اخترت هاتين الشخصيتين الأدبيتين لعدة أسباب، تبدأ من أنهما يمثلان شريحة ذات حجم كبير في المجتمع الفلسطيني.. وعندما تشمل هذه الشريحة الأدباء والشعراء، فإن هذا يعني أن الفكر الذي تحمله هذه الشريحة ليس موقفاً سياسياً أو رأياً مؤقتاً بتوافق مع الظروف، بل هو قناعات ومنهج وأسلوب حياة.
ولم يخطئ صلاح الدين عندما كان يصر على أن المعركة مع "الفرنجة" وليست مع المسيحيين. بل اعتبر أن المسيحيين المشرقيين جزء لا يتجزأ من حضارة المنطقة. وقد أخبرني المطران عطا الله حنا أثناء مقابلة صحفية أجريتها معه، أن في كنيسة القيامة غرفة اسمها غرفة صلاح الدين التي بات فيها القائد عدة أيام في ضيافة رهبانها وربما حمايتهم، بعدما قدموا له الشكر بتحريرهم من الفرنجة.
وذات يوم سألت المفكر الفلسطيني أنيس صايغ عن دينه، فقال: "أنا علماني، ولكني مسيحي بالولادة وإسلامي بالحضارة". بل قال أكثر من ذلك: "أنا مع المقاومة، و"حماس" هي من يمثلني اليوم كفلسطيني".
هؤلاء الفلسطينيون، الذين إذا زرت مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية في بيروت ستجد قبر الشاعر كمال بطرس ناصر وزملائه تجاور قبور المفتي الحاج أمين الحسيني وأبي يوسف النجار وغسان كنفاني وزملائهم.
نقطتان أودّ لفت الانتباه إليهما:
1 ـ أن للفلسطيني المسيحي دوراً في الحضارة والنهضة والنضال الفلسطيني.
2 ـ أن الجنسية الفلسطينية ليست بطاقة هوية أو امتلاك أرض، بل هي انتماء وعمل ونضال (نخلة زريق من بيروت، وجورج متى جذوره يونانية).
المعلم نخلة زريق
الأديب والمعلم ومدرس اللغة العربية، وآدابها في مدارس القدس. وعضو جمعية الإخاء العربي، وأحد أعضاء هيئتها العاملة في القدس. الذي كان له دور تأسيسي في النهضة الأدبية الفلسطينية، حيث كان معلم عدد من أبرز روادها.
ولد في مدينة بيروت سنة 1861م، وتلقى علومه في مدرسة المعلم بطرس البستاني فتعلم العربية فيها على يد المعلم ناصيف اليازجي والشيخ يوسف الأسير. وأتقن علوم اللغة العربية، وحفظ القرآن وأتقن تجويده، واعتنى بما احتوى عليه من المبادئ.
جاء إلى القدس عام 1889م بطلب من المبشرين الإنجيليين وتسلم إدارة مخزن بيع الكتب الدينية التابع للإرساليات الإنجليزية. وفي عام 1892 تسلم إدارة "مدرسة الشبان الإعدادية"، وعلم فيها اللغة العربية بالإضافة إلى عمله الإداري. وقد بقي في مركزه هذا إلى أن توفي عام 1921م في القدس.
وكان مسكنه في القدس منتدى أدبياً يجتمع فيه أدباء القدس أمثال سليم الحسيني وموسى عقل وفيضي العلمي وغيرهم. وكان له الفضل في بعث اللغة العربية وقيام نهضة أدبية في فلسطين. وكانت له مكتبة عامرة بأمهات كتب اللغة والأدب والتاريخ. ولكن ظروف حياته التعليمية لم تتح له الفرصة لتأليف الكتب، فقد شغل عن ذلك بالتدريس والإدارة. غير أن يعقوب العودات يقول (عثرنا على مجموعة بقلمه وقلم المعلم عيد سالم تحمل اسم "مجموعة أشعار"، طبعت في القدس سنة 1903).
ومن أبرز سمات المعلم نخلة الصراحة البالغة وكبر النفس والإخلاص في عمله. اهتم بتدريس الصرف والإعراب من كتاب "فصل الخطاب" للشيخ ناصيف اليازجي.
وهو من المعتزين باللغة العربية والمعجبين بأسرار الفصاحة والبلاغة في القرآن. ومن مشاهير طلابه الفلسطينيين خليل السكاكيني، وبولس شحادة، وخليل طوطح، وجريس خوري، وحبيب خوري، وجورج متى، وإبراهيم طوقان، ووصفي العنبتاوي وغيرهم.. وهي شخصيات قادت النهضة الفلسطينية في موجتها الثانية. مما يدلّ على أهمية دوره في هذه النهضة.
وعُرف عن المعلم نخلة تعصبه لشرقيته وحماسته للأدب العربي والتراث الشرقي. وكان يحذر دائماً من أولئك الذين ما إن اتخذوا الزي الغربي حتى أخذوا يحتقرون لغتهم وتقاليدهم. وقال عنه تلميذه المربي خليل السكاكيني: "لقد كان شرقياً قحاً، متعصباً لشرقيته. ظل يلبس زيه الشرقي بعبائته وطربوشه..".
الشاعر جورج متى
ولد جورج متى في عكا عام 1872، وتعلم فيها على يد المعلم نخلة زريق، كان ميالاً للأدب ونظم الشعر في سن مبكرة. عندما أنهى الثانوية في كلية الشباب في القدس ارتحل إلى دمشق. وهناك أصدر سنة 1900 مع صديقه جورج السمان مجلة أدبية بعنوان "الشمس"، عاشت عاماً واحداً.
عمل في دمشق مترجماً في مشروع السكة الحديدية الحجازية، نظراً لإلمامه باللغات الأجنبية. ثم استُدعي إلى القدس لتدريس اللغة العربية في بعض المدارس المسيحية. ونظراً لتمكّنه من العربية واليونانية ومعرفته باللغات التركية والإنجليزية والفرنسية، عيّنه البطريرك دميانوس الأول سكرتيراً خاصاً في البطريركية في القدس.
عُرف عنه الشعر الغزلي الفكِه الذي كان يرتجله أحياناً. كما حصل معه حين قال أبياته المشهورة عنه، والتي قالها في صباه ارتجالاً في أحد شوارع القدس، حين رأى هناك فتاة بهرته بجمالها.
توفي في كانون الأول (ديسمبر) 1924 في طبريا ودفن في عكا.
من شعره:
ثوب الرياء
يُلَبِّسُ منه الكِبْريا بتواضعٍ
ويُخفي بما يبديه ضحْكاً على الذقنِ
يقول أنا العبدُ الفقير وقصدُه
مُدِلاً أنا المولى الخطيرُ لمن يُثْني
كما قالتِ الحسناءُ عُجْباً بنفسها
ألا إنني شَنْعا، تريدُ: انظروا حُسْني
الحظوظ
أهلُ المناصبِ ماتوا فقلَّدوها العُلوجا
من قِلَّةِ الخيلِ شدُّوا على الكلابِ السُّروجا
*كاتب وشاعر فلسطيني
"أبو شوشة".. مجزرة بشعة بحق فلسطين بقيت مجهولة 47 عاما
سلافة جاد الله.. من مؤسسي سينما الثورة الفلسطينية
70 أسيرا فلسطينيا أعدموا في مجزرة "عين الزيتون"