أكد باحثون
مصريون أن الأجهزة السيادية المصرية تتوجه نحو فرض مزيد من الرقابة على سفر
الباحثين للإمارات وعلى إنتاج المراكز البحثية ووسائل الإعلام العاملة في مصر
والتي تمولها أبوظبي على مدار 8 سنوات.
وخلال العقد
الأخير برز دور كبير للإمارات بمجال الدراسات والأبحاث، تعدى حدودها لتمويل مراكز
بحثية ومعاهد دراسية بدول أوروبا وأمريكا، مع استقطاب باحثين عرب وأجانب للترويج
لرؤيتها وتوجهاتها، وهو ما قامت به أيضا في مصر إثر ثورة يناير 2011.
وللإمارات
مراكز أبحاث سياسية واجتماعية واستراتيجية، مثل "الإمارات للدراسات والبحوث
الاستراتيجية" بداية من عام 1994 بأبوظبي، و"المسبار للدراسات
والبحوث" عام 2007 بدبي، و"المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"
عام 2013 بأبوظبي، و"تريندز للبحوث والاستشارات" عام 2014 بأبوظبي.
وتمول
الإمارات إلى جانب السعودية مراكز أجنبية مثل "التقدم الأمريكي"،
و"تشاثام هاوس"، و"بروكينجز"، و"الدراسات الاستراتيجية
والدولية"، و"معهد الشرق الأوسط"، و"برنت سكوكروفت للأمن
الدولي"، و"الأمن الأمريكي الجديد"، وأسستا معهد "دول الخليج
العربي" بواشنطن عام 2015.
وفي مصر، وبتمويل إماراتي تم تدشين "المركز
العربي للدراسات والبحوث"، وصحيفة "البوابة نيوز"، تشرين الثاني/
نوفمبر 2013، والتي يديرهما الصحفي المثير للجدل عبد الرحيم علي.
وتمول
الإمارات مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" ومركز "دال للأبحاث والإنتاج
الإعلامي"، وموقع "حفريات" الإلكتروني بالقاهرة، إلى جانب مؤسسة
"ذات مصر للدراسات والأبحاث".
التمويل الإماراتي لمراكز بحثية ووسائل إعلام
مصرية أكدته وزيرة التنمية والتعاون الدولي الإماراتية، لبنى بنت خالد القاسمي، في
كانون الثاني/ يناير 2015، بقولها إن الإمارات قدمت لمصر عام 2013 فقط، مساعدات ومنحا بلغت 16.99
مليار درهم إماراتي (أكثر من 4 مليارات دولار)، بعضها تعلق بتمويل أنشطة إعلامية،
وثقافية.
وفي المقابل، أكد باحثون أن الإمارات مؤخرا قلصت
دعمها إلى المراكز البحثية التي أنشأتها أو تمولها بنسبة كبيرة.
"فقدان الثقة"
صحفي وباحث
مصري مطلع على الملف، أكد أن تلك التطورات والرقابة الأمنية على مراكز البحث
الممولة إماراتيا وصلت حد تفتيش الباحثين المسافرين إلى الإمارات، مبينا أنها
"تأتي في سياق الخلاف الشديد بين السيسي، والإمارات، في ملفات ليبيا،
والسودان، وإثيوبيا".
وأشار
في حديثه لـ"عربي21"، إلى "قلق الأجهزة الاستخباراتية المصرية من
التوغل الإماراتي الكثيف في كل المجالات بمصر؛ وأن الجهات الأمنية بدأت محاصرة ما
يخص أبوظبي في ملف الإعلام والبحث العلمي".
الباحث الذي رفض ذكر اسمه لتعارض ذلك مع جهة
عمله، أكد أن "ذلك التضييق يرجع إلى نصائح قدمتها المخابرات العامة المصرية
في إطار السعي لاستقلالية القرار المصري بعيدا عن الإمارات"، مشيرا لحالة
فقدان ثقة بين الجانبين.
وألمح إلى أن الأمر وصل حد حديث البعض عن قيام
الأجهزة الأمنية المصرية بفحص المسافرين للإمارات أمنيا خاصة إن كانوا صحفيين أو
باحثين وأكاديميين.
وختم قائلا:
إن "السياسة لا تعرف إلا التقلبات"، ومؤكدا أن ما يتم في سياق التقارب
المصري التركي "هدفه الأساسي من قبل تركيا سحب مصر من حضن محمد بن
زايد".
"تغيرت المصالح"
من جانبه قال
الباحث في العلوم السياسية بـ"المركز الديمقراطي" محمد ثابت حسنين،
بحديثه لـ"عربي21"، إن "العامل الأساسي بمجال العلاقات بين الدول
هو المصلحة العليا للبلاد؛ فلا تعرف علاقات الدول صداقات دائمة ولا عداوات
مستمرة".
المحاضر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أضاف:
"ومثال ذلك، العلاقات الخليجية+ مصر من ناحية، وقطر من ناحية أخرى، فضلا عن
العلاقات المصرية التركية، حيث أن هذا السجال بمثابة المفسر لطبيعة العلاقات بين
الدول والقائمة على المصالح الدائمة ليس إلا".
وأوضح أن
"التقارب القوي بالعلاقات (المصرية- الإماراتية)، بدأ عام 2013، حينما
جمعتهما مصلحة التصدي لتيار الإسلام السياسيّ، فحدث التعاون وقامت الإمارات بضخ
الأموال بالمراكز البحثية وتعاملت مصر مع الأمر بحسن نية".
اقرأ أيضا: معارض مصري: الإمارات تشعل الفتنة بين مصر وتركيا (شاهد)
وأكد حسنين،
أنه "سرعان ما تغيرت الأحداث وتبدلت العلاقات، وربما المصالح، فبعد أن كانت
الإمارات الشريك الداعم لمصر؛ تبدلت الأحوال وتغير الهدف من إنشاء تلك المراكز،
ليندرج عملها بالآونة الأخيرة تحت مظلة الأعمال الاستخباراتية".
وتابع: "لاح الأمر في الأفق حينما فشل ملف
مفاوضات السد الإثيوبي؛ فجاءت طبيعة عمل هذه المراكز البحثية للتركيز على إجراء
تقارير الحالة، والتي بدورها تقيس الرأي العام من جهة وموقف القيادة السياسية من
جهة تجاه حالة بعينها مثل أزمة المياه".
وأشار الباحث المصري لأسماء بعض تلك المراكز،
التابعة للإمارات، ومنها "العربي للدراسات والبحوث، ودال للبحوث الإعلامية،
وذات مصر"، موضحا أن "تلك المراكز يمكن للسلطات المصرية السيطرة عليها،
ومراقبة أنشطتها ودراسات الحالة وقياس الرأي العام التي تجريها".
ويعتقد أنه في هذا الإطار "ستجد السلطات
تعاونا جادا من قيادات تلك المراكز، أمثال عبد الرحيم علي، المحسوب على النظام
المصري، لذا فلن تمثل تلك المراكز خطرا على مصر".
"مصيدة الذباب"
وحول معلوماته
عن مراكز البحث الممولة من الإمارات في مصر، قال رئيس المركز المصري لدراسات
الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" الباحث مصطفى خضري: "منذ ثورة
يناير والأموال الإماراتية تلعب دورا خطيرا بالمجال الإعلامي والبحثي المصري،
واستقطبت تلك الأموال أعداء التيار الإسلامي بشكل عام".
خضري، أضاف بحديثه لـ"عربي21"، أنها
"تارة تبذل لفلول نظام مبارك، وتارة تغدق على التيارات العلمانية، وبعد قضية
التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني في ٢٠١١؛ حل التمويل الإماراتي محل
الأجنبي، ولنفس الباحثين والإعلاميين، مع اختلاف الأسماء المعلنة للمؤسسات
والمنظمات التي يعملون تحت غطائها".
وأكد أنه "ليس المهم أسماء الباحثين
والمراكز، وإنما التوجهات والأهداف، فقد كان لتلك المؤسسات والمراكز أهداف معلنة
وأخرى خفية، فالمعلن منها محاربة التيار
الإسلامي وتأييد السيسي وتثبيت حكمه".
خبير التحليل
المعلوماتي وقياس الرأي العام، أشار إلى أن "الأهداف الخفية كانت لصالح
الكيان الصهيوني عن طريق تفتيت النسيج المجتمعي المصري وتوريط القوات المسلحة في
الصدام مع الشعب، وتقزيم دور مصر إقليميا ودوليا ومحاولة التحكم بالاقتصاد
المصري".
وحول أسباب تخوف الأجهزة السيادية الآن مما
تقدمه مراكز البحث الممولة إماراتيا، أكد أنه "حسب معلومات وصلتني؛ فالأجهزة
السيادية كانت تعلم أهداف الإمارات من تلك المراكز منذ البداية، وتركتها تعمل
كمصيدة للذباب بحيث يتجمع حولها كل من له علاقة بدعم الكيان الصهيوني من صحفيين
وباحثين وإعلاميين ورجال أعمال".
اقرأ أيضا: "هآرتس": مخاوف من سيطرة الإمارات على نظام التعليم بمصر
ولفت إلى أنه
"بذلك تصبح قراءة المشهد أكثر وضوحا عند تلك الأجهزة، التي قامت بزرع رجالها
بالمؤسسات الإعلامية والبحثية الممولة إماراتيا؛ حتى يتم توجيه مخرجات تلك
المؤسسات من أبحاث وتقارير كما تريد، وقد حانت تصفية تلك البؤر خاصة وأن الأجهزة
السيادية تدير المشهد المصري حاليا".
وأوضح أن
"الأجهزة السيادية المصرية كانت تعلم منذ البداية بالأهداف والتوجهات
الإماراتية التي تعمل لصالح الكيان الصهيوني، ولكن تلك الأجهزة اعتادت على
التحركات طويلة الأجل لتجميع أكبر قدر من المعلومات حول الخصم ولتحقيق أقصى
استفادة ممكنة من تواجده على الساحة المصرية".
وحول وجه الخطورة فيما تنتجه تلك المراكز والمواقع الصحفية من أبحاث، يعتقد
خضري، أنه "ليس هناك خطورة كما يظن البعض، فما تنتجه تلك المراكز كان على
غرار ما يطلبه المستمعون، فبخلاف توجهاتها المعادية للتيار الإسلامي؛ كانت مخرجات
هذه المراكز تحت سيطرة الأجهزة السيادية".
وأضاف أن
"ما يتم تمريره للممولين ومن وراءهم كان محسوبا، وكل العناصر البحثية
والإعلامية التي كانت تخرج عن سيطرة الأجهزة؛ كان يتم تحييدها إما باعتقالهم أو
إجبارهم على الخروج من مصر، وهو أحد أسباب اعتقال باحثين وإعلاميين محسوبين على
التيار العلماني والذين ساندوا السيسي بالانقلاب".
ولكن؛ هل هذا الانقلاب المصري على مراكز
الإمارات جاء بسبب مساسها بقضايا سيادية تخص السيسي نفسه؟
على العكس، يرى رئيس "تكامل مصر"،
والذي أكد أن "الانقلاب على تلك المراكز هو انقلاب على السيسي نفسه، فالسيسي
الآن معزول عن صناعة القرار في القضايا السيادية كماء النيل، والقوات المسلحة،
وملف الحدود البحرية إلخ، وتصفية البؤر الإماراتية هو تمهيد للتخلص من السيسي
نفسه".
لماذا ترفض إثيوبيا الوساطة وتتمسك بها مصر والسودان؟
ماذا وراء جولة رئيس وزراء العراق إلى الدول الخليجية؟
رصد حقوقي للانتهاكات بسيناء المصرية في إطار "حرب الإرهاب"