تتعدد مسارات المنافع
الاقتصادية المتبادلة بين
مصر وتركيا ما بين التجارة السلعية، والخدمية من سياحة وخدمات ونقل، إلى جانب الاستثمارات المتنوعة ما بين البلدين وتحويلات العمالة.
وتشكل التجارة السلعية الجانب الأكبر كميا من تلك المسارات المتبادلة، حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين في السنوات العشر الممتدة من عام 2010 وحتى 2019 حسب البيانات المصرية؛ حوالي 44 مليار دولار بمتوسط سنوى 4.4 مليار دولار.
وحسب البيانات المصرية فقد ظلت
تركيا تمثل مركزا متأخرا بقائمة شركاء التجارة لسنوات طويلة، حيث جاءت بالمركز السادس والعشرين عام 1980، وتحسن مركزها إلى المركز الخامس عشر عام 1990، ثم بالمركز الثالث عشر عام 2001، إلى أن تم عقد اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين أواخر عام 2005، بدأ نفاذها من آذار/ مارس 2007.
تسمح بدخول السلع بدون جمارك في كلا الاتجاهين، مما ساهم في نمو حركة التجارة بين البلدين، فظل مركز تركيا يتحسن بقائمة شركاء التجارة لمصر من المركز الرابع عشر عام 2006 حتى وصل المركز الخامس عام 2018، ثم واصل تحسنه خلال العامين الأخيرين إلى المركز الرابع رغم الخلافات السياسية بين حكومتي البلدين حينذاك.
وساهم في ذلك تراجع قيمة صرف الليرة التركية خلال السنوات الأخيرة، مما جعل البضاغة التركية أرخص بالنسبة للمستوردين المصريين. وعلى الجانب الآخر تسبب ضعف الليرة في صعوبة تنافسية
الصادرات المصرية في السوق التركية، بل إن رخص المنتجات التركية ساهم في صعوبة تنافسية بعض المنتجات المصرية في أسواق تصديرية لها، مثلما حدث مع صادرات الملابس المصرية لدول الاتحاد الأوروبي بسبب رخص الملابس التركية هناك.
كما ساهم في تعزيز حركة التجارة بين البلدين، رغم ظهور دعوات مصرية لمقاطعة المنتجات التركية من قبل الإعلام الموالي للنظام المصري منذ النصف الثاني من عام 2013، جودة المنتجات التركية وأسعارها المناسبة وإقبال المستهلك المصري عليها، علاوة على القرب الجغرافي بين البلدين لانتقال التجارة عبر مياه البحر المتوسط الرابط بين سواحل البلدين، واستطاعة أطراف التعامل التحرك بين البلدين خلال ثلاث ساعات فقط بالطائرة.
فائض تجاري مستمر لصالح تركيا
واتسمت حركة التجارة بين البلدين طوال السنوات الثلاثين الأخيرة بوجود عجز تجاري مصري مزمن لصالح تركيا، بلا أي استثناء خلال تلك السنوات الثلاثين، بل إنه بالاطلاع على حركة التجارة خلال سنوات متفرقة من عقود القرن الماضي من الثلاثينات والأربعينات والخمسينات والسبعينات والثمانينات، كان الميزان التجاري خلالها جميعا في صالح تركيا.
وهكذا رصدت المصادر المصرية بلوغ قيمة العجز التجاري لمصر مع تركيا خلال السنوات العشر الممتدة من 2010 وحتى 2019؛ حوالي 13 مليار دولار، بمتوسط سنوي يبلغ مليارا و287 مليون دولار، إلا أنه حسب البيانات التركية يصل هذا الفائض لصالح تركيا خلال نفس السنوات العشر 14.5 مليار دولار بمتوسط سنوي يبلغ مليارا و451 مليون دولار.
وهكذا يمثل هذا الفائض التركي المستمر أهمية خاصة، نظرا للعجز المزمن بالميزان التجاري التركي مع دول العالم والمستمر منذ عقود، والمرشح استمراره لسنوات مقبلة بسبب
واردات الطاقة الضخمة.
إلا أنه رغم إستمرار العجز التجاري المصري المزمن مع تركيا، فإن نسبة تغطية الصادرات المصرية للواردات من تركيا ترتفع كثيرا عنها مع دول أخرى. ففي عام 2020 كانت نسبة تغطية الصادرات المصرية إلى الواردات من تركيا 52 في المئة، بينما كانت نسبة تغطية صادرات مصر لوارداتها من أوكرانيا 3 في المئة فقط، والصين 5 في المئة، والبرازيل 10 في المئة، واليابان 12 في المئة، وروسيا 14 في المئة، وكل من الأرجنتين وألمانيا 16 في المئة.
كما أن نسبة تغطية الصادرات المصرية إلى الواردات من تركيا هي نسبة متغيرة تختلف من سنة لأخرى، حيث كانت قد بلغت نسبتها 96 في المئة عام 2007، كما بلغت 90 في المئة عام 2017 لتنخفض إلى 61 في المئة عام 2018، وتواصل الانخفاض إلى 49 في المئة عام 2019، لتتحسن إلى 52 في المئة عام 2020.
وإذا كانت اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين والتي بدأ نفاذها عام 2007 قد ساهمت في تحسين مركز الصادرات المصرية إلى تركيا، لتحتل المركز الثالث بين صادرات مصر لدول العالم بعد الإمارات والسعودية في العام الماضي، كما صعدت بالواردات من تركيا إلى المركز السادس في الواردات المصرية من دول العالم، خاصة بعد الإعفاء الجمركي الكامل للسيارات التركية الداخلة لمصر، والذي زاد من حصتها من مبيعات سيارت الركوب بمصر إلى 18 في المئة.. فقد تكرر الأثر على الجانب التركي.
محدودية واردات تركيا من مصر
فبعد أن كانت مصر تحتل المركز الثلاثين بين شركاء التجارة مع تركيا عام 2008، ظل المركز يتحسن حتى بلغ المركز الثامن عشر عام 2019، بسبب تحسين مركز مصر في الصادرات المصرية الذي تحول من المركز 23 عام 2008 إلى الثالث عشر عام 2019، بينما ما زالت الواردات التركية من مصر تحتل المركز الخامس والعشرين بين الدول التي استوردت منها تركيا عام 2019 مقابل المركز 38 عام 2008. ويتسبب ضعف الليرة في جانب من ذلك.
وإذا كانت تلك هي صورة التجارة السلعية بين مصر وتركيا والتي تمثل الجانب الأكبر من التعاملات الاقتصادية بينهما، فما هي الصورة الكلية الشاملة لتلك التعاملات؟ وتجيب عن ذلك بيانات جهاز الإحصاء المصري الذي رصد حركة المتحصلات من النقد الأجنبي القادم لمصر من تركيا عبر 17 مسارا، والمدفوعات الخارجة من مصر إلى تركيا عبر 17 مسارا في اتجاهات مغايرة، لتصل قيمة المتحصلات لمصر خلال العام المالي 2018/2019، وهي آخر بيانات منشورة، 920 مليون دولار، مقابل مدفوعات من مصر لتركيا بلغت مليارين و507 ملايين دولار، لتحقق مصر عجزا بلغ مليارا و587 مليون دولار بعلاقاتها الاقتصادية مع تركيا، أي ما يمثل فائضا تركيا.
وجاء هذا الفائض التركي بسبب تحقيق ثلاثة مسارات بين البلدين فقط فائضا لمصر، وهي خدمات السفر والنقل والمبالغ الواردة للسفارة التركية، بينما حققت عشرة مسارات عجزا لمصر؛ أبرزها التجارة السلعية والمدفوعات عن الخدمات، بخلاف السياحة والنقل والاستثمار الأجنبي المباشر، واستثمارات الحافظة والاستثمارات الأخرى وتحويلات العمالة.
وباستعراض خريطة المتحصلات والمدفوعات بالعملات الأجنبية بين مصر وتركيا، خلال الخمسة عشر عاما الممتدة ما بين العام المالي 2004/2005 وحتى 2018/2019، يتبين تحقيق تركيا فائضا مستمرا خلال تلك السنوات، عدا عام وحيد وهو العام المالي 2012/2013 الذي شهد تولي الرئيس محمد مرسى، والذي قامت خلاله تركيا بمنح مصر قرضا متوسط الأجل بقيمة مليار دولار.
وهو ما يفسر بوضوح التغير في الخطاب التركي مع النظام الحاكم بمصر مؤخرا، للحفاظ على تلك الفوائض المتكررة، في وقت تزداد فيه حدة المشاكل الاقتصادية بسبب تبعات أزمة فيروس كورنا وتراجع السياحة والضغوط على الليرة التركية وارتفاع التضخم والبطالة، خاصة مع سعي السلطات التركية للحصول على نصيب أكبر من كعكة الاقتصاد المصري، حيث ساهمت الخلافات السياسية في محدودية الاستثمارات المتبادلة وحركة السفر بين البلدين، بل ووجود ضغوط غير مُعلنة على التجار المصريين المتعاملين مع تركيا، كما وصل الأمر إلى تعطيل مصر خط الرورو التركي عام 2014، والذي كان يساهم في توصيل جانب من السلع التركية لدول الخليج عبر الأراضي المصرية، رغم ما كان يدره من دخل إضافي لمصر!
twitter.com/mamdouh_alwaly