نشرت شبكة "بي بي سي" البريطانية تقريرا اعتبرت فيه أن عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأخير على الشعب الفلسطيني كشف عن "تحول مزلزل" في الحزب الديمقراطي الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية.
وينقل التقرير عن خبير استطلاعات الرأي، جون زغبي، الذي طالما عارض المواقف الأمريكية بشأن الشرق الأوسط، قوله إن هذا التحول "جذري ومزلزل"، حيث يزيد تعاطف الأجيال الأصغر مع الفلسطينيين، وهذه الهوة العمرية أصبحت واضحة تماما داخل الحزب الديمقراطي.
وفي الوقت الذي يعبر فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن عن وجهات نظر تقليدية، ويؤكد مرارا على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، يجد أن الأجواء الحزبية المحيطة به تعبر عن قلقها، على أقل تقدير، من ظروف معيشة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وترى أن سياسات الاحتلال تزيد من مآسيهم.
ولا يملك أكثر الديمقراطيين ميلا لحقوق الفلسطينيين رؤية متكاملة للحل، باستثناء التأكيد على ضرورة إقامة دولتين "تعيشان جنبا إلى جنب" وتقاسم القدس المحتلة بينهما، وفقا للقرارات الأممية، وهو ما لا يبدو أنه قد يتحقق بالتعويل على مواقف واشنطن، وفي ظل إصرار الاحتلال على تدمير الشعب الفلسطيني وإخضاعه.
فقد رفض بايدن التراجع عن قرار سلفه دونالد ترامب اعتبار "القدس الموحدة" عاصمة للاحتلال، وغياب أي حديث عن قطع كامل للمساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل أو إجبارها على إنهاء الاحتلال في الضفة والقدس ورفع الحصار عن قطاع غزة.
وإن كان التحول العميق في الحزب الديمقراطي لصالح الفلسطينيين يفرض ضغوطا على صانع القرار في واشنطن، إلا أن دولة الاحتلال لا تزال "حليفا استراتيجيا" ووكيلا لا غنى للولايات المتحدة عنه، مهما ارتفع صوت التقدميين في أروقة البيت الأبيض والكونغرس.
"تنوع" ضد الاحتلال
ووفق تقرير "بي بي سي"، فإنه يمكن البدء بالنظر في الكونغرس، كونه المؤسسة الأكثر تمثيلا للمناخ السياسي الأمريكي، لرصد تحول سياسات الحزب الديمقراطي.
وغالبا ما كانت تسيطر وجهات النظر المتعاطفة مع الاحتلال على السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالصراعات الإقليمية، بسبب أصوات الناخبين اليهود (وهي قاعدة كبيرة للحزب الديمقراطي) أو الكنيسة الإنجيلية (وهي قاعدة موازية للحزب الجمهوري).
وكان لزيادة التنوع في الكونغرس انعكاسات كبيرة على الموقف الأمريكي تجاه الاحتلال.
وفي عام 2021، بلغت نسبة السود واللاتينيين والآسيويين والأمريكيين الأصليين في غرفتي الكونغرس 23 بالمئة، وذلك وفقا لدراسة أجرتها مؤسسة "بيو".
وقبل عقدين فقط، كانت هذه النسبة 11 بالمئة، في حين لم تتعد واحدا بالمئة عام 1945.
وأدى هذا التنوع في الخلفيات إلى تنوع أكبر في وجهات النظر وتفتت للقوى. ويتجلى ذلك في مجموعة عضوات الكونغرس الليبراليات اللاتي يُطلق عليهن اسم "الفريق"، ومن بينهن الفلسطينية الأمريكية رشيدة طليب عن ولاية ميشغان، واللاجئة الصومالية إلهان عمر عن ولاية مينيسوتا.
وأحد أهم أفراد هذه المجموعة هي ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز عن ولاية نيويورك، التي فازت بالمقعد بعد الإطاحة بـ"جو كروالي"، أحد كبار أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، والذي طالما ساند "إسرائيل" في مواجهاتها السابقة في الأراضي المحتلة.
وبشكل عام، تعتبر أوكاسيو-كورتيز، البالغة 31 عاما وتعود أصولها إلى بورتوريكو، أكثر تمثيلا للحزب ولقاعدته الانتخابية مقارنة بكروالي البالغ من العمر 59 عاما، وهو أمر بالغ الأهمية.
وقال زغبي لـ "بي بي سي" إن "هناك قاعدة سكانية غير بيضاء، خاصة بين الديمقراطيين، وهم يشعرون بحساسية شديدة تجاه ما تلقاه المجتمعات غير البيضاء الأخرى. هم يرون إسرائيل كمعتدٍ".
وأضاف أن هذه المجتمعات غير البيضاء لا تعرف شيئا عن التاريخ؛ "هم يعرفون ما يجري منذ الانتفاضة، والحروب المختلفة، والقصف غير المتكافئ، والمدنيين الأبرياء الذين قُتلوا".
تأثير بيرني
وإذا كان للحركة التقدمية اليسارية دور في زيادة التنوع في الكونغرس وانتخاب أشخاص مثل أوكاسيو-كورتيز، فالفضل في ذلك يعود إلى رجل واحد، هو الديمقراطي الاشتراكي بيرني ساندرز.
نشأ بيرني كيهودي في المراحل الأولى من مسيرته السياسية في الاحتلال وعاش لبعض الوقت في ستينيات القرن الماضي هناك، وكان متعاطفاً مع السياسات الإسرائيلية بشكل عام. ومع خوضه معركة انتخابات الرئاسة لأول مرة عام 2016، عبر عن دعم أكبر للمخاوف الفلسطينية، وهو ما أحدث شرخاً بينه وبين المزاج العام في الحزب الديمقراطي.
وفي المناظرة الأولية مع هيلاري كلينتون في آذار/ مارس 2016، التي تزامنت مع هجمات صواريخ حماس تجاه الأراضي المحتلة، تحدث ساندرز بصراحة عن معاناة الفلسطينيين، وارتفاع معدلات البطالة "وظروف السكن المزرية والقطاع الصحي المتردي والتعليم المتردي".
وكتب صحفي الغارديان آنذاك، إد بيلكينغتون، أن هذا الخطاب كسر "قاعدة راسخة" بأن الحديث عن معاناة الفلسطينيين قضية خاسرة بالنسبة للساسة الساعين للمناصب العليا.
وبالطبع خسر ساندرز السباق الانتخابي، لكن شعبية الأفكار التي طرحها فتحت الباب أمام الديمقراطيين المغمورين للدفع بها ومناقشتها، تماما كما فعلوا في غيرها من القضايا التقدمية، مثل التأمين الصحي والتعليم الجامعي المجاني ورفع الحد الأدنى للأجور والإصلاح البيئي.
ترامب و"بيبي"
وما زاد من تعقيد الأمر بالنسبة للديمقراطيين التقليديين الموالين لدولة الاحتلال هو زيادة التحزب والشقاق داخل الحزب، كحال كل القضايا التي لها علاقة بالسياسات الأمريكية.
وساعد على ذلك إلى حد كبير النهج الذي اتبعه نتنياهو، عبر توطيد علاقاته باليمين الأمريكي خلال السنوات الأخيرة. ولا ينسى الديمقراطيون في عهد أوباما خطاب نتنياهو أمام جلسة مشتركة للكونغرس عام 2015 بدعوة من الجمهوريين وألقى خطاباً عاصفاً أمامه في محاولة يائسة لحث الكونغرس على عدم المصادقة على الاتفاق النووي الإيراني.
وفي المقابل، أمضى ترامب سنوات حكمه الأربع وهو يتفاخر بعلاقته القوية بنتنياهو واليمين الإسرائيلي، وقطع المساعدات الإنسانية عن السلطة الفلسطينية، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتجاهل الفلسطينيين في محادثات السلام في الشرق الأوسط.
ودفعت هذه الخطوات السلبية من جانب ترامب ونتنياهو حتى بعض المعتدلين في الحزب لإعادة التفكير في موقفهم من أوضاع الفلسطينيين.
ويرى زغبي أن هذا النهج قد يستمر، لأن جهود ترامب لتعزيز المصالح الإسرائيلية لم تترجم إلى زيادة دعم الأصوات اليهودية للجمهوريين.
"هذا مجرد حلم يراود الجمهوريين. الحقيقة هي أن اليهود الأمريكيين ليبراليون تقدميون بالأساس".
وإذا نجح الديمقراطيون في إرضاء قاعدتهم التقدمية دون تحييد الناخبين اليهود التقليديين، ستصبح بذلك الحركة السياسية أكثر سهولة.
اعتراف مثير لطيار إسرائيلي: قصفنا الأبراج للتنفيس عن إحباطنا
"غانتس" يهدد السنوار والضّيف ويبرر الهزيمة في غزة
النرويج تعاقب الشركات المرتبطة بالاستيطان في الضفة