارا، بالعمل على تدريب مسلحين ضدها، في أفغانستان، وهو ما تنفيه نيودلهي.
ومع تطور نفوذ الصين بالمنطقة، في ضوء استراتيجية "الحزام والطريق"، وخاصة مشروع الممر التجاري العابر للأراضي الباكستانية، بدأت بكين بمزاحمة نيودلهي في كابول، وتمكنت من انتزاع عدة صفقات بالفعل، لكن شبهة تورطها بأعمال تجسسية، مؤخرا، أظهرت احتفاظ الهند باليد العليا في أفغانستان.
صراع "جاسوسي"
اتهمت عدة تقارير، اطلعت عليها "عربي21"، الصين بمحاولة اختراق أفغانستان من خلال أساليب تجسسية، وعبر علاقات خاصة مع أطراف محددة ذات قوة وتأثير على الأرض.
والأربعاء، نشرت مجلة "ذا ديبلومات"، المتخصصة بالشؤون الآسيوية، تقريرا سلطت فيه الضوء على مزاعم محاولات بكين التواصل مع شبكة "حقاني"، وهي من أكثر أجنحة حركة طالبان قوة على الأرض.
ولفت التقرير إلى أن عددا من أساتذة اللغة الصينية وطلابهم، في أفغانستان، تعرضوا للاعتقال مؤخرا، في إطار حملة على خلفية اتهامات أمريكية لبكين وموسكو بإطلاق برامج دفع أموال لمقاتلين أفغان مقابل استهداف التواجد الغربي في بلادهم، وخاصة جنود الولايات المتحدة.
ولعبت الاستخبارات الهندية الدور الأكبر في تلك الحملة، فيما لم يعر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، اهتماما كبيرا بذلك الملف، ما دفع وسائل إعلام لاتهامه بالخيانة والتواطؤ.
وبحسب تقرير "ذا ديبلومات" فإن وكالة المخابرات الأفغانية، التي تلقت معلومات من نظيرتها الهندية حول المواطنين الصينيين، قامت باعتقالهم وسط شكوك بأنهم أقاموا علاقات مع شبكة حقاني من أجل تعقب "متطرفين إيغور".
وسواء استهدفت بكين الوجود الأمريكي، أو المقاتلين التركستانيين، فإنها تبدو معنية بنفوذ في أفغانستان يحميها من "أخطار محتملة"، بحسبها.
ولفت التقرير إلى أن تفاهمات السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان لم تأت على ذكر شبكة "حقاني"، التي تصنفها واشنطن منظمة إرهابية، والتي يعتقد بأنها تمثل مساحة رخوة وعنيفة تتيح لأطراف خارجية استخدامها في تصفية حسابات وتنفيذ مهام محددة.
وبحسب تقرير سابق لـ"فورين بوليسي"، فقد قادت إخبارية هندية للمخابرات الأفغانية إلى اعتقال مواطنين صينيين في كابول، نهاية العام الماضي، في عملية شملت ضبط كميات من الأسلحة والمخدرات، واتهامات لباكستان بالتورط.
ووفق التقرير، فإن ما حدث، وإن لم ينته بإدانة رعايا بكين، فإنه يظهر قوة نفوذ الاستخبارات الهندية في البلد المضطرب، من جهة، وخشية نيودلهي من منافسة صينية، من جهة ثانية.
وتنقل "ذا ديبلومات" عن عمر صمد، السفير الأفغاني السابق لدى فرنسا وكندا، قوله: "مع استثناءات قليلة، كانت أفغانستان تاريخياً نقطة ساخنة جيوسياسية للتنافس والتوتر بين القوى العالمية والإقليمية".
وأضاف: "اتخذت هذه الخصومات أشكالا جديدة في الآونة الأخيرة، مما أدى إلى اشتداد الصراع الأفغاني وزيادة تعقيد البحث عن نتيجة سلمية".
اقرأ أيضا: معارك صامتة بين روسيا والصين رغم "التحالف الاستراتيجي"
تعاون باكستاني صيني
وبالتزامن مع تلك الأحداث، حذر تقرير خاص للكونغرس الأمريكي من التقارب بين الصين وباكستان بشأن أفغانستان.
وبحسب التقرير، الذي نقلته صحيفة "داون" الباكستانية، فإن "التقارب المتزايد للعلاقة بين الصين وباكستان يعني، في معظم الأحيان، أن سياسة بكين تجاه أفغانستان قد التزمت بشكل وثيق مع سياسة إسلام أباد، مع تولي الأخيرة زمام المبادرة".
ورغم اعتراف التقرير بالدور الرئيسي لباكستان في عملية السلام الأفغانية، وحثه إدارة جو بايدن على العمل مع إسلام أباد في هذا الإطار، إلا أنه يحذر من مغبة تحول أفغانستان لساحة منافسة بين الهند وباكستان، ومن ورائها الصين.
وحث التقرير القادة الأمريكيين الجدد على تأجيل الموعد النهائي، المقرر في أيار/ مايو، لسحب القوات من أفغانستان، محذرا من مغبة فوضى متجددة هناك من شأنها زعزعة استقرار المنطقة بأكملها في ظل الصراع الإقليمي المحموم.
ويشير التقرير إلى أن أفغانستان تقع في منطقة خطرة لأن "ثلاثة من جيرانها الستة المباشرين (الصين وباكستان وإيران) هم قوى نووية فعلية أو محتملة، فيما تمتلك قوتان إقليميتان أخريان، روسيا والهند، أسلحة نووية بالفعل".
ويتقاطع التجاذب بين الهند من جهة والصين وباكستان من جهة ثانية، في أفغانستان، مع ملف منطقة كشمير المتنازع عليها، الذي أوشك أكثر من مرة على إشعال حرب مدمرة في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
وتزعم الهند سيادتها على الشطر الخاضع لها من الإقليم، بل وتطالب بمزيد من الأراضي، خاصة منها تلك الخاضعة للصين، والتي قدمتها إسلام أباد لبكين عام 1963، لإشراكها في صراعها ضد نيودلهي.
وتمتد أراضي كشمير، في شطرها الباكستاني، وصولا إلى الحدود مع أفغانستان في أقصى الشمال.
وتزعم نيودلهي أن تلك الحدود الباكستانية (الكشميرية) مع أفغانستان هي حدود هندية مع الأخيرة.
وبالنظر إلى حساسيتها الدينية، فضلا عن الاستراتيجية والتاريخية، تسعى الهند جاهدة لتحييد موقف أفغانستان على الأقل في الأزمة الكشميرية، إن لم يكن جر كابول بطريقة أو بأخرى إلى مربعها ضد إسلام أباد وبكين.
أبعاد اقتصادية.. وقوة هندية "ناعمة"
وإلى جانب البعد الأمني والحسابات الاستراتيجية، فإن أفغانستان تعد سوقا متعطشة لاستثمارات بمليارات الدولارات، ولجميع الخدمات والواردات، فضلا عن موقعها المهم على طرق التجارة، وخاصة بالنسبة للهند في طريقها شمالا نحو وسط آسيا وأوروبا.
وفي مقابل ميناء "جوادر" الباكستاني، الذي تطوره الصين ليشكل منفذا لها على بحر العرب، تقوم الهند بتطوير ميناء "تشاباهار" الإيراني القريب، ليكون منفذا لها إلى طريق تجاري يخترق إيران وأفغانستان، فضلا عن كونها محطة رئيسية في طريق "شمال جنوب" الواصل إلى روسيا.
وبحسب تقرير سابق لـ"ذا ديبلومات"، فإن المساعدات الصينية لأفغانستان تبدو "تافهة" مقارنة بما قدمته الهند في مختلف القطاعات، وصولا إلى اتفاقية تشييد سد "شاهتوت"، مؤخرا، بقيمة 236 مليون دولار.
ورغم النفوذ التاريخي لباكستان في أفغانستان، فإن الهند يبدو أنها قد تجاوز بالفعل غريمتها التقليدية، باستخدام الاستثمارات والمساعدات و"القوة الناعمة"، فضلا عن اللعب على وتر الخلافات بين إسلام أباد وكابول.
وفي سياق الحديث عن "القوة الناعمة"، تجدر الإشارة إلى أن نيودلهي كانت أول دولة تعلن التبرع بلقاحات لفيروس كورونا المستجد، في وقت سابق من شباط/ فبراير الجاري.
الصين والولايات المتحدة.. هل تتنازعان السودان؟
تعرف إلى أرخص لقاحات كورونا وأكثرها فاعلية