أثار تنسيب هيئة الإعلام المرئي والمسموع بتعديل نظام الرسوم
للمطبوعة الإلكترونية ليصبح تجديد رخصتها 500 دينار سنويا، بعد أن كان 50 دينارا، ردود
فعل غاضبة لدى الصحفيين والإعلاميين الذين رأوا في هذا التعديل حلقة من سلسلة إجراءات
تستهدف مهنتهم.
ونشر ديوان الرأي والتشريع، الخميس، مشروع نظام معدل لنظام
رسوم وبدل ترخيص المطابع ودور النشر والتوزيع والدراسات والبحوث ودور قياس الرأي العام
ودور الترجمة ومكاتب الدعاية والإعلان والمطبوعات الدورية، للتعليق عليه.
وعلل مدير هيئة الإعلام المرئي والمسموع، طارق أبو الرغب،
قرار تحويل الأنظمة بأن هناك "انفلاتا في العمل الإعلامي الرقمي الإلكتروني، سواء
من المواقع الإخبارية الإلكترونية، أو من خلال صفحات منصات التواصل الاجتماعي".
وقال أبو الراغب في تصريحات إعلامية، إن "بعض المواقع
لن تستطيع تجديد رخصتها، لكن غالبيتها لديها القدرة"، نافيا أن يكون رفع الرسوم
هدفه "التمهيد لتكميم الأفواه وتقييد حرية الإعلام".
من جهتها؛ أعربت نقابة الصحفيين عن أسفها لفرض رسم سنوي مقداره
500 دينار عند تجديد رخصة المطبوعة الإلكترونية، ورأت في تقديم تعديلات على الأنظمة
المتعلقة بعمل الإعلام، دون الرجوع إليها "تجاوزا على دور النقابة ومهامها".
وأكد مجلس النقابة في تصريح صحفي الجمعة، أنه "بصدد
اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة الأنظمة المحالة للحكومة، وإجراء مشاورات حولها؛ بما
يضمن عدم الإضرار بحقوق المؤسسات الصحفية والإعلامية، وتحميلها أعباء مالية إضافية،
في الوقت الذي تعاني فيه من أزمات مالية صعبة".
بدوره؛ طالب مركز حماية وحرية الصحفيين، الحكومة الأردنية
بـ"التراجع عن هذه التعديلات التي تفرض قيودا على عمل وسائل الإعلام، ولا تتوافق
مع المعايير الدولية لحرية التعبير والصحافة".
وقال المركز في بيان، الأحد، إن "فرض رسوم مالية جديدة، مهما
كانت مسمياتها وغاياتها، يشكل إرهاقا لوسائل الإعلام المختلفة التي تعاني من تراجع
إيراداتها في السنوات الماضية، وتفاقم أزمتها مع جائحة كورونا".
وأضاف أن "التصدي للمظاهر السلبية في الإعلام لا يكون
بالحد من حريتها وفرض قيود عليها، وإنما في بناء استراتيجيات وسياسات وممارسات تدعم
وسائل الإعلام المستقلة".
"الحكومة تشعل الحريق"
وقال مؤسس "حماية الصحفيين" نضال منصور، إن الحكومة
تهدف بهذا القرار إلى تقليص عدد المواقع الإلكترونية المرخصة التي تستطيع الاستمرار
والبقاء.
وتساءل في حديثه لـ"عربي21": "ماذا ينتج عن
زيادة الرسوم السنوية المقررة على المواقع الإلكترونية سوى ترتيب مزيد من الأعباء عليها؟"،
مضيفا أن "الوصفة المهنية والموضوعية لا تمر حتما بطريق رفع الرسوم المالية، ومكافحة
نشر المحتوى الضار لا تكون بفرض الرسوم أو زيادتها".
وأكد منصور أن "المواقع الإلكترونية لن تستسلم، وستقاوم
التعديلات التي ترى أنها ليست أكثر من حبل للإعدام، وسيدفع رئيس الوزراء وحكومته ثمنا
سياسيا في معركة أشعلتها في ظل الحديث عن تحديث المنظومة السياسية، ودعم مسار الإصلاح،
وستسوء صورة الأردن في التقارير الدولية أكثر فأكثر".
وتابع موجها حديثه لحكومة بشر الخصاونة: "تعديل نظام
الرسوم، وأي تعديلات تضيق فضاء التعبير ستشعل الحرائق، والإدارة العاقلة لا تصنع أزمات
مجانية، أو خصوما جددا لها، وإن وقع حريق رغما عنها تحاول محاصرته وإطفاءه، وهذا أضعف
الإيمان".
تفاؤل مؤقت
وتفاءل الصحفيون بحكومة بشر الخصاونة الذي التقى بعد حوالي
شهر من الإعلان عن تشكيلته الوزارية في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، رؤساء تحرير الصحف
الورقية ومدراء الإعلام الرسمي، معلنا أمامهم أن "حرية التعبير سقفها السماء".
ولم تمض أشهر حتى وجّه مجلس نقابة الصحفيين مذكرة للخصاونة
بمناسبة يوم
الصحافة العالمي في 3 أيار/ مايو الماضي، حول "القيود التشريعية على
الحريات
الصحفية، والأوضاع التي آلت إليها العديد من المؤسسات الصحفية والإعلامية، والمطالبة
بتعزيز الحريات الصحفية، وإنهاء التوقيف للصحفيين بقضايا النشر، والتدخل لإنقاذ المؤسسات
الصحفية المتعثرة منذ أعوام".
واشتكى المجلس من "ممارسات التضييق على حرية النشر والرأي
والتعبير، والتي تعد شكلا من أشكال التراجع في منسوب الحريات، مع تسجيل مزيد من تراجع
الأردن على سلم مؤشرات الحريات والديمقراطية والشفافية في تدفق المعلومات".
وضمن هذا السياق؛ يرى ناشر موقع "جو24" باسل العكور،
أن رفع الرسوم السنوية على المطبوعات الإلكترونية "مؤشر على أن الحكومة ماضية
في محاصرة وتقييد وسائل الإعلام، وتقليص عددها إلى حدوده الدنيا".
استهداف الصحافة المستقلة
وقال العكور لـ"عربي21" إن هذا الإجراء "ليس
لغربلة الدخلاء على الإعلام كما قال مدير هيئة الإعلام المرئي والمسموع، وإنما هو لاستبعاد
المستقلين الشرفاء"، مؤكدا أن الحكومات المتعاقبة "لا تريد إعلاما مستقلا،
وهي تسعى منذ ولادة الصحافة الإلكترونية لإدخالها إلى بيت الطاعة الرسمي".
وأضاف أن الوضع المالي للصحف الإلكترونية والورقية سيئ للغاية،
حتى إن الحكومة صنفتها ضمن القطاعات الأكثر تضررا من جائحة كورونا، مشيرا إلى أن
"الجسم الصحفي كان يتوقع قيام الحكومة بإعفاء وسائل الإعلام من الرسوم والضرائب
بكل أشكالها، ولكنها اليوم تفرض رسوما جديدة، ما يعطي انطباعا بأنها لا تريد إعلاما
على الإطلاق".
وحول الخطوات التصعيدية التي سيلجأ لها الصحفيون ضد التعديلات
الأخيرة على الأنظمة المتعلقة بالإعلام؛ أوضح العكور أنه "سيكون هناك فعاليات
احتجاجية تدريجية، تبدأ من وقفة أمام مقر نقابة الصحفيين، ثم وقفة أخرى في شارع الصحافة
سيشارك فيها الإعلاميون والمتضامنون معهم".
وأضاف أنه في حال أقرت الحكومة هذه التعديلات؛ "فستخرج
مسيرة من نقابة الصحفيين إلى دوار الواحة القريب منها، بالإضافة إلى فعاليات أخرى كتوشيح
المواقع الإلكترونية بالسواد، ونشر صور رئيس الحكومة وأعضائها كأعداء للحرية الصحفية،
وربما إقامة فعاليات احتجاجية أمام رئاسة الوزراء".
"دولة خرساء"
ويبدو مشهد الصحافة الإلكترونية قاتما، وهي التي تصارع البقاء
منذ سنوات، وفق ناشر موقع "سواليف"، أحمد حسن الزعبي، الذي دفعته التعديلات
الأخيرة إلى كتابة مقال بعنوان "نحو دولة خرساء".
يؤكد الزعبي في مقالته أن "المواقع التي تنبش على الفساد
يضيَّق عليها بكل السبل، بدءاً من التهرب في منحها حق الحصول على المعلومة، ومرورا
بالتضييق الإعلاني، وليس انتهاء بالـ500 دينار التي ينوون فرضها على قطاع منهك يضم
مئات الصحفيين الذين بالكاد يحصلون على كفاف عيشهم".
ويختم قائلا: "دولة بلا إعلام مستقل هي دولة خرساء،
إذا ما أصابها خطب لا سمح الله؛ فستغرق في التأتأة الحكومية حتى البكاء".