قال الكاتب الهندي، بانكاج ميشرا، إن التهديد الحقيقي لأمن الغرب لا يأتي من أرياف البشتون في أفغانستان، ولكن من نمط التفكير السائد في العاصمة الأمريكية واشنطن.
ولفت صاحب
كتاب "إغراءات الغرب: كيف تكون حديثا في الهند وباكستان والتبت وما
بعدها" في مقال له على "بلومبيرغ" بأنه لا شك أن عودة طالبان إلى
الحكم في أفغانستان سوف تطلق من جديد العنان لخيالات الفحولة حول معركة الحق التي
يخوضها الغرب من أجل إصلاح أحوال السكان الأصليين المتخلفين والعنيفين، لكن الغرب
بحاجة لأن ينقذ نفسه من حمقى الإمبريالية الذين يتوهمون في أنفسهم الشهامة.
وجاء في
المقال: "تسبب قرار سحب قوات الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، الذي
أعلن عنه باراك أوباما في 2014 وكرسه رسمياً دونالد ترامب في 2019 ونفذه جو بايدن
في 2021، في انطلاق صرخة عويل وألم في أوساط المؤسسات السياسية والأمنية
والإعلامية عبر الأطلسي".
وتاليا المقال كاملا كما ترجمته
"عربي21":
تسبب قرار سحب
قوات الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، الذي أعلن عنه باراك أوباما في
2014 وكرسه رسمياً دونالد ترامب في 2019 ونفذه جو بايدن في 2021، في انطلاق صرخة
عويل وألم في أوساط المؤسسات السياسية والأمنية والإعلامية عبر الأطلسي.
أجمل ماكس بوت
من مجلس العلاقات الخارجية ما يعتبر فكرة واسعة الانتشار في أوساط نخب السياسة
الخارجية بإدانة بايدن باعتباره "مخطئاً بشكل مأساوي وكارثي"، بينما وصف
طوني بلير قرار الولايات المتحدة بأنه "معتوه" زاعماً أن القوات الغربية
التي أرسلت إلى أفغانستان في أواخر عام 2001 عندما كان هو رئيساً لوزراء بريطانيا
كان ينبغي أن تبقى هناك لحماية "المكاسب" التي حققتها.
ناهيك عن أن
الفقر والعنف عاثا في أفغانستان فساداً بمعدل ظل يتصاعد باستمرار على مدى العقد
الماضي وذلك بالرغم من استمرار الغرب في ضخ المال والجنود – مما أوجد حالة لم تعد
محتملة من قبل المحكومين ولم يعد ممكناً الدفاع عنها من قبل الحاكمين، لدرجة أن
تنظيم الدولة الإسلامية وجد لنفسه موطئ قدم ثابت وتمكنت حركة الطالبان من
الاستيلاء على البلد بأسره بسرعة فائقة وبدون الحاجة إلى بذل كثير من الجهد.
وبالفعل، يمكن
الخلوص من الانتقاد الموجه إلى الانسحاب الأمريكي المحتم، الذي وصف بأنه مضلل
وضَارٍ، إلى أن التهديد الحقيقي لأمن الغرب ومصداقيته لا يأتي من الأحداث التي تجري
في أرياف البشتون أو من أي إعادة تجميع لتنظيم القاعدة، وإنما مما غدا تفكيراً
سائداً داخل حزام واشنطن.
لربما لم يعد
يذكر الجيل الجديد اليوم تلك الخطط العظيمة التي أعلن عنها زعماء التحالف الأنجلو
أمريكي في عام 2001، حين تحدث بلير عن جلب الخلاص ليس فقط للأفغان وإنما أيضاً
"للمتضورين جوعاً والبؤساء والمحرومين والجهلاء، أولئك الذين يعيشون في فاقة
ورجس من صحاري شمال أفريقيا إلى الأحياء الفقيرة في غزة." وكان بوت قد قال في
أكتوبر / تشرين الأول من عام 2001 بأن "أفغانستان والأراضي الأخرى المسكونة
بالمشاكل اليوم تتعطش إلى ذلك النوع من الإدارة الأجنبية المستنيرة كتلك التي
وفرها ذات يوم رجال إنجليز يرتدون سراويل ركوب الخيل والخوذات الصلبة."
أثناء قراءة
هذه الخيالات التي كانت تصدر عن المحافظين الجدد في عام 2001، ترددت في رأسي بصوت
عال يصم الآذان أصداء كلمات حنه أرينت التي كتبت في أربعينيات القرن العشرين تقول
إن "عبء الرجل الأبيض كان إما نفاقاً أو عنصرية" وأن الذين حملوه على
أعتاقهم بكل حماسة كانوا بلا استثناء يكشفون عن كونهم "حمقى الإمبريالية
المأساويين".
بدا في عام
2001 أن كثيراً من النخب الغربية لم تتعلم شيئاً على الإطلاق من الماضي، لا من
الكوارث التي سببها الرجال الإنجليز الواثقون من أنفسهم ولا من الإرث الخبيث الذي
خلفوه من بعدهم.
وحتى الدرس
البسيط المستلهم من تصفية الاستعمار – الحدث المركزي في القرن العشرين – مر بهم
دون أن يستوعبوه، ومفاده أن شعوب الأرض من غير البيض ما عادوا يتقبلون، وبغض النظر
عما تؤول إليه الأوضاع في بلدانهم، الغزو والاحتلال الذي يمارسه الرجل الأبيض. هذا
التصميم الأساسي لخصه شخص أبعد ما يكون عن صفات عناصر الطالبان، إنه موهانداس كيه
ماهاتما غاندي، الذي أطلق حملة ضد بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، لحملها
على ترك الهند لله أو للفوضى.
تبين بحلول
عام 2021 أن بعض النخب الغربية ليست فقط مغيبة تماماً عن ماضيها الطويل من الحكم
الأخرق والانسحاب المخزي من الديار غير الغربية، بل، ونظراً لحالة الثمل التي هي
فيها بفضل ما تتمتع به من سلطة فوق المحاسبة وسمعة لا تشوبها شائبة، لم تتعلم
شيئاً من الحاضر أيضاً: من سلسلة من التدخلات العسكرية الفاشلة والكارثية في العراق
واليمن والصومال وليبيا، وكلها تدخلات ساهمت في تولد أنماط توحش جديدة مثل تنظيم
الدولة الإسلامية، الذي بفضله تبدو حركة الطالبان بالمقارنة غاية في الاعتدال.
ليس بوسعها أن
ترى أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والذي كان متوقعاً له أن يكون فوضوياً
وعنيفاً (رغم أنه لا يقاس بالفوضى الدموية التي صاحبت خروج بريطانيا من الهند)، له
من الأهمية ما لم يحظى به أي انسحاب إمبريالي سابق.
فهو أولاً
مسنود بإرادة شعبية. فأغلبية الشعوب في الغرب انقلبت، ومنذ وقت طويل، على الحروب
الكارثية والفاشلة والمستمرة التي يشنها زعماؤها (على سبيل المثال لا يجرؤ طوني
بلير على الظهور في أي مكان عام دون أن يجازف بالتعرض لإلقاء القبض عليه من قبل
المواطنين). وفي الولايات المتحدة، وصل مرشح خارج عن المألوف، وبشكل كارثي، إلى
أعلى مراتب السلطة بسبب تعهده الصريح بإنهاء التدخلات الأجنبية المفرطة التي شنتها
نخب واشنطن الواهية.
والعامل الآخر
المثير الذي يقف من وراء سحب الولايات المتحدة لقواتها هو التغير الذي طرأ على
طبيعة الحرب. في كتابه الجديد بعنوان "إنساني: كيف تخلت الولايات المتحدة عن
السلام وأعادت اختراع الحرب" يبين الخبير القانوني صموئيل مايون كيف تبدلت
المهمات العسكرية، بدءاً من السنوات الأخيرة في عهد إدارة بوش وتصاعداً أثناء
إدارتي أوباما وترامب، لصالح عمليات ينفذها المغاوير وضربات تستخدم فيها المسيرات
والصواريخ.
بمعنى آخر،
ما زالت الحروب اللانهائية، والتي تعشقها كثير من نخب السياسة الخارجية، أبعد ما
تكون عن الانقضاء. كل ما هنالك هو أنها تتبنى وسائل مختلفة أقل وضوحاً، وتستخدم
الروبوتات أكثر من الجنود في ساحات الوغى وتعتمد على الأقمار الصناعية أكثر مما
تعتمد على سراويل الخيالة والخوذات الصلبة.
أما فيما
يتعلق ببناء الأوطان، فلا يوجد من بين خبراء الاقتصاد المحترمين من يصدق أنه بعد
عشرين عاماً من الفشل المستمر، فإن التدفق المتقطع للمساعدات الخارجية، التي تختفي
لتنتهي في جيوب المقاولين العسكريين والفاسدين من أمراء الحرب سكان المدن، بإمكانه
أن يبني اقتصاداً عصرياً ناهيك عن أن يقيم نظاماً ديمقراطياً.
في نوفمبر /
تشرين الثاني من عام 2001، وبينما كان الجيش الأمريكي يقصف أفغانستان، كتب توماس
فريدمان يقول "امنحوا الحرب فرصة". إلا أن حروب الإمبريالية الجديدة
والحملات الإنسانية التي شنت في السنوات الأولى من هذه الألفية كان توقيتها غاية
في السوء، إذ لا يمكن في القرن الحادي والعشرين إعادة تكوين التراتبية العنصرية
والتقنيات العسكرية للقرن التاسع عشر. لقد كان من الحماقة بمكان استثمار مكانة
وأمن ومصداقية الولايات المتحدة في مثل هذه المشاريع المحكوم عليها بالفشل الذريع.
ما من شك في
أن عودة الطالبان الهمجيين للظهور سوف يطلق من جديد العنان لخيالات الفحولة حول
معركة الحق التي يخوضها الغرب من أجل إصلاح أحوال السكان الأصليين المتخلفين
والعنيفين. ولكن الغرب، وبغض النظر عن أفغانستان، بحاجة لأن ينقذ نفسه من حمقى
الإمبريالية الذين يتوهمون في أنفسهم الشهامة.
NYT: حلفاء أمريكا يدفعون ثمن دعم احتلالها لدول إسلامية
الغارديان: إخفاق لبريطانيا بأفغانستان وكارثة عسكرية وسياسية
ضابط أمريكي قاتل في أفغانستان: لقد ضحينا بأرواحنا لأجل كذبة