فوجئ الناس منذ أسبوع، بحديث عن تقارب تركي ـ مصري، واقتضى ذلك أن يكون خطاب القنوات الإعلامية في مصر وتركيا، خطابا أقرب للتهدئة، وعدم النيل من قيادة البلدين، وما كان في الخفاء خرج للناس بخطأ ساذج غير مقصود، ذكرني بسبب إجهاض ثورة اليمن التي شارك فيها الإخوان أيام الإمام حسن البنا، فقد نشر محرر بجريدة الإخوان المسلمين اليومية خبر الثورة قبل قيامها بيوم، من باب السبق الصحفي، فكان أن تنبهت السعودية فقامت بإجهاضها، في أحداث معروفة تاريخيا.
وبدأت التحليلات والتوقعات، ثم فوجئنا بعدها بحديث للأستاذ إبراهيم منير نائب مرشد الإخوان المسلمين مع قناة الجزيرة مباشر وموقع "عربي21"، يقبل فيه فتح باب الحوار مع السيسي لأجل تخفيف الأوضاع عن المعتقلين، وهناك ملاحظات على كلام منير، من عدة اتجاهات، من حيث مضمون الكلام، ومن حيث أولويات الإخوان في هذه المرحلة.
أما من حيث التصريحات وخطاب منير، فللأسف كعادة معظم تصريحات قيادات الإخوان الآن، ليست مبنية على دراسة تسبق الحديث، وليست مبنية على مضامين متفق عليها بداخلهم، ولا تتسم بالاتساق مع الأحداث، وليست مبنية على عبارات منتقاة، فكلام منير رغم وجاهته من حيث الهدف، لكن الصياغة غير موفقة تماما، فهو يطالب بتحسين الأوضاع، وكأنه يقر بالأحكام الباطلة التي شهد القاصي والداني من المنصفين في العالم ببطلانها.
هذا من حيث مضامين الكلام، أما من حيث الأولوية، فهل الأولى المصالحة مع السيسي أم المصالحة مع الإخوان أنفسهم؟ فهل الأولى لمنير وإخوانه من القيادات التي شقت كل كيانات الجماعة إلى أكثر من شق، رأسي وعرضي، بشكل غير مسبوق في تاريخ الجماعة، وصموا آذانهم جميعا لأي مبادرات لم شمل الجماعة.
وحين حدث صدام بين منير والدكتور محمود حسين، وإصرار الأول على أن منصب الأمين العام لم يعد موجودا في الجماعة منذ سنة 2012م، وإذ بفريق من الإخوان ممن لا يزالون يحاولون إصلاح حال الجماعة، وقت هذا الخلاف الذي كان منذ عدة أشهر، يطلبون منا الصمت، والصبر على ما يدور، وأن الجماعة في مرحلة مخاض إصلاحي على الأقل على إطار لم شملها، واستتب الأمر شكليا لمنير، بينما أمسك حسين ومن معه بمفاصل الجماعة، ولم يحدث شيء.
مر الشهر تلو الشهر بعد إمساك منير وإصراره على أنه لا أمين عام للجماعة، وأنه رأس الهرم التنظيمي، وكان إعلان الجميع أن أول ملف سيتم العمل عليه هو: ملف لم الشمل، وانتظر الناس والإخوان، ما سيسفر عنه هذا الكلام، فأصبح خير معبر عن النتيجة قول العرب: أسمع ضجيجا ولا أرى طحينا.
ليس أمام الإخوان الآن ولا يملكون سوى ملف واحد، هو المصالحة الداخلية، وقتها فقط يمكن لأي قيادة فيها أن تتحدث عن أي مصالحة مع النظام في مصر، أو مع أي حليف بالأصل، فهذا الضعف الذي تعيشه الجماعة الآن، أفقدها كل علاقاتها، سواء مع حلفائها، أو مع أنصارها أنفسهم من أفرادها.
أليس من النكتة السوداء أن تسعى قيادات إخوانية لأي صيغة تصالح مع السيسي، بينما تغلق كل وسيلة للتصالح مع المختلفين معهم في جماعتهم، وهو ما قاله العلماء تعليقا على تطبيع الحكام مع إسرائيل، فقالوا: أليس الأولى أن تطبع الحكومات مع شعوبها، قبل التطبيع مع إسرائيل؟!
أستطيع أن أتوقع رد السيسي على مبادرة منير، وأي مبادرة من الإخوان بشأن التصالح، أو التفاهم، سيكون رد السيسي هو نفس رد قيادات الإخوان على من سعوا للإصلاح بينهم وبين إخوانهم المختلفين معهم
وهذا ذكرني بموقف لأستاذنا الكبير عصام العطار، على ما للرجل من علم وفكر يأسرك، فقد أصيبت زوجة بشار الأسد بالسرطان، وإذ بالعطار يدعو لها بالشفاء، وتمنى لها المعافاة، وهي عاطفة مقدرة إنسانيا، لكن ألم يكن أولى بهذه العاطفة، وهذا التفاهم، أن العطار كان تعامل بها من قبل مع إخوانه الذين اختلف معهم على قيادة الجماعة، وكان ذلك سببا في انشقاق كبير في الإخوان المسلمين في سوريا، ما بين قيادة في الداخل، وأخرى في الخارج، وأصبح كل مجموعة إخوانية تلتف وتختار قيادة، أم أن لسان حال بعض قيادات الإخوان الحكمة بأثر رجعي، أو الحكمة والإنسانية مع كل الناس، لكن مع إخوانهم فالشدة والصرامة والجبروت؟!!
أستطيع أن أتوقع رد السيسي على مبادرة منير، وأي مبادرة من الإخوان بشأن التصالح، أو التفاهم، سيكون رد السيسي هو نفس رد قيادات الإخوان على من سعوا للإصلاح بينهم وبين إخوانهم المختلفين معهم، لقد رفضوا الصلح مع إخوانهم وقالوا للشيخ القرضاوي وغيره: لدينا لوائح ونظم، وسنطبقها، وفصلوا بدون تحقيق إخوانهم، وحلوا كيانات كانت تخدم الجماعة والثورة، ثم دافعوا عن ذلك بحجة أن الخلاف بينهم وبين بعض إخوانهم حول السلمية، ومن أراد أن يرجع لصفوف الجماعة فليعلن توبته، ويقف في آخر الصفوف، هكذا قالت القيادات!
وسيرد السيسي على تصريح الإخوان بنفس المنطق، ويقول: أنا لا أتصالح مع كيان إرهابي، وقد حكم عليهم القضاء النزيه، وأنا لا أتدخل في القضاء، ونحن دولة ونظام ومؤسسات لن أهدمها لأجل العفو عن متهمين بالعنف، والشعب قال كلمته وأيدني وبايعني، والعالم يعترف بي الآن، ومن أراد أن يرجع فليعتذر للشعب، ويعترف بثورة 30 يونيو، وينزل كمواطن مخطئ بعد قضاء مدة العقوبة في السجن، ولا مكان له في العمل السياسي، إذا قبلناه كمواطن تائب!!
من رفض الصلح مع أخيه، فسيرفضه خصمه معه، بنفس المنطق، ونفس الحجة، وبنفس التعالي وزيادة، ليكون الجزاء من جنس العمل.
دور الإعلام في كشف الفساد وفضح المستبدين
ربع قرن على وفاة الغزالي عدو الاستبداد والمستبدين