قال الكاتب جوناثان كوك إن الفلسطينيين في إسرائيل يطالبون بالمساواة، وإنهاء الإذلال والشيطنة التي تتعرض لها هويتهم الفلسطينية على أيدي الإسرائيليين، واصفا التعايش بأنه "هش".
وأشار كوك في مقال نشره
موقع "ميدل إيست آي"، وترجمته "عربي21"، إلى أنه "بعد
ساعات من سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، فتحت البلدة القديمة في
مدينة عكا الواقعة على الساحل الشمالي من إسرائيل أبوابها ثانية للزوار".
ولفت كوك إلى أن الشباب
انفجر في عكا في احتجاجات غاضبة هذا الشهر، وقد أثارتهم مشاهد القسوة الإسرائيلية في
القدس المحتلة وآثار الصواريخ المدمرة داخل غزة، الأمر الذي عزز لديهم الإحساس بالتهميش
وسوء المعاملة بشكل روتيني داخل الدولة اليهودية.
وتابع: "بدا وكأنما هناك جيل جديد من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل
– متواصل مع العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي – قد وصل إلى نقطة الانفجار، يصرخ
بأعلى صوته مطالباً بالمساواة، وبإنهاء الذل والهوان والشيطنة التي تتعرض لها هويتهم
الفلسطينية على أيدي مواطنيهم اليهود".
اقرأ أيضا: MEE: الفلسطينيون يواجهون اليهود الفاشيين في أراضي 48
وأكد الكاتب أن رد الشرطة الإسرائيلية
جاء سريعاً وقوياً، وذلك على الرغم من أن معظم الاحتجاجات داخل المجتمعات الفلسطينية
لم تكن عنيفة. ولتعزيز الشرطة النظامية، تم استدعاء شرطة الحدود شبه العسكرية، والتي
عادة ما يتم نشرها في الأراضي المحتلة.
وتاليا نص المقال كاملا:
يوم الجمعة الماضي، بعد ساعات من بدء سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس
الذي أنهى أحد عشر يوماً من قتال سقط فيه أكثر من 260 فلسطينياً وحاق الدمار بمساحات
واسعة من غزة، فتحت البلدة القديمة في مدينة عكا الواقعة على الساحل الشمالي من إسرائيل
أبوابها ثانية للزوار.
هذا الغيتو (الحي المعزول) المحشور
داخل المدينة اليهودية الحديثة الأكبر بكثير والتي تحمل نفس الاسم كان قد شهد على مدى
ما يقرب من أسبوعين ما وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بأعمال الشغب، لدرجة أن الشرطة
أعلنته فعلياً مكاناً لا ينبغي الاقتراب منه.
وكما هو الحال في المجتمعات
الفلسطينية الأخرى في مختلف أرجاء إسرائيل، انفجر الشباب في عكا في احتجاجات غاضبة
هذا الشهر، وقد أثارتهم مشاهد القسوة الإسرائيلية في القدس المحتلة وآثار الصواريخ
المدمرة داخل غزة، الأمر الذي عزز لديهم الإحساس بالتهميش وسوء المعاملة بشكل روتيني
داخل الدولة اليهودية.
بدا وكأنما هناك جيل جديد من
المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل – متواصل مع العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي
– قد وصل إلى نقطة الانفجار، يصرخ بأعلى صوته مطالباً بالمساواة، وبإنهاء الذل والهوان
والشيطنة التي تتعرض لها هويتهم الفلسطينية على أيدي مواطنيهم اليهود.
جاء رد الشرطة الإسرائيلية سريعاً
وقوياً، وذلك على الرغم من أن معظم الاحتجاجات داخل المجتمعات الفلسطينية لم تكن عنيفة.
ولتعزيز الشرطة النظامية، تم استدعاء شرطة الحدود شبه العسكرية، والتي عادة ما يتم
نشرها في الأراضي المحتلة.
نشرت صحيفة هآريتز اليومية هذا
الأسبوع عن مصدر في الشرطة قوله إن قواته استخدمت من القنابل الصوتية داخل إسرائيل
خلال الأسبوعين الماضيين أكثر مما استخدمته على مدى العشرين عاماً الماضية، كما استخدمت
بشكل روتيني قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المغطى بالإسفنج.
ولكن الأكثر إزعاجاً من ذلك
أن المجموعات اليهودية اليمينية المتطرفة سارعت إلى "مساعدة" الشرطة بتحريض
من وزراء الحكومة الإسرائيلية – وذلك لإنجاز نمطهم من "العدالة"، من خلال
التجول في الشوارع ومهاجمة كل من يبدو من ملامحه أنه "عربي".
حركة ارتجاعية من قبل الإسرائيليين
اليهود
كان أول من لقي حتفه في أحداث
العنف تلك فلسطيني، هو أب لثلاثة أطفال، أطلقت عليه النيران في مدينة اللد حينما تعرض
له أربعة من المسلحين اليهود. وبالقرب من مدينة تل أبيب، تم سحب سائق سيارة أجرة من
سيارته وضربه ضرباً مبرحاً بعد أن هاجمت مجموعة من الرعاع محلاً يملكه مواطن فلسطيني
وهشموا زجاجه في غياب تام للشرطة.
كانت تلك المشاهد، والعنف الذي
مارسته الشرطة، هي ما حولت الاحتجاجات سريعاً إلى مواجهات أعلنتها وسائل الإعلام والسياسيون
"مذابح"، وهو توصيف أبعد ما يكون عن الواقع.
قد لا يتم بسهولة ترجمة اتفاق
إسرائيل على وقف إطلاق النار مع حماس إلى وضع حد للتوترات بين الأغلبية اليهودية والأقلية
الفلسطينية داخل إسرائيل. فعلى الرغم من أن عكا أعيد فتحها إلا أن مطاعم السمك ذائعة
الصيت حول الميناء ما زالت بالمجمل خالية من الرواد حتى الآن.
وكذلك هو حال القوارب السريعة
التي عادة ما تمخر عباب مياه البحر وهي مكتظة بالباحثين عن الإثارة والمتعة، إذ ما
تزال راسية على جانب الرصيف بلا حراك.
بعد أن عانوا من فقد السياح
بسبب الجائحة التي ضربت العالم بأسره ها هم السكان الفلسطينيون في البلدة القديمة من
عكا يجدون أنفسهم في مواجهة حركة ارتجاعية من قبل اليهود الإسرائيليين. في أحد المطاعم
الشهيرة داخل البلدة القديمة، وحيث لم يكن هناك سوى مائدة واحدة مشغولة اجتمعت حولها
عائلة محلية، قال لي النادل ما يلي: "لا أتوقع رؤية اليهود الإسرائيليين هنا في
القريب. فلسوف يرغبون في معاقبتنا."
يشكل الفلسطينيون في إسرائيل
خمس السكان، وهم ينحدرون من القلة القليلة من الفلسطينيين الذين نجوا من عمليات الطرد
الجماعي التي حصلت في عام 1948 وتمخضت عن إقامة إسرائيل على أنقاض وطنهم.
واليوم يعيش هؤلاء الفلسطينيون،
الذين يصل تعدادهم إلى 1.8 مليون نسمة، داخل بلدات وقرى معزولة بشكل كامل، مواطنون
بالاسم فقط لا غير. ولم تفلح حتى الآن احتجاجاتهم ضد التمييز المنظم الذي تمارسه الدولة
بحقهم في كسب تعاطف وتفهم الجمهور اليهودي. بل على العكس من ذلك، لم ينجم عنها سوى
تعميق انعدام الثقة وتبرير القسوة التي تتعامل بها الشرطة معهم.
سواء بسبب الخوف أو كجزء من
سلاح المقاطعة، أو ربما لمزيج منهما معاً، نأى الإسرائيليون اليهود بأنفسهم عن المجتمعات
الفلسطينية داخل إسرائيل مثل عكا التي كانت تعج بهم شوارعها من قبل. ففي الأزمنة الطبيعية
كانوا يأتون إلى هنا لتناول المأكولات العربية ولشراء البضائع ذات الأسعار المنخفضة
من الأسواق المفتوحة، ولإصلاح سياراتهم بتكاليف زهيدة أو لزيارة المواقع الأثرية والتاريخية.
ذلك هو مدى ما تحقق من
"تعايش" في إسرائيل. ولكن حتى تلك الرابطة الهشة لم تعد الآن موجودة. وها
هي الأقلية الفلسطينية تدفع ثمناً باهظاً تارة أخرى لمجرد أنها ترفع صوتها احتجاجاً
على القهر الذي تمارسه بحقها الأغلبية اليهودية.
"حصان طروادة" الفلسطيني
إلا أن المجتمعات العربية تواجه
أكثر من مجرد المقاطعة من قبل الزبائن. فالشرطة أحرص ما تكون على أن يراها الناس وهي تصفي حساباتها مع الأقلية الفلسطينية التي تجرأت على تنظيم الاحتجاجات.
ففي المقابلات التي تجرى معهم
يتحدث ضباط الشرطة عن ندمهم لأنهم كانوا "في غاية اللين" ومترددين في استخدام
القوة. وصرح أحدهم لصحيفة هآريتز هذا الأسبوع قائلاً: "أهم شيء الآن هو استعادة
الردع، وإلا فإنهم سيتمادون في التصعيد القادم."
وقد تفسر سياسة الردع تلك حملة
الاعتقالات الجماعية التي شنتها الشرطة يوم الاثنين ووصفتها بأنها "عملية القانون
والنظام من أجل تقديم المشاغبين والمجرمين وجميع من شاركوا في الاضطرابات إلى العدالة."
بلغ عدد من ألقي القبض عليهم حتى الآن 1550 شخصاً الغالبية العظمى منهم من المواطنين
الفلسطينيين، بينما يتم تجاهل عنف الشوارع الذي مارسه اليهود من أتباع التيار اليميني
المتطرف.
كما حرصت الشرطة على إثبات وجودها
من خلال إقامة نقاط التفتيش داخل ما يمسى بالمدن المختلطة مثل يافا، حيث يوقفون كل
من يبدو من ملامحه أنه فلسطيني ويتعرضون له بالمضايقة. وكل ذلك يجري بفضل ما مارسه
السياسيون الإسرائيليون من تحريض أثناء الاحتجاجات، حيث رسخوا الانطباع بأن تهديداً
دائماً يتربص بالجمهور اليهودي من قبل الأقلية الفلسطينية.
خذ على سبيل المثال الرئيس الإسرائيلي
روفين ريفلين الذي وصف المتظاهرين الفلسطينيين بأنهم "رعاع من العرب المتعطشين
للدماء" خرجوا لارتكاب "مذابح" بحق اليهود الإسرائيليين. بينما ساوى
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المحتجين – والذين يمثلون قطاعاً كبيراً من الشباب الفلسطيني
في إسرائيل – بالإرهابيين.
كما قال إن المحتجين الفلسطينيين
في إسرائيل يشكلون تهديداً أمنياً أخطر بكثير من ذلك الذي تشكله صواريخ حماس. ولقد
عزز مثل هذا الحديث الرواية التي ما لبث اليمين القومي المتطرف ينسجها خلال العقدين
القادمين والتي ترى أن المواطنين الفلسطينيين يشكلون تهديداً داخلياً – حصان طروادة
يعمل من الداخل خدمة لمصالح الفلسطينيين في الخارج مثل حماس.
عدوان الشرطة
تعتبر احتجاجات هذا الشهر إلى
حد كبير صدى للأحداث التي جرت في عام 2000 في بداية الانتفاضة الثانية.
فحينها، كما الآن، اقتحمت الشرطة
المجتمعات الفلسطينية داخل إسرائيل لسحق الاحتجاجات التي انطلقت تضامناً مع الفلسطينيين
في الضفة الغربية وقطاع غزة. وخلال أيام معدودة قتلت الشرطة ثلاثة عشر متظاهراً فلسطينياً
أعزل داخل إسرائيل وأصابت المئات بجروح.
تمت تغذية وتبرير عدوان الشرطة
من خلال نظرة خاطئة، ولكنها سائدة، تعتبر أن المحتجين كانوا يسعون إلى الإطاحة بالدولة
من داخلها. وتلك رواية لم يتم التصدي لها بجدية لتفنيدها. وظل بعدها اليهود الإسرائيليون
لسنوات يقاطعون البلدات الفلسطينية بما في ذلك الناصرة من باب الانتقام.
ولكن كان هناك رد فعل سياسي
أعمق وأكثر ديمومة. فجل الجمهور اليهودي فسر أحداث أكتوبر / تشرين الأول على أنها تأكيد
لشكوك طالما ساورتهم بأن كل الفلسطينيين – بما في ذلك جيرانهم الذين لا يحبونهم داخل
إسرائيل – هم شيء واحد، ولا يمكن الثقة بهم، لأنهم يعملون معاً للوصول إلى هدف مشترك
ألا وهو الدفع باليهود نحو البحر.
كانت ثمرة تلك المنظومة من الاعتقاد
هي أولاً انتخاب حكومة يقودها مجرم الحرب الكبير آرييل شارون ثم تعزيز اليمين القومي
المتطرف، الآخذ بالتنامي، من حول نتنياهو الذي بات الآن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي
يمكث في الحكم لأطول فترة من الزمن.
وتلك المنظومة من الاعتقاد كانت
أيضاً الجزء الأكبر من السبب الذي جعل اليمين اليهودي المتطرف على أهبة الاستعداد للخروج
بسرعة شديدة إلى الشوارع من أجل "كسر الوجوه" عندما انطلقت احتجاجات الأقلية
الفلسطينية هذا الشهر.
ولقد وثقت المؤسسات القانونية
ومجموعات حقوق الإنسان الانتشار الآني تقريباً لمجموعات وسائل التواصل الاجتماعي لليمين
المتطرف الذين خططوا وسلحوا أنفسهم لشن هجمات على المواطنين الفلسطينيين. كان معظم
هؤلاء من سكان المستوطنات أو ممن يتحالف معهم. لم يكن ذلك تفجرا تلقائيا لأعمال العنف،
بل في بعض الأحيان كان المستوطنون ينقلون بالحافلات مع أسلحتهم إلى "المدن المختلطة"
لوضع هتافهم "الموت للعرب" حيز التنفيذ.
والأكثر إزعاجاً هو ذلك الدليل
الذي ما لبث أن خرج إلى الضوء بما يفيد أن هذه العصابات اليهودية العنيفة كانت في كثير
من الأحيان كما يبدو تعمل بترخيص من الشرطة أو حتى بتنسيق تام معها. فقد أعفوا من حظر
التجول الذي كانت تفرضه الشرطة على كل من عداهم، ووقع تصويرهم وهم يلقون الحجارة باتجاه
المواطنين الفلسطينيين بجانب ضباط الشرطة الذين كانوا يطلقون عليهم قنابل الصوت.
لو كانت تلك سياسة متبعة من
قبل الشرطة فالأغلب أنها أقرت من قبل وزير الشرطة عامير أوهانا الحليف المقرب من نتنياهو.
فبينما كانت العصابات اليهودية تعيث فساداً داخل المناطق الفلسطينية في إسرائيل دعا
الجمهور اليهودي لأن يطبقوا القانون بأنفسهم، واصفاً المواطنين اليهود بأنهم
"مضاعفو القوة" – الذراع الطويل لعنف الشرطة.
اعتبر أوهانا أن أولويته تتمثل
في تسهيل إجراءات حصول اليهود الإسرائيليين على رخص اقتناء السلاح، وهناك نهم لذلك،
بدليل أن الطلبات تضاعفت سبعة أضعاف خلال الأيام الأخيرة.
تنامي "شباب رؤوس التلال"
على مدى ما يزيد من عقدين شهدت
البلاد نمواً مضطرداً في أعداد المتطرفين الدينيين العنيفين الذين يعيشون في العمق
من الضفة الغربية والذين يروعون الفلسطينيين تحت الاحتلال، ومع ذلك يتم تجاهلهم أو
يحظون بمساعدة وحماية الجنود الإسرائيليين.
والآن بلغ هؤلاء الذين كان يطلق
عليهم "شباب رؤوس التلال" سن الرجولة، ويعملون في حشد وتنظيم جيل جديد من
الفاشيين اليهود. يلتزم هؤلاء المتطرفون باستخدام العنف ضد الفلسطينيين أينما عاشوا،
سواء في المناطق المحتلة أم داخل إسرائيل. وكما أنهم باستمرار يجدون لأنفسهم حلفاء
داخل الجيش الإسرائيلي، يبدو أنهم الآن يجدون نفس الدلال داخل أوساط الشرطة.
وعلى مدى العقدين الماضيين،
طور اليمين المتطرف في إسرائيل ليس فقط قيادة سياسية، تلك التي لم يلبث نتنياهو يحتضنها
ويشركها في حكوماتها الائتلافية، وإنما أيضاً شبكة كاملة من منظمات المجتمع المدني.
تشن مجموعة مثل إم ترطوز حرباً
ثقافية الهدف منها شيطنة المواطنين الفلسطينيين لمجرد أنهم يتمسكون بهويتهم وبلغتهم
وبروايتهم. بينما تعمل مجموعة ليهافا على بث الرعب في نفوس الناس للحيلولة دون الزواج
بين اليهود والفلسطينيين، وتقوم في سبيل ذلك بتشكيل دوريات تجوب الشوارع وتهاجم الفلسطينيين،
على الرغم من أن مثل هذه الزواجات نادرة الحدوث أصلاً. أما مجموعة ريغافيم فقد أثبتت
مهارة فائقة في التلاعب بنظام المحاكم في إسرائيل، وهو نظام عنصري أصلاً، لإصدار أوامر
قضائية بهدم منازل الفلسطينيين، بينما تعمل مجموعة هونينو عبر نفس المحاكم من أجل تبرئة
من يرتكبون جرائم الإرهاب اليهودي.
لا يرى أي من هؤلاء فرقاً بين
الفلسطينيين في المناطق المحتلة والفلسطينيين المواطنين داخل إسرائيل.
لم تكتف هذه المجموعات بتحويل
شيطنة الفلسطينيين، بما في ذلك الفلسطينيون من مواطني إسرائيل، إلى ممارسة شعبية، ولكنها
قامت أيضاً بإعداد الأرضية لمزيد من الانغماس من قبل اليهود الإسرائيليين في العنف
الموجه ضد الأقلية الفلسطينية. في السابق كان الجمهور الإسرائيلي سعيداً بتولي قواته
الأمنية مهمة التنكيل بالفلسطينيين، أما الآن فبات قسم من السكان يرغب في أن يكون قادراً
على المشاركة أيضاً.
دل على كيفية استيعاب ذلك وترسيخه
ليصبح ثقافة شعبية سياسية في إسرائيل المكالمة الهاتفية الصادمة التي جرت بين أحد أئمة
المساجد في مدينة اللد وبرنامج إذاعي يقدمه صحفيان إسرائيليان. سألهما الشيخ إن كان
مسموحاً لليهود "بأن يذبحونا"، فأجابه مقدم البرنامج يينون ماغال:
"نعم، هكذا سينتهي بهم الأمر، صحيح." ثم أضاف ماغال: "لقد نسيتم القوة
التي يملكها اليهود." ثم تدخل زميله في البرنامج بين كاسبيت وهدد بكلمات نابية
بأن ثمة 1948 أخرى تنتظركم – يقصد تلك اللحظة التي قامت فيها إسرائيل بعملية تطهير
عرقي لإخراج الفلسطينيين من وطنهم.
انسداد انتخابي
مما عقد الأمور أكثر وزاد من
توتر العلاقات بين الأغلبية اليهودية والأقلية الفلسطينية أن إسرائيل بدأت في خفض أسوار
قلعتها اليهودية لتشارك بانفتاح أكبر في نشاطات الاقتصاد العالمي.
كعضو منذ 2010 في منظمة التعاون
الاقتصادي والتنمية، والتي هي عبارة عن ناد لأغنى بلدان العالم، تعرضت إسرائيل بشكل
مستمر للضغط حتى تفتح مساحات محدودة وقليلة من اقتصادها لجميع المواطنين، بما في ذلك
الفلسطينيون، وخاصة في قطاعي التقنية العالية والصحة. ومع نمو الطبقة المتوسطة الفلسطينية،
رغم صغر حجمها، وبروزها داخل إسرائيل، تكثفت المطالب بالمساواة السياسية.
لم يكتف السياسيون الإسرائيليون
برفض تقديم أي تنازلات بل ذهبوا إلى مضاعفة الإجراءات القمعية وسن المزيد من التشريعات
العنصرية، مثل قانون الدولة القومية الذي يشرعن فكرة التفوق اليهودي على المواطنين
الفلسطينيين.
ومع ذلك يشعر الجمهور اليهودي،
وبشكل متزايد، بأنه مهدد بسبب التواجد البارز للأقلية الفلسطينية بفعل اندماجها في
الحياة الاقتصادية في البلاد.
ولقد تعمق هذا الانقسام خلال
العامين الماضيين بسبب الانسداد الانتخابي الذي تعاني منه البلاد. فلا نتنياهو ولا
منافسوه تمكنوا من تشكيل حكومة أغلبية بدون الحصول على دعم كتلة من المشرعين الذين
ينتسبون إلى الأحزاب الفلسطينية. ولتجنب الوصول إلى هذه النتيجة نظمت إسرائيل أربع
انتخابات متعاقبة.
يرى كثير من اليهود الإسرائيليين
أن المواطنين الفلسطينيين يحتجزون النظام السياسي رهينة لديهم، الأمر الذي استحال معه
على اليهود أن يحكموا دولتهم اليهودية دون تقديم تنازلات كبيرة "لطابور خامس"
من الفلسطينيين. وذلك ما غذى النجاح المفاجئ في انتخابات مارس / آذار لليمين اليهودي
الذي لا يخفي فاشيته.
وأما بالنسبة للأقلية الفلسطينية،
فقد بات أوضح من أي وقت مضى أنه لا يوجد حزب يهودي واحد – مهما كان يدعي من الاعتدال
– لديه الرغبة في العمل مع الأحزاب الفلسطينية. وهذا الانسداد الانتخابي يعبر عن الانسداد
السياسي الساعي إما للبحث عن السلام مع الفلسطينيين تحت الاحتلال أو المساواة معهم
داخل إسرائيل.
عودة إلى أيامها القبيحة
إن عقيدة الدولة التي تحول دون
تمكن إسرائيل من التفاوض على إنهاء الاحتلال في الضفة الغربية وفي القدس، أو إنهاء
الحصار المفروض على غزة، هي نفس العقيدة التي تبقي الأقلية الفلسطينية مهمشة وعرضة
للتمييز وللشيطنة.
وتلك العقيدة لها اسم، إنها
الصهيونية، وهي متجذرة في تقليد استعماري استيطاني يرتبط ارتباطاً وثيقا بتاريخ أوروبا
وما يسمى "العالم الجديد" الذي غزته الشعوب الأوروبية – في الولايات المتحدة
وكندا وأستراليا وجنوب أفريقيا ونيوزيلندا وغيرها من الأماكن.
بعد وقت قصير من وقف إطلاق النار
مع حماس، عادت إسرائيل إلى أساليبها القديمة القبيحة، ممارسة لنفس السياسات التي بسببها
اندلعت المواجهة التي استمرت لأحد عشر يوماً.
فتحت حماية قوات الشرطة المدججة
بالسلاح، عاد الإسرائيليون المتدينون المتطرفون إلى ساحة المسجد الأقصى المحتل، مصممين
على إخضاعه للسيادة الإسرائيلية الكاملة. وقامت الشرطة الإسرائيلية تارة أخرى بالاعتداء
على المصلين المسلمين هناك.
وقريباً ستعود إلى أروقة المحاكم
الإسرائيلية القضية المؤجلة التي رفعتها الدولة الإسرائيلية والمستوطنون لإخراج العائلات
الفلسطينية من بيوتها في القدس الشرقية المحتلة. وخلال نهاية الأسبوع تم كذلك الاعتداء
على المحتجين الذين يسعون لوقف عمليات الإخلاء من حي الشيخ جراح في القدس.
لن يختفي السبب الذي أثار غضب
الفلسطينيين، فلسوف تستمر الإساءات والانتهاكات، ولسوف يتراكم السخط في أوساط الفلسطينيين
إلى أن يجد لنفسه متنفسا، سواء عبر الاحتجاجات أو عبر الصواريخ.
وهذا هو الذي يستخدم المجتمع
الدولي لوصفه عبارة ضبابية هي "دورة العنف". ولكنها ببساطة دورة العدوان
الإسرائيلي والتواطؤ الغربي. ولسوف يستمر الفلسطينيون في النضال لأنه لا خيار لديهم
سواه طالما أن إسرائيل وحلفاءها لا يقدمون لهم سبيلاً آخر يوصلهم إلى الكرامة والحرية.
VOX: ماذا يتعلم يهود أمريكا عن إسرائيل والفلسطينيين؟
FP: حان الوقت لإنهاء "العلاقة الخاصة" مع "إسرائيل"
FT: نتنياهو يستغل الحرب للحصول على فرصة جديدة