استعادت
المدن الكبرى في الجزائر، روحها الثورية في الذكرى الثانية لانطلاق الحراك الشعبي،
وانطلقت فيها مسيرات حاشدة تطالب بالتغيير السياسي الجذري في البلاد.
ولبّى
آلاف الجزائريين نداء التظاهر الذي لم ينطلق من شخصيات سياسية أو نشطاء معينين، ولكن
فرضته رمزية التاريخ المصادف للمسيرات الجماعية للجزائريين يوم 22 شباط/ فبراير
2019.
وشوهد
عدد من السياسيين وسط المسيرات، أمثال كريم طابو منسق "الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي"
–قيد التأسيس- والذي قضى 9 أشهر في الحبس السنتين الماضيتين، ورئيس "التجمع من
أجل الثقافة والديمقراطية" محسن بلعباس، إلى جانب قياديين من حزبه، كما حضر الناشط
والحقوقي المعروف مصطفى بوشاشي وعدد من محامي معتقلي الحراك الشعبي.
وذكر
عبد الغني بادي، وهو محام وحقوقي ومن أبرز رموز الحراك الشعبي، أن العودة للمسيرات
"فرضها استمرار الوضع القائم لنظام سياسي يرفض التغيير ولا يريد الاعتراف بالإرادة
الشعبية".
وأوضح
بادي في تصريح لـ"عربي21" أنه من الضروري "تكثيف المسيرات السلمية بعيدا
عن المناسباتية، من أجل الوصول إلى أهداف الحراك الشعبي المتمثلة في بناء دولة الحق
والقانون التي تضمن كرامة المواطن وكامل حقوقه".
وبعيدا
عن العاصمة، عمت المسيرات مدن وهران في الغرب، وقسنطينة وعنابة في الشرق، وسطيف في
الهضاب العليا، فيما شهدت ولايات منطقة القبائل؛ البويرة وتيزي وزو وبجاية مظاهرات
حاشدة.
مقاربة
مختلفة للسلطة
ومن
الواضح أن قرار الرئيس عبد المجيد تبون، بإطلاق سراح عدد معتبر من سجناء الحراك الشعبي
قبل يوم 22 شباط/ فبراير، لم يحد من تصميم الكثيرين على الخروج للشارع.
وظهر
هذا الإصرار على استعادة الشارع بعد نحو سنة من الإحجام عن التظاهر بسبب الوباء، خلال
مسيرة مدينة خراطة شرقي البلاد يوم 16 شباط/ فبراير الأخير، والتي انتقل إليها عدد
كبير من السياسيين والنشطاء من مختلف مناطق البلاد.
ومن
جانب السلطة، تختلف المقاربة في النظر إلى يوم 22 شباط/ فبراير، فهو بالنسبة لها يوم
للاحتفال بما تطلق عليه "الحراك الشعبي المبارك" في مدته التي أطاحت بالرئيس
السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وسبق
للرئيس عبد المجيد تبون، أن أصدر قرارا بجعل تاريخ 22 شباط/ فبراير "يوما للتلاحم
بين الجيش والشعب"، في إشارة إلى ما تعتبره السلطة "انحياز الجيش للإرادة
الشعبية ومساعدته على رحيل الرئيس السابق ومحيطه".
وذكر
عمار بلحيمر الناطق الرسمي للحكومة، في كلمته الإثنين، أن التلاحم بين الشعب والجيش
"ظل صامدا في وجه كل الهزات وأفشل محاولات اختراقه والنيل من صلابته خلال حراك
22 فيفري 2019".
واعتبر
الوزير أن الرئيس تبون "ارتقى وهو يرسم اليوم الوطني للأخوة والتلاحم بين الشعب
وجيشه بمعاني التضامن والوحدة والأخوة والتلاحم بينهما لخدمة الديمقراطية وتحقيق التنمية
المستحقة عبر كامل التراب الوطني".
وأشار
بلحيمر إلى أن هذا الجهد الوطني الذي "يترجم" التزامات رئيس الجمهورية بإحداث
تغييرات "جذرية" وتحولات "نوعية" من أجل إرساء "دولة القانون
واقتلاع جذور الفساد"، "كُلل أساسا بدستور جديد عزز الحريات والحقوق لاسيما
حقوق المرأة والشباب".
وأبرز
أن هذه المكاسب تعززت بإصلاح المنظومة الانتخابية، وعفو رئاسي خص به رئيس الجمهورية
مجموعة من المعتقلين ضمن مساعي إرساء مناخ التهدئة، ومبادرة اليد الممدودة لبناء دولة
الحق والقانون.
استبعاد
تغيير أجندة السلطة
واللافت
أن السلطة تنفي وجود أي أزمة سياسية، فهي تعتقد أن عملية الإصلاح جارية عبر تعديل الدستور،
ثم تعديل قانون الانتخابات، ثم الذهاب إلى انتخابات تشريعية ومحلية تسمح للجزائريين
باختيار ممثليهم.
وعند
النظر في الساحة السياسية، يمكن القول إن أغلب الأحزاب تبدو مستعدة للمشاركة في الانتخابات
المقبلة، ضمن ما تعتقد أنه المسار الدستوري الأضمن لإنجاح عملية التغيير.
وفي
اعتقاد أستاذ علم الاجتماع السياسي نوري دريس، فإنه من المستبعد أن تعيد السلطة النظر
في أجندتها الانتخابية حتى ولو عادت المسيرات بقوة.
وأوضح
دريس في تصريح لـ"عربي21" أن تجربة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت
في أوج المسيرات الرافضة لتنظيمها، تثبت أن التراجع مستبعد تماما.
لكن
ما يجب أن تنتبه إليه السلطة، حسب المتحدث أن "عودة المسيرات اليوم هي تأكيد على
أن المسار الذي اقترحته لم يحل المشكلات التي تواجه الجزائر، ولم يستجب للمطالب التي
رفعوها، ما يعني أن الانتخابات حتى لو نجحت في تنظيمها شكليا لن تحل من الأزمة".
اقرأ أيضا: الآلاف في شوارع الجزائر في ذكرى الحراك الثانية (شاهد)
تونس.. منظمات وأحزاب تبحث عن حل للأزمة السياسية
مشاورات تبون مع الأحزاب.. هل تذهب الرئاسة نحو التهدئة؟
مسألة الاعتذار للجزائر.. هل حرّف "الإليزيه" تقرير ستورا؟