كشفت وكالة أسوشييتد برس الأمريكية في نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي عن صور أقمار صناعية قالت إنها تظهر ضخامة مشروع إنشائي منذ عقود في منشأة نووية إسرائيلية سرية، ضمن برنامج الأسلحة النووية غير المعلن عنه أصلاً.
وأشارت الوكالة إلى أن الصور تظهر حفرة بحجم ملعب كرة قدم تشير إلى احتمال أن يكون البناء مكونا من عدة طبقات، وأضافت أن البناء يقع على بعد أمتار من مفاعل نووي قديم في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة.
ويأتي الكشف عن هذا البناء في وقت توجه فيه إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو انتقادات لاذعة إلى برنامج إيران النووي السلمي، الذي لا يزال تحت رقابة مفتشي الأمم المتحدة على عكس البرنامج النووي الإسرائيلي الذي قطع أشواطاً متسارعة بغرض امتلاك خيار نووي، الأمر الذي دفع العديد من الأصوات في العالم إلى مطالبة إسرائيل بالكشف عن تفاصيل برنامجها وملها النووي.
ماذا عن الملف النووي الإسرائيلي؟
في الوقت الذي تدعو فيه منظمات دولية إلى منع انتشار الأسلحة النووية والتوقيع على المعاهدة ذات الصلة، تسعى إسرائيل بشكل دؤوب إلى تطوير القدرات العسكرية، والاستئثار بخيار نووي. وقد بررت الإدارات الأميركية المتعاقبة امتلاك إسرائيل لكافة صنوف الأسلحة، ومن بينها السلاح النووي؛ بذريعة الهواجس العسكرية والأمنية من المحيط العربي. وتبعًا للتوجه الأمريكي، لم توقع إسرائيل على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية رغم مرور ثلاثة وخمسين عاماً عاما على توقيعها (1968 ـ 2021).
وقد رفضت إسرائيل منذ عام 1968 التوقيع والانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بدعم أمريكي مباشر، وأصبح عامل الردع العسكري غير التقليدي هاجسًا لكافة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام المذكور، وتبعًا لذلك استطاعت إسرائيل جعل الأفكار حول امتلاك أسلحة غير تقليدية حقيقة وأمرا واقعا يفرض نفسه بقوة.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، خاطب ديفيد بن غوريون (أول رئيس للحكومة الإسرائيلية) بعض العلماء اليهود المهاجرين من ألمانيا إلى فلسطين قائلاً: "أريد منكم أن تهتموا منذ الآن بالأبحاث الذرية، وبإنجاز كل ما يمكن إنجازه من أجل تزويد الدولة اليهودية المنشودة بأسلحة نووية".
على الرغم من الإشارات التي تبرز بين فترة وأخرى في الصحف ومراكز البحث الغربية والإسرائيلية على حد سواء والتي تؤكد امتلاك إسرائيل لأسلحة كيميائية ونووية متطورة، فإن الدوائر الإسرائيلية المختلفة سرعان ما تنفي ذلك للإبقاء على سياسة الشك التي اتبعتها إسرائيل منذ أكثر من سبعة عقود.
وكان شمعون بريز (الرئيس الإسرائيلي الاسبق ) قد قال في الكنيست الإسرائيلي عام 1966: "إنني لا أرى سببًا لإقدام دولة إسرائيل على طمأنة عبد الناصر من هذا المنبر، والسماح له بأن يعرف ما نفعله أو ما لا نفعله، إنني أعرف أن العرب يشكون في نوايانا النووية، وأعرف أن هذا الشيء قوة رادعة، فلماذا نخفف من هذه الشكوك، ولماذا نعمل على إيضاحها". أما أفرايم كاتسير (الرئيس الإسرائيلي آنذاك)، فقد أعلن في عام 1972 أن "إسرائيل لن تكون البادئة في إدخال الأسلحة النووية إلى الشرق الأوسط، ولكنها تمتلك القدرة على صنع مثل تلك الأسلحة، بل في مقدورها أن تفعل ذلك في فترة زمنية معقولة".
وتبعًا لذلك، بدأت إسرائيل منذ إنشائها استقبال العديد من العلماء اليهود من خلال الهجرات المتتالية، خاصة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وكان لهجرة اليهود الكثيفة من دول الاتحاد السوفييتي السابق ومن باقي دول العالم وخاصة في بداية التسعينيات بالغ الأثر في رفع نسبة العلماء الخبراء في المجالات المختلفة، بمن فيهم علماء الفيزياء والتطبيقات الكيميائية، إذ كان هناك عدد كبير منهم، يملكون شهادات أكاديمية عالية في المجالات المذكورة، وفي مجالات أخرى مثل الطب والرياضيات.
وبالنسبة لتأسيس إسرائيل لقدرات نووية، فإن الباحثين والمتخصصين فيها بدؤوا في البحث عن اليورانيوم في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة. ومنذ السنوات الأولى لإنشائها وبالتحديد في عام 1949، تم إنشاء معهد وايزمان للأبحاث النووية، وجرت عدة محاولات لإيجاد طرائق جديدة لإنتاج الماء الثقيل واستخلاص اليورانيوم من الفوسفات، وقد واكبت تلك المحاولات مخططاتٌ حقيقية لتطوير وبناء السلاح الكيميائي بكافة أنواعه، بما في ذلك السلاح المحرم دوليًّا.
حقائق مثيرة
أدت المخططات الإسرائيلية والنشاط الدؤوب لإنجاح تلك الخطط وإخراج الأفكار الصهيونية والإسرائيلية بشأن ضرورة امتلاك خيار نووي، إلى بناء إسرائيل لسبعة مفاعلات نووية، أهمها مفاعل ديمونة الذي أسسه بن غوريون عام 1957 في صحراء النقب باتفاق مع فرنسا. وفي عام 1960 تم إنشاء مفاعل نووي إسرائيلي في أسدود جنوب فلسطين المحتلة بمساعدة أمريكية، والمفاعل المذكور قادر على إنتاج البلوتونيوم، وقد سبق ذلك بناء مصانع السلاح الكيميائي بمعونة بريطانية. وثمة مواقع مختلفة للأسلحة النووية من أهمها: موقع "بالميكيم" للتجارب شمال صحراء النقب، وهو مخصص لإجراء تجارب على الصواريخ النووية مثل صاروخ "أريحا"، أما موقع "يوديغات" فهو مخصص لتجميع الأسلحة النووية وتفكيكها.
في حين يقوم الخبراء الإسرائيليون في موقع "بئر يعقوب" ببناء قواعد إنتاج صواريخ "أريحا" ذات الرؤوس النووية، أما موقع "كفار زكريا" فيعتبر قاعدة للصواريخ النووية ويحوي ملاجئ لتخزين القنابل النووية، وفي قرية عيلبون شرق منطقة الجليل الفلسطينية مواقع لتخزين الأسلحة الإسرائيلية النووية التكتيكية. وإضافة لذلك، استطاعت إسرائيل بناء عشرة مصانع كيميائية، وأكثر المناطق والمدن التي تتركز فيها الأنشطة الكيميائية الإسرائيلية هي: مدينة حيفا ومدينة عكا المحتلتان على ساحل البحر المتوسط، حيث تعمل شركة "حيفا كميكليم" وشركة "وكفرقاروم".
وتتركز صناعة الذخائر الكيميائية بمنطقة "بيتاح تكفا"، في حين تتركز صناعة الغازات السامة في منطقة "حولون" و"ريشون لتسيون"، أما مصانع الكلور وغاز الأعصاب فقد تمّ بناؤها في منطقة تل أبيب المحتلة، التي تستحوذ على ثلث مجموع اليهود في إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة, وهي من أعلى المدن كثافة بالسكان.
فضلاً عن ذلك، تتوزع مصانع كيميائية في المدن الفلسطينية المحتلة الأخرى لصناعة غاز الخردل وغاز الباروم، وكذلك صناعة الذخائر، وهناك برامج وخطط إسرائيلية وموازنات ضخمة لتطوير المفاعلات النووية، والمصانع الكيميائية الإسرائيلية، والمحاولات متسارعة لتطوير أداء البحث العلمي في المجالات المذكورة بسرية فائقة.
وعلى الرغم من الإشارات التي تبرز بين فترة وأخرى في الصحف ومراكز البحث الغربية والإسرائيلية على حد سواء والتي تؤكد امتلاك إسرائيل لأسلحة كيميائية ونووية متطورة، فإن الدوائر الإسرائيلية المختلفة سرعان ما تنفي ذلك للإبقاء على سياسة الشك التي اتبعتها إسرائيل منذ أكثر من سبعة عقود.
واللافت أن إسرائيل اعتمدت ـ من خلال الشك والإيحاء في تصريحات وتلميحات بعض القادة الإسرائيليين ورؤساء حكومات إسرائيلية متعاقبة ـ مدخلاً للإعلان غير المباشر عن وجود إمكانيات الردع الإسرائيلية النووية .
النووي الإسرائيلي في الميزان
مع استمرار التوجهات الأمريكية الداعمة لإسرائيل في عدم التوقيع على منع انتشار الأسلحة النووية، فإن أمن منطقة الشرق الأوسط سيتعرض لخطر كبير، ولهذا باتت الضرورة تتطلب أكثر من أي وقت مضى التركيز على السلاح النووي الإسرائيلي والمطالبة بنزعه، وإجبار إسرائيل على الانصياع للتوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة غير التقليدية في أسرع وقت ممكن، حيث إنها تشكل خطراً زاحفاً على المنطقة برمتها؛ حيث تشير معطيات إلى امتلاك إسرائيل (100- 200) قنبلة نووية.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
الانقسام الرسمي العربي بين غانتس ونتنياهو
عن يهود المغرب والدعاية الصهيونية والإسرائيلية الزائفة