تسيطر تكهنات عدة بشأن تصاعد الصراعات داخل جماعة الحوثي، تزامنا مع أنباء عن وفاة قيادات عسكرية بالجماعة، دون معرفة أسباب ذلك، وفي ظل تقارير تشير إلى خلافات عميقة بين قيادات حوثية من الصف الأول.
وكشف فريق الخبراء التابع
لمجلس الأمن في تقريرهم السنوي 2020/2021، عن تصاعد الصراع بين قيادات الجماعة
المدعومة من إيران، على مستوى الصف الأول، وهو ما يثير علامات استفهام كثيرة
وأسئلة حول مستقبل الجماعة.
ويؤكد الخبراء الأمميون أن ثلاث
قيادات حوثية بارزة تخوض صراعا فيما بينها على النفوذ والأموال، وأسسوا هياكل أمنية
واستخباراتية منفصلة عن قيادة زعيم الحركة عبدالملك الحوثي.
وأضاف الخبراء أن "التهديد
الرئيس لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي هو من داخل الحركة نفسها"، مؤكدين أنه "خلف
قشرة الوحدة، يتنافس أولئك الموجودون في القيادة السياسية العليا، لإثراء أنفسهم من
موارد الدولة المحدودة".
اقرأ أيضا: اشتباكات بين قوات مدعومة إماراتيا وقبليين بالمخا الاستراتيجية
وقال التقرير إن "محمد
علي الحوثي وأحمد حامد وعبد الكريم الحوثي قاموا ببناء قواعد قوة متنافسة، مؤمَّنة
بواسطة هياكل أمنية واستخباراتية منفصلة"، مشيرا إلى أن "محمد علي الحوثي،
الذي يترأس ما تسمى "اللجنة الثورية العليا"، يعد التهديد الأبرز لعبد الملك
الحوثي في قيادة الحركة الحوثية".
وتابع: "محمد الحوثي أنشأ جهازا هيكليا فاعلا وموازيا للمؤسسات الحوثية،
ويتحرك من خلالها في بناء نفوذ قوي خاص به"، لافتا إلى أن
اغتيال وزير الشباب والرياضة في حكومة الحوثي، حسن زيد، في صنعاء، "كانت أكبر
عملية اغتيال رفيعة المستوى منذ الإعلان عن مقتل إبراهيم الحوثي في آب/ أغسطس 2019".
صراع وتصفيات
وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم
السياسية بجامعة صنعاء، عادل الشجاع، أن "الحوثي" جماعة مغلقة تعتمد على القيادة
الهرمية، وهذا بطبيعة الحال يجعل الصراع من الأمور الطبيعية، نتيجة لعدم إفساح المجال
أمام القدرات، ما يجعلها تفرغ فائض طاقتها في الصراع والتنافس على السلطة والمال.
وقال في حديث خاص لـ"عربي21":
"هذا ما هو حاصل اليوم داخل جماعة الحوثي"، يضاف إلى ذلك الأيديولوجية الناظمة
لهذه الجماعة القائمة على الحق الإلهي، والتي تصدر للأتباع، لكنها غير صالحة لقيادات
الصف الأول.
وبحسب الشجاع، فإنها تعلم، أي
قيادات الحركة، أن "التبعية الإلهية للقائد غير ملزمة، ما يجعلها تتمرد على بعض
القرارات، وتتشكل المصالح المتضاربة التي ينتج عنها تصفيات جسدية في بعض الأحيان أو
تصفيات معنوية في أحيان أخرى".
وبطبيعة الحال، وعبر التاريخ،
وفقا للأكاديمي اليمني، فإن "الجماعات تتوحد حول مواجهة خصومها، وتفترق أمام مغنم
السلطة والمال"، مشيرا إلى أن جماعة الحوثي واحدة منها، إضافة إلى هذه الأسباب
التي ذكرناها.
اقرأ أيضا: السعودية تعلن إحباط هجوم حوثي قادم من البحر الأحمر
وأوضح أستاذ العلوم السياسية
بجامعة صنعاء أن هناك سببا آخرا يميزها عن باقي الجماعات، وهو" المتعلق بالتركيبة
الهرمية لما يسمى الهاشمية".
ومضى قائلا: "فهناك أسر
تعتقد في نفسها الأولوية في الحكم، كونها تضع نفسها في مقدمة الأسر، وتعتبر أسرة الحوثي
من قاع الأسر الهاشمية ـ تزعم صلة نسبها ببني هاشم ـ وهي تتربص به إلى حين لانتزاع
السلطة منه حينما ترتخي إصبعه من على الزناد".
أحلام وظنون
من جانبه، نفى القيادي بجماعة
الحوثيين، يوسف الحاضري، وجود أي خلافات بين قيادات الجماعة.
وقال في حديث خاص لـ"عربي21"
إن تلك الأطروحات "مجرد أحلام يعيشون عليها"، مشيرا إلى
أن فريق الخبراء الأمميين، دائما ما يبني تقاريره على ظنون ومخيلات وأطروحات سواء
عبر تويتر أو مواقع التواصل الاجتماعي.
وتابع: "ما أورده الخبراء
في تقريره مبني على أهداف سياسية متحيزة، ولم نجد أي شيء سليم منه"، مؤكدا أن
هذا الأسلوب ينتهجه الفريق ضد "أنصار الله"، لتغطية السلبيات التي يظهرها
على الطرف الآخر، في إشارة منه إلى الحكومة المعترف بها.
واعتبر القيادي الحوثي أن مثل
هذه التقارير يتم الترويج لها لتكون وجبات للإعلاميين التابعين لهم، ويستهدفون بذلك
التأثير على المجتمع، مشددا على عدم وجود أدنى خلاف بين قيادات الجماعة، "فالجميع
لحمة بشكل كبير جدا، سواء أحمد حامد ـ الذي يشغل منصب مدير مكتب الرئاسة بسلطة الحوثيين
ـ، أو محمد علي الحوثي"، وفق قوله.
وقال الحاضري: "عندما يقال
إن أحمد حامد يدعمه عبد الملك الحوثي، وكأنه الأخير طرف والبقية طرف آخر"، وهو
غير صحيح"، مضيفا أنه "يوجد لدينا نظام، أو كما يطلق عليه في الدين
الإسلامي علم الهدى، أي عبد الملك الحوثي، زعيم الجماعة وولاة الأمور من الوزراء
والقيادات الأخرى".
وجدد القيادي في جماعة الحوثي تأكيده أن الكل متماسكون، ويد واحدة، ويتحركون في الجبهات وغيرها، مشيرا إلى أنه
"لو كانت هناك خلافات لعصفت بالجبهات"، بحسب
تعبيره.
اقرأ أيضا: بايلاين تايمز: 6 سنوات من الحرب في اليمن أضرت بالسعودية
لكنه، لفت إلى أنه إذا وجد هناك
أي نقاط خلافية أو عدم تفاهمات بين هذا وذاك، فلاشك، أنها أمور قد تحصل في البيت الواحد.
أما حالة الجدل المحتدمة حول
أسباب وفاة قيادات حوثية بارزة، فيؤكد القيادي الحاضري أنه قد يكون فيروس كورونا (كوفيد-19)،
وراء ذلك، وقد يكون موت طبيعي، وقد يكون اغتيالات، من قبل تحالف ما أسماه "العدوان"
(التحالف بقيادة الرياض) عبر منظمات أو طرق أخرى، داعيا إلى التحري في أسباب وفاة القيادات
بالجماعة، حتي تتضح الفكرة.
أما أن يتم إيعاز ذلك إلى اغتيالات
داخلية الجماعة، وفقا للقيادي الحوثي، فإن "هذه ليست منهجيتنا إطلاقا، فلم نقم
باغتيال ما لدينا من السجناء من الطرف الآخر"، في إشارة إلى المعتقلين التابعين
لحكومة هادي.
واستطرد: "ليس لدينا أي
هدف دنيوي على الإطلاق، حتى نسعى لاغتيال ذا وذاك، وإذا أردنا أن نعزل أي شخص، فسنعزله،
دون الحاجة لأسلوب الاغتيال"، مبينا أن "الاغتيالات تمارسها أمريكا والسعودية
ودول الخليج، إذا أرادوا أن يتخلصوا من أحد".
أمر طبيعي
أما الباحث اليمني في الشأن
الإيراني، محمد العمراني، فيقول إن "وجود خلافات وتباين في الآراء في جماعة الحوثي
أمر طبيعي".
ولكنه تساءل: هل ستصل هذه الخلافات
إلى مستوى يؤثر على القرار في الجماعة وعلى بنيتها؟
وأضاف العمراني في حديث خاص
لـ"عربي21": "لقد أظهرت الجماعة تماسكا كبيرا ووحدة في القرار أكثر
من جبهة الشرعية التي فقدت قرارها واستقلالها".
وأكد أنه في ظل ظروف الحرب يصعب
الحصول على المعلومة المؤكدة، مشيرا إلى أنه إذا وجدت خلافات بين قيادات الحوثيين،
فإن هذا الأمر لا يخرج للعلن؛ حرصا على مكانة الجماعة، ووضعها القتالي والسياسي.
وبحسب الباحث اليمني، فإن
"الحديث عن الخلافات كثيرا ما يدور في الإعلام التابع لخصوم الحوثيين، ولذا يتم
التعامل معه كشائعات تستهدف الجماعة، وأحيانا نقرأ لبعض القيادات بعض النقد والتلميحات
لوجود خلافات".
واستدرك قائلا: "لكن حتى
الآن؛ لا توجد تلك الخلافات التي تؤثر في وحدة الجماعة وتماسكها".
ويعتقد الباحث العمراني أن مستقبل
مرهون بمدى تماسكها وصمودها الميداني، لافتا إلى أن الدول الإقليمية الفاعلة في اليمن، وعلى رأسها السعودية، حريصة على بقاء الحوثيين ككيان فاعل ومؤثر في اليمن، بشرط أن توالي
الجماعة السعودية وتقطع صلتها بإيران.
وأردف قائلا: "هناك مفاوضات
مستمرة بين الجانبين، والخلاف فقط هو في ثمن الولاء.. فالسعودية دعمت الحوثيين منذ
بداية توسعهم عام 2013 وإلى اليوم، وحريصة عليهم كونهم يحققون أجندتها في اليمن".
وفي الأيام القليلة الماضية،
تم الإعلان عن وفاة القيادي في الجماعة، سلطان زابن، المعين مديرا للمباحث في سلطتها
بصنعاء، والمدرج مؤخرا، بقائمة العقوبات في مجلس الأمن، وكذا، مديرة سجون النساء، أفراح
الحرازي، متأثرين بإصابتهم بفيروس كورونا.
فيما تقبع قيادات رفيعة في سلطة
الحوثي، في مستشفيات صنعاء، بعد تردد أنباء عن إصابتها بالفيروس التاجي، بينهم رئيس
حكومة الإنقاذ التابعة للجماعة، عبدالعزيز بن حبتور، ووزير التعليم العالي، حسين حازب،
ونائب وزير الخارجية حسين العزي، وآخرون.
لماذا يوسع "بيزلي" دوره الإغاثي بالسودان لمهام سياسية؟
ما حجم قدرات "الحوثي" العسكرية بعد 6 سنوات من الحرب باليمن؟
في ذكرى الحرب الـ 6.. لماذا رفض الحوثيون مبادرة السعودية؟