أزمة الكهرباء في ليبيا عمرها نحو عشر سنوات، واستفحلت منذ أعوام خمسة، وصارت من أبرز مظاهر التأزيم في البلاد وعلامة على الواقع المرير الذي يكابده الليبيون.
المسؤولون في القطاع يرجعون التدهور في خدمة الكهرباء إلى اختلال معادلة العرض والطلب جراء ارتفاع معدلات الاستهلاك بشكل ملحوظ خلال العشر سنوات الأخيرة يقابله تراجع في كمية المنتج من الطاقة الكهربائية بسبب تعرض الشبكة العامة للكهرباء إلى التلف والتخريب والعجز عن سد الفجوة إما احتجاجا بعدم توفر التمويل، أو بسبب رفض الشركات العالمية المختصة العمل في ليبيا لتدهور الوضع الأمني.
صحيح أن تطورات حديثة كان لها إسهامها في استفحال الأزمة من أهمها الارتفاع الملحوظ لدرجات الحرارة في الصيف وتغير نمط الاستهلاك بالاعتماد على أجهزة التكييف بشكل مبالغ فيه حتى لدى الفئات الأقل دخلا، لكن لا يمكن أن تكون هذه الأسباب وتلك حجة لتبرير استفحال الظاهرة في بلد غني ومحدود السكان.
المقلق أن الوضع صار يتطور إلى الأسوأ كل عام والتشخيص هو هو والفشل في احتواء الوضع مستمر، وخطورة هذا التسويف هو تنميط الأزمة ودفع اللبيين إلى التعايش معها من خلال الاعتماد على وسائل الإنتاج الذاتية، في مقابل هدر وفساد لا نهاية له في القطاع العام.
مأساة العراق يمكن أن تتكرر في ليبيا، فأزمة الكهرباء في العراق الغني بالنفط قائمة منذ العام 2015م، وفي آخر الاستقصاءات ثبت أن الحكومات المتعاقبة أنفقت ما يزيد على الـ80 مليار دولار أمريكي على القطاع دون أن تتحقق نتائج مرضية، فساعات الإظلام تصل إلى أكثر من 12 ساعة في الكثير من المدن العراقية، وتأسس في العراق قطاع خاص يتاجر في خدمات الكهرباء وصار كبيرا وبإمكانيات ضخمة، ويعتمد عليه شرائح واسعة من العراقيين.
ملامح الواقع العراقي بدأ بالتشكل في ليبيا حيث بلغ الإخفاق والعجز الحكومي مبلغه، وصارت تجارة مولدات الكهرباء كبيرة وصار الاعتماد عليها واسعا جدا، وبرغم دخول تقنية توليد الطاقة عبر المسطحات الشمسية إلى السوق الليبي وأيضا المحولات الكهربائية صغيرة الحجم، إلا إن الاعتماد ظل كبير جدا على المولدات التي يتم تشغليها بالبنزين والسولار،
وننوه أن كل الذين تولوا منصب وزير الكهرباء في العراق تعهدوا باحتواء الأزمة في زمن قياسي لكن انتهى بهم الأمر إلى الفشل والاستقالة، حيث بلغ الذين تعاقبوا على وزارة الكهرباء منذ تطور الأزمة ما يقرب من عشرين وزيرا!!
ملامح الواقع العراقي بدأ بالتشكل في ليبيا حيث بلغ الإخفاق والعجز الحكومي مبلغه، وصارت تجارة مولدات الكهرباء كبيرة وصار الاعتماد عليها واسعا جدا، وبرغم دخول تقنية توليد الطاقة عبر المسطحات الشمسية إلى السوق الليبي وأيضا المحولات الكهربائية صغيرة الحجم، إلا إن الاعتماد ظل كبير جدا على المولدات التي يتم تشغليها بالبنزين والسولار، وهذا مؤشر على دخول عامل جديد ضمن عوامل التأزيم التي يشهدها القطاع، ومن غير المستبعد أن يتطور إلى نظام مماثل لما هو معمول به في العراق وهو بيع الخدمة للمواطنين من قبل شركات خاصة وتشكل ما هو أشبه بالسوق السوداء للكهرباء.
صحيح أن الإنفاق العام في ليبيا على قطاع الكهرباء لم يصل إلى المبالغ الكبيرة التي تم إنفاقها في العراق، إلا إن ميزانية القطاع كبيرة وكادره ضخم وقد تم تغطية التمويل اللازم لمعالجة الأزمة بالمليارات الدينارات، وفي ظل التعقيدات الراهنة فإن المبالغ مرشحة للزيادة، كما أن إدارات عدة تعاقبت على قطاع الكهرباء ولا بارقة أمل تلوح في الأفق، ومع كل ما وقع لم يشهد القطاع تطور ذي بال يطمئن الرأي العام، فبعد أن كانت الأزمة متركزة في غرب البلاد خلال الأعوام من 2016م، انتقلت إلى مدن الشرق خاصة بنغازي لتواجه المعاناة ذاتها، وبفترات انقطاع تصل إلى عشر ساعات في اليوم.
أحد خبراء الوكالة الدولية للطاقة أرجع أزمة الكهرباء وفشل مساعي احتوائها في العراق ليس إلى قصور تقني فني أو إداري، بل إلى أسباب سياسية واقتصادية، بمعنى أن اختلال منظومة القرار السياسي والاقتصادي وما يترتب عليها من خلل أمني وفساد مالي هي التي تكرس أزمة قطاع الكهرباء وتقف حجر عثرة أمام أي جهد لمعالجتها، وهو ما ينطبق على الحالة الليبية، ويدعو إلى القلق من إمكان أن نصل إلى مستوى التأزيم في العراق وذلك إذا لم يتم الوصول إلى الاستقرار السياسي والأمني ويتحقق الإصلاح الاقتصادي المنشود.
تسليع الرياضة والتستُّر على الخمر
تونس.. الانقلاب بابٌ نحو المجهول