وقَّع رئيس الجمهورية التركي، رجب طيب
أردوغان، قبل
حوالي أسبوعين، قرارا يقضي بانسحاب
تركيا من "اتفاقية إسطنبول" المتعلقة
بالعنف ضد
المرأة والعنف الأسري ومكافحتهما، في ظل نقاش ساخن يدور منذ فترة طويلة في
الأوساط التركية حول الأضرار التي ألحقتها الاتفاقية بالمجتمع التركي وروابطه
الأسرية والاجتماعية.
المعارضة التركية انتقدت قرار الانسحاب من اتفاقية
إسطنبول. وتقدم حزب الشعب الجمهوري برئاسة كمال كليتشدار أوغلو، وحزب الديمقراطية
والتقدم برئاسة علي باباجان، والحزب الجيد برئاسة ميرال آكشنير، إلى المحكمة
الإدارية العليا بطلب إبطال القرار. كما صدرت تعليقات من الاتحاد الأوروبي
والإدارة الأمريكية تنتقد القرار وتصفه بـ"مخيبة للآمال". وأما حزب
السعادة برئاسة تمل كارا موللا أوغلو وحزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو؛ فقد التزما
الصمت، في إشارة ضمنية إلى الموافقة على القرار، علما بأن أنصار الحزبين كانوا على
رأس المنتقدين للاتفاقية.
اتفاقية إسطنبول تعرضت لانتقادات واسعة من شرائح مختلفة،
بما فيها نسبة كبيرة من أنصار حزب العدالة والتنمية، بسبب بعض موادها التي اعتبرت
مشجعة للشذوذ الجنسي ومنحازة بشكل سافر لصالح المرأة ضد الرجل، ومثيرة للكراهية
بين الزوج والزوجة. وحمَّلها المنتقدون مسؤولية تفكك كثير من الأسر خلال السنوات
الأخيرة. ومن المؤكد أن الحملة الشعبية التي استهدفت الاتفاقية وشارك فيها كتاب
ومثقفون وقادة للرأي، أسهمت في دفع الرئيس التركي إلى اتخاذ هذا القرار.
تركيا ليست الدولة الأولى التي انسحبت من اتفاقية إسطنبول، بل سبقتها بولندا في تموز/ يوليو 2020، كما أن هناك عددا من الدول، مثل بريطانيا وأوكرانيا، لم تطبق الاتفاقية على الرغم من توقيعها
تركيا ليست الدولة الأولى التي انسحبت من اتفاقية
إسطنبول، بل سبقتها بولندا في تموز/ يوليو 2020، كما أن هناك عددا من الدول، مثل
بريطانيا وأوكرانيا، لم تطبق الاتفاقية على الرغم من توقيعها، ما يشير إلى أن
تركيا ليست وحدها منزعجة من الاتفاقية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانضمام إلى
الاتفاقية والانسحاب منها قرار سيادي للدول.
المعارضة تدَّعي بأن الاتفاقية تحمي النساء من العنف وجرائم
القتل، إلا أن الإحصائيات تدل على خلاف ذلك، سواء في تركيا أو دول أخرى قامت
بتطبيق الاتفاقية، مثل بلجيكا والنمسا. وليس شرطا لإصدار قوانين تحمي المرأة،
تطبيق اتفاقية تضفي الشرعية على زواج المثليين وتتعارض مع عادات المجتمع التركي
المسلم وتقاليده. وبعبارة أخرى، بإمكان تركيا أن تسن قوانين تحمي المرأة والأسرة
والمجتمع معا، دون أن تفتح الأبواب على مصراعيها أمام المجموعات الداعية إلى
المثلية وكافة أنواع الشذوذ الجنسي.
المسؤولون الأتراك يشددون على أن الانسحاب من اتفاقية
إسطنبول لا يعني التراجع عن مكافحة العنف ضد المرأة، وأن الحكومة تعمل حاليا على
صياغة اتفاقية جديدة معدّلة أطلقت عليها مساعدة رئيس حزب العدالة والتنمية، فاطمة
بتول سايان كايا، "اتفاقية أنقرة". ومن الضروري أن تجري الحكومة التركية
التعديلات اللازمة على وجه السرعة لحماية المرأة وحقوقها ومكافحة العنف الأسري، كي
لا يتذرع دعاة العودة إلى الاتفاقية بأي فراغ قانوني.
من الضروري أن تجري الحكومة التركية التعديلات اللازمة على وجه السرعة لحماية المرأة وحقوقها ومكافحة العنف الأسري، كي لا يتذرع دعاة العودة إلى الاتفاقية بأي فراغ قانوني
الحملة الشعبية التي استهدفت اتفاقية إسطنبول قامت
بتصوير الاتفاقية على أنها "مصدر جميع المصائب والبلايا المتعلقة بالمرأة
والأسرة". ومما لا شك فيه أن هذه مبالغة في تبسيط مشكلة معقدة للغاية، وهروب
من تحمل المسؤولية؛ لأن جرائم القتل في ارتفاع، وأرقام ضحايا العنف ضد المرأة تدق
ناقوس الخطر.
ظاهرة تفكك الأسر والعنف ضد المرأة ليست مشكلة تركيا
فحسب، بل الإحصائيات تشير إلى أن معدل جرائم قتل النساء أقل مما في كثير من الدول
الأوروبية، إلا أن ذلك يجب أن لا يؤدي إلى الارتياح والتكاسل، كما أن انسحاب تركيا
من اتفاقية إسطنبول لن ينهي المخاطر التي تحدق بالمرأة والأسرة والأجيال الناشئة.
ولا بد من الاستنفار على المستويين الرسمي والشعبي من أجل تعزيز مناعة المجتمع ضد الآراء
والدعايات التي تهدف إلى هدم أسسه وإبعاده عن قيمه.
المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق الحكومة، إلا أن منظمات
المجتمع المدني والجماعات ووسائل الإعلام هي الأخرى يجب أن تتحمل مسؤوليتها في
معالجة المشاكل المتعلقة بالمرأة والأسرة. وهي مشاكل ذات جوانب عديدة، ولها أسباب
اقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية. ولا بد من تضافر الجهود وتكاتف المسجد
والمدرسة لتثقيف المواطنين، ورفع الوعي لديهم، للحيلولة دون تفاقم تلك المشاكل
وحلها من جذورها.
twitter.com/ismail_yasa