أثار ظهور مقاتلات مصرية بينها "ميغ–29"، خلال مناورات "نسور النيل–2"، بين القوات الجوية المصرية والسودانية، التساؤلات حول دلالات ظهور أقوى مقاتلات الجيش المصري بمسافة قريبة من سد النهضة الإثيوبي بهذا التوقيت.
ووفق مقاطع نشرها المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية،
ظهرت المقاتلة الروسية الصنع أثناء المناورة بقاعدة مروي الجوية السودانية، والتي تأتي
بعد تهديدات رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي لإثيوبيا بشأن النزاع حول ملف المياه،
الثلاثاء 30 آذار/ مارس 2021.
وأعلن العقيد تامر الرفاعي عن "تنفيذ عمليات الهجوم
على أهداف العمق والدفاع عن الأهداف الحيوية"، بالمناورة التي اختتمت الأحد، بين
قوات من الجيش المصري والسوداني وبدأت الأربعاء الماضي، بحضور رؤساء هيئة الأركان للقوات
المسلحة، المصرية محمد حجازي، والسودانية محمد عثمان الحسين.
وأكد الحسين أن "التدريبات المشتركة مع مصر لا تستهدف
بلدا معينا"، في حين شدد حجازي، على "وقوف القوات المسلحة المصرية بجانب الجيش
السوداني مدافعة معه بخندق واحد تطلعا لمستقبل آمن".
ظهور المقاتلة ذات الإمكانية الهائلة في السودان يأتي
في ظل دخول أزمة مياه النيل نفقا مظلما، ووسط تصعيد إثيوبي وإصرار على ملء بحيرة السد
منتصف 2021، ووسط فشل آخر جولة مفاوضات بين الدول الثلاث في كينشاسا عاصمة الكونغو
من السبت الماضي حتى الثلاثاء.
وترفض إثيوبيا المقترح السوداني المدعوم مصريا بتكوين
رباعية دولية للوساطة، وتتمسك بالملء الثاني، بل إن مفاوضيها رفعوا سقف المطالبة ببحث
تقاسم مياه النيل، وفق ما أعلنه وزير الري السوداني الأحد.
وفي المقابل شهدت الأجواء المصرية السودانية، حراكا على
مستويات دبلوماسية ومخابراتية وعسكرية، حيث زار مدير المخابرات الحربية خالد مجاور،
ورئيس المخابرات العامة عباس كامل، ورئيس هيئة الأركان الفريق محمد فريد، السودان على
التوالي الخميس، والأحد.
وهو ما يثير التكهنات حول ما قد يجري في الكواليس، وحول
دلالات ظهور المقاتلة الروسية الآن في الأجواء السودانية وحول قدرة مصر على توجيه ضربة
عسكرية للسد الإثيوبي.
وتمتلك مصر قوة جوية كبيرة بنحو 1000 طائرة حربية، بينها
طائرات هيمنة جوية ومروحيات هجومية، جعلتها الأقوى بالشرق الأوسط، ووضعت قواتها الجوية
بالمرتبة التاسعة عالميا، بحسب موقع "غلوبال فيربور" الأمريكي.
وفي نيسان/ أبريل 2016، أعلنت روسيا بيع 50 مقاتلة من
طراز "ميغ-29" لمصر حتى عام 2020، بصفقة وصفت بأكبر عقد بعد انهيار الاتحاد
السوفييتي، بنحو 5 مليارات دولار، وشملت أسلحة أخرى، وفقا لموقع "ديفينس ويب".
ومقاتلات "ميغ-29"، من الجيل الرابع وصممت
للسيطرة الجوية، وتنتمي لعائلة المقاتلات الجوية الخفيفة الوزن، ومزودة برادار لتدمير
الأهداف الجوية، والأرضية مع استخدام أسلحة غير موجهة في ظروف الرؤية الجيدة.
وبعض الطائرات منها ذات مقعدين من طراز "ميغ-29
إم 2"، وهو النموذج المُطور وبه محرك من طراز "RD-33MK"، وأيضا يمكنها التزود بالوقود خلال الطيران.
اقرأ أيضا: لماذا ترفض إثيوبيا الوساطة وتتمسك بها مصر والسودان؟
وفي تقديره لدلالات ظهور أقوى مقاتلات الجيش المصري
"ميغ-29" في السودان الآن، تحفظ الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء جمال
مظلوم، بداية حديثه مع "عربي21"، كعسكري مصري عن الحديث في هذا الموضوع
"خوفا من أن يؤخذ كتلويح بالحرب من جانب شخصية عسكرية مصرية".
ولكنه قال إنه "وطبقا لتصريحات السيسي، الذي وضع
خطا أحمر لإثيوبيا ووضعه سابقا في حدود ليبيا وجعل المجتمع الدولي يتحرك لينهي أزمة
الجارة الغربية لمصر؛ أتصور أن من يفهم وجود الطائرة المقاتلة (ميغ-29) في المناورات
المصرية مع السودان بأنه تلويح بشيء فليفهمه كما شاء".
وتابع: "حتى نخفف من وطء الموقف؛ فإن المناورة وما
ظهر بها من أسلحة مقاتلة ووجود رئيس الأركان المصري ومشاركته في التدريبات هي في الأساس
خطوة نحو استعادة العلاقات العسكرية والاستراتيجية والسياسية لمصر والسودان، المتدهورة في السنوات السابقة".
وأوضح أن "ما يجري الآن في إطار إعادة علاقات مصر
العسكرية والسياسية القديمة والطبيعية في وقت فيه توتر واعتداءات على السودان، ومصر
الأقرب لها، ولذا تجرى هذه المناورات دعما للخرطوم قبل أن تكون رسالة موجهة لإثيوبيا".
تلويح للضغط
المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، عاد ثانية ليؤكد أن
"من أراد فهم هذه المناورات وتلك الأسلحة التي ظهرت فيها على أنها موجهة ضد إثيوبيا فليفهم
كما شاء، ومن أراد فهمها على أنهما دولتان عربيتان تربطهما علاقات تاريخية وشاءت الظروف
أن تجمعهما في هذه الأزمة، فليفهما كذلك".
وقال إن "كلام السيسي واضح بقوله: (لا أحد يشكك
في قدرات مصر)، وتأكيده في نفس الوقت أن الصراعات لا تنتهي بسهولة، وأن مصر لا تريد
اللجوء لهذا الخيار (المواجهة العسكرية)، الذي تكلم عنه السيسي وعن خطورته، وقال سابقا:
(كل الخيارات موجودة)".
وختم الخبير العسكري حديثه بالتأكيد على أن كل هذا
"يعني إنذارا لهذه الدولة والاتحاد الأفريقي من مصر التي سارت 10 سنوات بالمفاوضات
دون نتيجة".
من جانبه، قال الخبير المصري في الشؤون الأفريقية الدكتور
مصطفى الجمال، بحديثه لـ"عربي21"، إن "مصر ما زالت تمارس التلويح بالهجوم
العسكري، للضغط على إثيوبيا لحلحلة المواقف في المفاوضات".
مدير مركز البحوث العربية والأفريقية، في حديثه لـ"عربي21"،
ألمح إلى أن مصر تصعد حتى إنه "حينما يُرفع الأمر لمجلس الأمن، تشعر الدول الكبرى
وخاصة الاتحاد الأوروبي بخطورة الموقف واحتمالات تفاقم الصراع أو وقوع ما لا يحمد عقباه
من كوارث إنسانية ومجاعات وحروب أهلية".
وأضاف: "لكن يبدو أن إثيوبيا تسير حتى حافة الهاوية،
لتحصل على مزيد من المكاسب في حال حدوث اتفاق؛ سواء كان تعويضات مالية، أو تقليلا لحصة
مصر أو أية مكاسب تريدها".
وحول أسوأ السيناريوهات المحتملة والتي قد تضطر مصر للتصرف
بشكل منفرد، من وجهة نظره قال الأكاديمي المصري، إن "أولها: فك التحالف بين مصر
والسودان، وحدوث قلاقل فيه".
واعتبر أن ذلك "مسألة خطيرة لأن مصر ستكون بعيدة
عن مسرح العمليات ولو وجهت ضربة عسكرية فقد تؤثر على جارتها الجنوبية التي قد تكون غير
مستعدة لها، وتحدث أزمة أكبر".
ويعتقد أن "السيناريو السيئ الثاني: هو عدم قبول
أو اقتناع مجلس الأمن الدولي بوجهة النظر المصرية إذا عرض عليه الموضوع، خصوصا بسبب
الصين التي لديها موقف من تقاسم مياه الأنهار وتحتجز بعضها عن دول مجاورة لها".
مراقبون ومحللون وكتاب مصريون دعوا لاتخاذ خطوة عسكرية
عاجلة لضرب السد الإثيوبي قبل بداية الملء الثاني منتصف 2021، بينهم الأكاديمي المصري
الدكتور أحمد ذكرالله، الذي قال بـ"فيسبوك": "تأخرنا كثيرا، وأضعنا
وقتا في نتائج معروفة سلفا"، مؤكدا أنه "وقت نسف السد".
وقال الكاتب المصري عبد الناصر سلامة، إن "قصف
السد وتدميره، هو الضمانة الوحيدة للخروج من هذا المأزق"، لكنه أشار إلى أن
"القصف ليس سهلا على المستوى الدولي، وقد يعرضنا لأزمات هنا وهناك، خاصة في ضوء
ما أتوقعه من مؤامرة دولية".
لكن آخرين يعتبرون أن تهديدات السيسي وتلك المناورات
العسكرية وما بها من سلاح غير جدية، وبينهم الصحفي المعارض قطب العربي، الذي قال إن
"تهديدات السيسي بضرب السد غير جدية".
وأكد أنه يلوح بالحرب لدفع القوى الدولية "للضغط
على الحكومة الإثيوبية لتقبل المطلب المصري بمفاوضات ترعاها الرباعية الدولية وليس
فقط الاتحاد الأفريقي".
لماذا ترفض إثيوبيا الوساطة وتتمسك بها مصر والسودان؟
ما حقيقة موقف الإمارات من سد النهضة بعد تهديدات السيسي؟
هل يجبر "الخط الأحمر" للسيسي إثيوبيا على حل أزمة النيل؟