في أقل من شهر برزت على مستوى قيادات حركتين إسلاميتين أزمة كبيرة، تباينت حدتها وشكلها بحسب كل حركة على حدة. الأولى، مع حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي مني بهزيمة انتخابية كبيرة، عصفت بمكتسباته البرلمانية والجماعية.. والثانية، مع حركة "النهضة" التونسية، التي اضطرت تحت وقع قرارات الرئيس قيس سعيد بتعليق العمل بالدستور وتعطيل الحياة المؤسساتية، إلى الإعلان عن نقد ذاتي، تقر فيه الحركة بجزء من المسؤولية عن الوضعية التي آلت إليها البلاد.
قيادة العدالة والتنمية أعلنت غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات استقالتها الجماعية مقرة بفشلها في تدبير الاستحقاق الانتخابي، بينما، اضطرت قيادة "النهضة" إلى سلوك سياسة التفافية، نتج عنها بعد مضي أقل من شهر، استقالة ما يزيد على الـ130 قياديا في الحركة، من بينهم برلمانيون وقياديون وازنون.
المشهد العام بين الحركتين، يوحي بوجود أزمة عميقة، تتجاوز الحيثيات المحلية، وتدفع البعض للاعتقاد بانتهاء مرحلة من مراحل الإسلام السياسي أو انتهاء دوره بالكامل، فيما يحاول البعض أن يحيل على الأزمة الجيلية داخل هذه الحركات، والإيذان بنهاية القيادة التاريخية.
وبغض النظر عن هذه التفسيرات التي وقفنا على بعض محدداتها في مقال سابق يتعلق بالتدبير القيادي داخل هذه الحركات، فإن زاوية التحليل في هذه الورقة، تنصرف إلى رصد وتحليل أشكال اشتغال النقد الذاتي في هذه الحركات، وأشكال الالتفاف عليها، وتداعيات ذلك على التماسك الداخلي وعلى مستقبل هذه الحركات.
مشروعية القيادة التاريخية ناشئة عن عملية نقد ذاتي
من المثير للانتباه أن مشروعية القيادة التاريخية لهاتين الحركتين، كانت في الأصل ناتجة عن عملية نقد ذاتي، فسواء تعلق الأمر بجمعية الجماعة الإسلامية في المغرب أو بالجماعة الإسلامية (الاتجاه الإسلامي) في تونس، فإن المسار التاريخي، يكشف عن محورية النقد الذاتي في بناء وتطور الحركة الإسلامية في كل من المغرب وتونس.
في تونس، كما يروي ذلك زعيم الحركة، الشيخ راشد الغنوشي، في كتابه "من تجربة الحركة الإسلامية في تونس"، عرفت الحركة ثلاث مستويات من إعمال عملية النقد الذاتي، الأول انصرف إلى تحديد هوية الحركة وصلتها بالأدبيات الإخوانية المشرقية، حيث انتهت عملية النقد الذاتي إلى تبيئة الحركة مع واقعها، وتونسة خياراتها، ومد جسورها مع الحركة الإصلاحية التونسية (خير الدين، الطاهر بن عاشور).
والثانية، توجهت إلى الموقف من الثقافة الغربية، حيث انتهت عملية النقد الذاتي إلى مغادرة الموقع العدمي الذي ينظر إلى الثقافة الغربية ككل منسجم يهدف إلى تقويض الإسلام، وتبني المنزع النقدي في التعامل مع المنتوج الثقافي الغربي.
وأما الثالثة، فقد اتجهت إلى محاولة تجاوز الخلاف الداخلي الذي نشب بين مكونات الحركة، بعد بروز أفكار تنتمي إلى اليسار الإسلامي، وأفكار أخرى متأثرة بمدرسة الاعتزال تميل إلى العقلانية، ورسم حدود دور الدين، وأي دور للعقل في تأويله. يعترف الشيخ راشد الغنوشي أن عملية النقد الذاتي قد فشلت في هذا المستوى، بسبب عدم استواء رشد الحركة، وأنه طرحت أمام تحدي يكبر إمكانها الفكرية وقتها، فكانت النتيجة هو انشقاق تيار حميدة النيفر وصلاح الدين الجورجي وغيره.
وبغض النظر عن رسمية هذه القراءة، وكونها تقدم رواية القيادة، فإن شرعية القيادة بحسب هذه الرواية، كانت مرتبطة بالتحول الذي قامت به لاسيما على المستويين الأولين، أي ربط تونس ببيئتها، وتأصيل خياراتها بمد الجسور نحو الحركة الإصلاحية التونسية، ومد جسور الحوار مع الغرب من خلال تبني الرؤية النقدية. بل إن هذه الرؤية النقدية نفسها، هي التي سمحت للقيادة بتجديد شرعيتها، حينما تحولت بأدبياتها إلى تأصيل مفردات الخيار الديمقراطي، وتقريب الآخر منها حتى يتم خلق شروط تكوين جبهة ديمقراطية واسعة ضد الاستبداد.
وقد نجحت القيادة التاريخية في تونس، من تجديد عناصر شرعيتها على الرغم من حملات الملاحقة الأمنية التي بلغت حد استئصال الحركة سياسيا ودعويا، فكانت كتابات الغنوشي عن "الحريات العامة"، وعن "المرأة"، و"حقوق المواطنة"، وغيرها من المفردات التي تنتمي إلى الفكر السياسي المعاصر، ثمرة عملية نقد ذاتي، أسهمت في صمود الحركة وتجديد ولاء قاعدتها للقيادة التاريخية.
في التجربة المغربية، تظهر وظيفة عملية النقد الذاتي في بناء وتجديد شرعية القيادة بصورة أكثر وضوحا من المثال التونسي، فسياق تأسيس جمعية الجماعة الإسلامية في المغرب، ارتبط بالخلاف مع قيادة الشبيبة الإسلامية (عبد الكريم مطيع) وكونه انتهج في المنفى خطا سياسيا لم يكن محل اتفاق من الداخل، وأن الحركة باتت تحتاج إلى قيادة بديلة، وميثاق يوحد رؤاها ويضبط سيرها، وبرنامج تربوي يوحد حاضنتها التربوية.
وقد لعبت عملية "النقد الذاتي" دورا محوريا في دفع الحركة للانفصال عن الشبيبة (1981)، إذ طرحت أسئلة كثيرة، تتعلق بأزمة الحركة، وهل تتعلق بالقيادة أم بخطها الفكري والسياسي، أم تتعلق بغياب آلية الشورى الضابطة لصواب القرار والمصححة لانزياحاته.
أثمرت عملية النقد الذاتي في تجربة جمعية الجماعة الإسلامية بالمغرب، حسب ما يروي أحد قادتها، محمد يتيم، عن تشكيل قيادة جماعية، واعتماد مبدأ الشورى في القرار، والمسؤولية بالانتخاب، وبلورة رؤية جماعية (ميثاق الحركة) لم تنل الصفة الرسمية إلا بعد التداول والتصديق عليها، ثم توحيد حاضنة الحركة باعتماد برنامج تربوي موحد لم يعتمد حتى دخل هو الآخر حيز التداول والتصديق.
في أقل من شهر برزت على مستوى قيادات حركتين إسلاميين أزمة كبيرة، تباينت حدتها وشكلها بحسب كل حركة على حدة. الأولى، مع حزب العدالة والتنمية المغربية، الذي مني بهزيمة انتخابية كبيرة، عصفت بمكتسباته البرلمانية والجماعية. والثانية، مع حركة "النهضة" التونسية، التي اضطرت تحت وقع قرارات الرئيس قيس سعيد بتعليق العمل بالدستور وتعطيل الحياة المؤسساتية، إلى الإعلان عن نقد ذاتي، تقر فيه الحركة بجزء من المسؤولية عن الوضعية التي آلت إليها البلاد.
تقدم بعض الروايات التاريخية، من داخل الحركة (رواية المقرئ أبو زيد) دور بعض الأدبيات الفكرية في تعزيز موقع النقد الذاتي في تعزيز شرعية القيادة وتأمين فاعلية العمل، إذ يشير بهذا الخصوص إلى دور كتاب " في ضرورة النقد الذاتي" لخالص جلبي، ودور كتابات الدكتور عبد الله فهد النفيسي، التي كانت تؤكد على محورية النقد الذاتي في تقويم عمل الحركة وترشيد خطواتها.
ويقدم القيادي في الحركة، عبد الله بها رحمه الله في روايته، جانبا آخر من أهمية النقد الذاتي في بناء شرعية القيادة وتزكيتها، فقد حصل خلاف مبكر بين مكونات القيادة في التجربة المغربية على خط القيادة، فاتجه الأغلبية في تشخيصها إلى أن المشكلة لم تكن في خط الحركة، وإنما كان في القيادة، وأن تغيير القيادة، بتبني قيادة جماعية مع المحافظة على الخط ذاته (الخط الثوري) سيضمن نجاحا منقطع النظير للحركة، لكن وجهة نظر الأستاذ عبد الإله بن كيران كانت مختلفة، إذ كان يدفع في اتجاه القطع مع السرية، وتبني عمل علني ضمن المشروعية القانونية، وهو ما دفع الحركة إلى دفعه لخوض تجربة فردية على مستوى الرباط (جمعية الجماعة الإسلامية) وإبقاء الجهات الأخرى تحت اختصاصات الجماعة الإسلامية، غير أن اعتقالات 1984 في مكناس كشفت خيوط التنظيم السري، فتم تعميم تجربة جمعية الجماعة الإسلامية في كل التراب الوطني، بعد إعمال عملية النقد الذاتي في خيارات الحركة وبشكل خاص دلالات حالة اعتقالات مكناس، فضمنت الحركة بذلك تعزيز شرعية قياداتها وضمان تماسكها.
مسارات النقد الذاتي في حركة "النهضة" بتونس
تشير وثيقة اللوائح التي أصدرتها حركة "النهضة" بمناسبة مؤتمرها العاشر، وبالتحديد اللائحة التنظيمية، إلى محطات الخلاف التي نشأت داخل التنظيم بفعل إعمال آلية النقد الذاتي، كما تشير أيضا إلى الأشكال التي تعاطت القيادة بها للتعامل مع مخرجات هذه العملية. فقد كشفت هذه الوثيقة عن مسار عملية النقد الذاتي التي عرفتها الحركة منذ نشأتها إلى مشاركتها في إدارة السلطة في تونس بعد الثورة. ففضلا عن النقاش الأولي الذي نشأ داخل حركة النهضة حول أولويات العمل الإسلامي، (الثقافي الدعوي أو السياسي) والذي انتهى فيه النقد الذاتي إلى نتيجة مهمة تتعلق قفز الحركة من الخيار الأصلي إلى ما سمته "الاستراتيجية المؤقتة" بـ "بالاستثناء"، وتحول الاستثناء بعد ذلك لقاعدة، والتورط في سياسة حرق المراحل، وانعدام التقدير الصحيح للمواقف، والاستجابة للاستدراج من قبل الخصوم دون وعي بالمآلات، فإن بقية مراحل عملية النقد الذاتي، ذهبت إلى أبعد من ذلك، مما يخص نقد فكرة التنظيم الشامل الحامل لجميع الأبعاد التربوية والاجتماعية والثقافية والسياسية، السري والعلمي في الوقت ذاته(1986) مما لم تستجب له القيادة، مفضلة سياسة الالتفاف، بطرح فكرة التنظيمات المتوازية المستقلة هيكليا ووظيفيا التي تعمل كلها ضمن رؤية استراتيجية واحدة .
وتشير اللائحة التنظيمية أيضا، إلى لحظة أخرى من لحظات إعمال عملية النقد الذاتي، لكن هذه المرة بعد الثورة، وكيف توجه النقد إلى تحول سياسة الحركة في الترشيحات (رشحت أعضاءها للانتخابات، وسيطرت قياداتها التنظيمية على رأس القوائم الانتخابية) وكيف أعطت الانطباع بدخولها للاستحقاق الانتخابي، بعقلية التنظيم، لا بعقيلة الدولة.
وتقدم رواية عبد الحميد الجلاصي، القيادي السابق في حركة "النهضة"، جانبا آخر من وظيفة النقد الذاتي داخل تجربة حركة "النهضة"، فيشير إلى تجديد عملية النقد لفكرة التنظيم الشاكل سنة 1995، في سياق المنفى، بعد المؤتمر السادس، وكيف كان يدور النقاش حول مداخل إعادة بناء الرؤية الحركية للتنظيم، وكيفية يناء التوازن بين السياسي والثقافي، وكيفيات تأطير العلاقة بين الدعوي والسياسي، وكيف التفت القيادة على مخرجات هذا الحوار النقدي، فاستصحب كل من المؤتمر السابع 2001 والمؤتمر الثامن 2007، الصورة الهيكلية المعادة، وعللت القيادة ذلك، بكون عملية النقد الذاتي، حصلت في المنفى، بعيدا عن مجال الفعل المجتمعي الطبيعي داخل البلاد .
ويؤرخ الجلاصي للحظة تاريخية مهمة (2006) وصلت فيها عملية النقد الذاتي حد تعيين خيارات تدبير مناشط الحركة المختلفة، وطرح فكرة تغيير الطاقم القيادي الرئيسي للحركة، فتم مع بدايات الثورة سنة 2010 الالتفاف على هذه المبادرة مرة أخرى، بتبني خيار المحافظة على الحركة وعلى الطاقم القيادي الرئيسي مع تغيير الإسم دون اتضاح اتجاه حول المبادرة بالإعلان من عدمه.
ويلاحظ الجلاصي في سياق تقييمه للنقاش الحركي حول تدبير العلاقة بين السياسي والدعوي إلى رفض الصيغة المغربية (التمايز)، وعدم الحسم في أي الخيارات المقترحة، إلى حين المؤتمر العاشر الذي وضع الصيغة التي تبنتها حركة "النهضة"، بإعدام الحركة هيكليا وإناطة وظائفها التربوية والثقافية والدعوية والاجتماعية للعمل الجمعوي، والتحول إلى حزب سياسي ديمقراطي ذي مرجعية إسلامية، يولي الأولوية لقضايا التنمية والعدالة الاجتماعية، ويتموقع في الوسط المجتمعي العريض، ويعبر عن تطلعات شرائحه الواسعة، ويعتمد الوسائل الحديثة في العمل السياسي.
حاصل سلوك القيادة اتجاه آخر محطات النقد الذاتي في الحركة قبل الإعلان عن مسؤوليتها فيما آلت إليه الأوضاع في تونس، أن القيادة حسمت الصيغة بما يتعارض مع التوجهات النقدية، فاختارت الصيغة التي تستفيد من عائداتها، فالقيادة التاريخية في حركة النهضة في تونس، اختارت تحويل الحركة إلى حزب سياسي، مع تفويت أعمال الحركة لمؤسسات مستقلة داخل المجتمع المدني، بحيث إنه لن يكون لها أي مركز ثقل أو تأثير على القرار السياسي داخل الحزب، بما يضمن الهيمنة على القرار الحزبي.
مبادرتان للحوار الذاتي والنقد في تجربة العدالة والتنمية المغربي
عرفت تجربة العدالة والتنمية فعاليات نقدية مبكرة، كانت في الأصل صدى للخلاف القيادي حول الخط السياسي. فكان الحزب يتجاذبه تياران، تيار الملكية البرلمانية (مصطفى الرميد) وتيار الإصلاحات الدستورية في ظل ملكية تنفيذية (عبد الإله بن كيران)، غير أن هذا التجاذب، كما عملية الحوار والنقد الذاتي، لم تأخذ طابعا مؤسسيا، فضلا عن انتهاء تداعياته مع حراك 20 فبراير، وتوحيد خط القيادة في ما أسمي بالخط الثالث أي خط الإصلاح في إطار الاستقرار.
وبعيدا عن الخلاف القيادي، فإن الحزب عرف محطتين ممأسستين للحوار الداخلي (النقد الذاتي)، محطة 2007 وذلك عقب فقدان الحزب لأكثر من 500 ألف صوت في انتخابات 2007 التشريعية، ومحطة حوار 2017 التي أعقبت إعفاء بن كيران وتعيين حكومة سعد الدين العثماني وإدخاله حزب الاتحاد الاشتراكي للحكومة، واندلاع شرخ قيادي وقاعدي عميق، تداعت القيادة معه إلى طرح مبادرة الحوار الداخلي لتدبيره.
المبادرة الأولى، قيمت خط القيادة (سعد الدين العثماني) من ثلاث زاويا: فكرية، وسياسية وتنظيمية، فانتهت إلى غياب وضوح فكري، وضعف في التموقع السياسي، وترهل في الآلة التنظيمية. فكان الجواب هو إفراز أطروحة النضال الديمقراطي، بأبعادها الفكرية (حزب سياسي بمرجعية إسلامية يعمل للإصلاح بأدوات السياسة لا أدوات الدعوة)، وبأبعادها السياسية، بالتموقع مع القوى الديمقراطية لفرض إصلاحات سياسية حقيقية ومقاومة التحكم والهيمنة على النخب السياسية، وأيضا بأبعادها التنظيمية، بإصلاح عطب الآلة الحزبية، وتأمين فعاليتها وتأمين تماسك جمع خطوطها.
من حسن حظ هذه المبادرة، أن النقد الذاتي لم يكتف بإفراز هذه الخلاصات، بل ذهب حد إفراز قيادة جديدة في المؤتمر السادس (2008) تتبنى عناصر هذه الأطروحة، وتهمل من أجل تنزيلها.
المبادرة الثانية، جاءت للجواب عن مشكلات في الصف الداخلي، تهم وحدة الخط، بين تيار يرى أنه من الضروري الانحناء للعاصفة، والتفاعل مع التحولات الدولية والإقليمية التي تمانع وجود الإسلاميين في مربع الحكم، وخط يدعو إلى استعادة المبادرة، وإيقاف مسار التنازلات التي توشك أن تقضي عل رصيد الحزب الإصلاحي. وتهم أيضا العلاقات البينية التي تأثرت بهيمنة التراشق الإعلامي والتنابز حول وسائل التواصل الاجتماعي، وتهم في جانب ثالث محاولة تجاوز أعطاب الآلة التنظيمية.
مخرجات هذه المبادرة، كانت نفسية فقط، إذ اتجهت إلى التنفيس على الداخل الحزبي، ومحاولة تطويق الخلافات الداخلية التي تصرف عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، في حين بقيت القضايا الفكرية والسياسية والتنظيمية خاضعة لتدبير القيادة المهيمنة، بحيث لم تأخذ بعين الاعتبار جزء من التداول الكريب والسياسي الذي أفرزته عملية الحوار الداخلي.
نتائج التفريط في مخرجات النقد الذاتي
يبين هذا التحليل، أن النقد الذاتي ساهم في البدايات الأولى في بناء شرعية القيادات التاريخية وتعزيز تموقعها، وأنها في الوقت الذي كانت تحتاجه، كانت تستفيد من عائداته، ومخرجاته في تقوية التماسك التنظيمي وتعزيز ولائه للقيادة، وأنها في بعض الحالات (حالة الحوار الداخلي للعدالة والتنمية سنة 2007) تمكنت القيادة بفعل انسجامها مع مخرجات النقد الذاتي، من تحقيق أعلى منسوب من التماسك الداخلي، وحققت انتصارات انتخابية وسياسية كبيرة (2009، 2215، 2016)، لكن في اللحظة التي برز فيها سلوك التفافي من جانب القيادة في التعامل مع مخرجات الحوار الداخلي أو النقد الذاتي، أو توجه السلوك لتوظيف النقاش والنقد الذاتي في عملية التنفيس الداخلي، تمكنت القيادة مرحليا من كسب جزء من الوقت لتعزيز هيمنتها على التنظيم، لكنها في النهاية ساهمت في تبئير الجسم التنظيمي، وخروج الخلاف الداخلي عن السيطرة، والتسبب في هزائم انتخابية، أو تحمل مسؤولية صناعة وضعيات كارثية في البلاد، مما عرضها في حالة المغرب إلى تقديم استقالة اجتماعية مع تحمل مسؤولية الفشل، وجعلها في الحالة التونسية، أمام بركان من الاستقالات الوازنة، التي تعبر عن نهاية التعايش مع القيادة التاريخية.
بماذا تختلف الأشعرية عن السلفية حتى تقربها الأنظمة؟
أبو يعرب المرزوقي: الإسلام السياسي يمثل مستقبل الإنسانية
مسيرة مبارك قسم الله زايد مؤسس منظمة الدعوة الإسلامية