لا تمر عدة أيام حتى تقتحم طواقم بلدية الاحتلال أحياء بلدة سلوان الواقعة إلى الجنوب من المسجد الأقصى المبارك، حيث تسلم أهاليها إخطارات بالهدم بحجة عدم الترخيص أو مخالفات البناء.
وبينما يتحدث الأهالي عن حياة أشبه بالكابوس اليومي؛ يؤكد الخبراء والنشطاء في البلدة أن هذه الإخطارات ما هي إلا جزء من مشاريع إسرائيلية تهويدية تستهدف محو الوجود الفلسطيني فيها.
وخلال السنوات الماضية برزت بلدة سلوان واحدة من أبرز الأطماع الإسرائيلية التي يستهدفها الاحتلال بشكل يومي؛ حيث يتصدر حاليا حي بطن الهوى قائمة هذه الأطماع للاستيلاء على منازل أكثر من ٨٠ عائلة فلسطينية لصالح المستوطنين تحت ذرائع عدة.
المشاريع التهويدية
الخبير في شؤون الاستيطان والباحث الميداني فخري أبو دياب تحدث لـ"عربي21" عن أبرز المشاريع التهويدية في البلدة خلال السنوات الأخيرة؛ حيث يستهدفها الاحتلال لأنها الحامية الجنوبية والجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى والملاصقة له وللبلدة القديمة.
وأوضح "أبو دياب" أن الاحتلال يدعي أن سلوان كانت نواة البداية لدولة اليهود الأولى قبل ٢٥٠٠ عام؛ ويريد إثبات أحقيتهم بها بعد أن فشل في إيجاد أي دليل أو حضارة؛ ولذلك فإن الحفريات مستمرة أسفل أحيائها، ولكن الهدف الحقيقي لتهويد سلوان هو إبعاد السكان عن منازلهم وخاصة المحيطين بالمسجد الأقصى المبارك.
المشاريع التهويدية تبدأ بالقصور الأموية التي هي جزء من سلوان وملاصقة للسور الجنوبي للمسجد، وذلك لإقامة ما تسمى بمرافق الهيكل وهي البداية والخطوة الأولى لإقامة الهيكل المزعوم، والخطوة الثانية هي منطقة وادي حلوة والتي يدعي الاحتلال أنها كانت منطقة إدارة الحكم لدولة اليهود الأولى حسب زعمهم.
وقال أبو دياب إن المخطط الآن يتم لمشروع "كيدم" الضخم بمساحة ١٣ ألف متر مربع لإقامة متحف توراتي ومركز خدماتي لترويج الروايات التهويدية في سلوان؛ وأيضا لمراقبة المسجد الأقصى خاصة أنه يبعد أمتارا عن السور الجنوبي للمسجد.
الحفريات والأنفاق هي من أخطر مشاريع الاحتلال في سلوان؛ حيث إن البلدة تحوي كنزا من الآثار والتاريخ الذي يدلل على الهوية الحقيقية لها يعود إلى حضارات مختلفة مثل حضارة الكنعانيين والرومانيين والبيزنطيين والعرب والمسلمين.
وقام الاحتلال بحفر 21 نفقا ما زال يعمل عليها حتى الآن لتحطيم الإرث الحضاري في هذه المنطقة والتاريخ؛ وتزوير بعضها ليحيك الخيوط لإقامة حضارة مزورة تثبت أحقية "اليهود" فيها زوراً.
اقرأ أيضا: اقتحام للأقصى.. وقرار جديد لمحكمة الاحتلال حول سلوان (شاهد)
وأضاف أبو دياب أن مسجد عين سلوان هو أول مسجد يبنى في القدس خارج أسوار البلدة القديمة؛ وهو وقف إسلامي بالإضافة إلى عين سلوان التاريخية وبستان سلوان منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان؛ ويجري العمل على تهويدها لإقامة حدائق توراتية وتلمودية ومجمعات لغسل أدمغة الزوار والناس ممن يصلون إلى المنطقة.
وتابع: "خاصة أن النفق الذي يصل بين منبع أو مخرج مياه عين سلوان في ما تسمى عين العذراء التي كانت السيدة مريم عليها السلام تغسل ثياب سيدنا عيسى -عليه السلام- فيها، وصولا إلى البركة المشهورة حسب الروايات المسيحية التي تقول إن هذا الموقع هو الذي ألقى به سيدنا عيسى الماء على الرجل الضرير وأعاده بصيرا، وهي موجودة في سلوان".
بستان سلوان جزء من الوقف الإسلامي كذلك؛ وهو أول وقف إسلامي خارج جزيرة العرب حيث تم وقفه ورعيه لزوار وعباد ونساك المسجد الأقصى، وبعد ذلك قام صلاح الدين الأيوبي بعد تحرير القدس بإعادة هذا الوقف وقام بترميم العين وبستان سلوان ليكون أيضا وقفا إسلاميا.
أما منطقة وادي الربابة ففيها الكثير من المشاريع التهويدية على الأرض وتتم تهيئة المنطقة لإقامة القطار الهوائي الذي يبدأ من الجزء الغربي من القدس وصولا إلى باب المغاربة والالتفاف على البلدة القديمة والمسجد الأقصى.
وأكد أبو دياب في حديثه لـ"عربي21" أنه في منطقة واد ياصول هناك محاولة تهويد وعدم إعطاء تراخيص وأوامر هدم للمباني القائمة؛ وهي منطقة مهددة بإقامة مشاريع تهويدية ومسارات توراتية.
وفي حي بطن الهوى هناك نية لإقامة مشاريع تهويدية بعد مخطط طرد ٨٦ عائلة والاستيلاء على منازلها بادعاء ملكية اليهود للأراضي منذ عام ١٨٩٠، وإقامة مجمع خدماتي لترويج روايات ومعلومات عن اليهود والحضارة اليهودية.
وأشار الباحث المقدسي إلى أن مشروع المقابر الوهمية من أهم المشاريع التهويدية في البلدة وهو عبارة عن قبور فارغة لا يوجد فيها شيء لإثبات أنهم كانوا هنا وأنها شاهد على وجودهم، كما أنه يوجد مشروع لإقامة جسر تهويدي من منطقة الثوري وصولا إلى باب المغاربة فوق وادي الربابة، ومشروع آخر لتكملة القطار الذي يبدأ بالساحل الفلسطيني وصولا إلى المالحة والأجزاء الغربية من القدس ليصل إلى مستوطنات شرقي القدس.
وأضاف: "الوجه الحضاري للمنطقة هو هدف من أهداف الاحتلال؛ وذلك لإغلاق الأفق أمام الأقصى وإحاطته بالمشاريع التهويدية لذلك فهو يسعى لتهويدها، ففي سلوان صدر 6817 أمرا بالهدم ما يؤثر على سكانها خاصة في ظل عدم إعطائهم تراخيص لبناء منازلهم مهما حاولوا واستوفوا الشروط القانونية لذلك، ولكنها سياسة بعدم إعطاء تراخيص لادعاءات شتى، بحيث يعطى المستوطن ولكن المقدسي لا يعطى"، بحسب ذياب.
وتابع: "فوق ذلك يتم هدم الموجود أصلا ومحاولة غرس المستوطنين والمستوطنات وصولا إلى تهويد أسماء الشوارع في سلوان؛ وتسجيل الأسماء العبرية لدى الدوائر الرسمية الإسرائيلية ما يؤدي لتغيير الثقافة، وهم يستهدفون بذلك العقلية القادمة؛ هذا الضغط بشكل يومي هو لدفع السكان للرحيل، فهناك مساجد مهددة بالهدم لإفقاد الناس الأمان الشخصي وإفقادهم الأمان الاقتصادي بهدم المحلات التجارية والأمان الروحي بتهديد المساجد وتضييق الخناق على الناس للابتعاد عن سلوان بشكل عام".
اقرأ أيضا: NYT: بعد الشيخ جراح حي سلوان ساحة معركة للتطهير العرقي
المخطط الرئيسي
حي بطن الهوى في سلوان تصدر الأخبار خلال الفترة الماضية؛ وذلك بسبب نية الاحتلال طرد عشرات العائلات من منازلها لصالح المستوطنين.
ويقول أحد سكان الحي ورئيس اللجنة الشعبية للدفاع عنه، زهير الرجبي، لـ"عربي21" إن الهجمة على بطن الهوى بدأت منذ عام 2015؛ حيث سلم الاحتلال أوامر بإخلاء عدد من المنازل بحجة أحقية المستوطنين لها منذ عام 1890، ومع حلول عام 2018 تم تسليم 86 عائلة أوامر بالإخلاء.
وأكد أن المخطط الرئيسي وراء كل هذه الحملة هو الاستيلاء على المسجد الأقصى المبارك وبناء الهيكل المزعوم؛ حيث بدأت القضية من حي وادي حلوة وحفر الأنفاق أسفله وصولا إلى المسجد، وهذا الأمر شعر به أهالي الحي من خلال التشققات لعشرات المنازل التي باتت فارغة بقرار الاحتلال بحجة أنها غير آمنة للسكن بسبب الأنفاق.
وأشار إلى أن الاحتلال يحاول اليوم أن ينشئ الحدائق التوراتية في أحياء بلدة سلوان؛ فيسعى إلى الاستيلاء على المنازل وهدمها لتوسيع ما يسمى الحوض المقدس الذي يشمل أحياء الشيخ جراح وواد الجوز ورأس العامود وجبل الزيتون وسلوان، لافتا إلى أن ٩٠ بالمئة من أهالي حي بطن الهوى تم تسليمهم قرارات بالهدم والإخلاء.
ويبلغ عدد سكان حي بطن الهوى سبعة آلاف فلسطيني من أصل ٦٠ ألفا يعيشون في بلدة سلوان، وتتعرض ستة أحياء منها لخطر التهويد والإخلاء وهي البستان وبطن الهوى ووادي حلوة وعين اللوزة وواد ياصول وواد الربابة.
وإلى جانب أوامر الإخلاء تقوم شرطة الاحتلال بين الحين والآخر بتسليم أوامر بالهدم لمنازل المقدسيين في الحي، كما أن المستوطنين يستولون على ست بنايات في بطن الهوى تسكنها ٢٣ عائلة منهم، وبدأ الاستيلاء عليها منذ عام ٢٠٠٤.
هل يتأثر السيسي بخروج نتنياهو من رئاسة حكومة الاحتلال؟
هكذا يسعى الاحتلال لدمج فلسطينيي48 وتفكيك مشروعهم السياسي
لماذا يهاب الاحتلال "المفرقعات النارية" في القدس؟