يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الأمريكي جو بايدن على هامش قمة العشرين التي تستضيفها روما والمخصصة لنقاش الملف الأفغاني، لكنه سيكون لقاء مختلفا بالنظر لسياقه وما سبقه.
فهو الأول بين الجانبين بعد اللقاء الذي جمعهما في بروكسل على هامش قمة الناتو في حزيران/ يونيو الفائت، ويأتي بعد لقاء أردوغان ببوتين في سوتشي، الذي بدوره أتى بعد تصريحات حادة من الرئيس التركي تجاه الإدارة الأمريكية الحالية وتعاملها مع بلاده.
لقاء حزيران/ يونيو في بروكسل خفف من حدة التوتر بين أنقرة وواشنطن، التي انتقلت من إدارة ترامب لبايدن. فالأخير توعد تركيا وأردوغان في حملته الانتخابية، واستمر بالضغط في موضوع صفقة إس 400 الروسية، وفرض عقوبات، ولوّح بأخرى، مع تأكيد إخراج أنقرة من مشروع مقاتلات إف 35، فضلا عن استمرار الدعم الأمريكي مع الإدارة الجديدة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتجاهل تحفظات تركيا في هذا الإطار.
يبدو أن هذا المسار الإيجابي، الذي وصفتُهُ في مقال سابق بـ"التهدئة" بين الجانبين، قد تعرض لهزة بعد أن سحبت تركيا قواتها من أفغانستان في ظل رفض طالبان بقاءها مع التهديد باستهدافها، ما أعاد العلاقات إلى سابق عهدها من التوتر والتأزم
بيد أن اللقاء بدد هذه الأجواء السلبية، ولعل السبب الرئيس لذلك كان الحاجة الأمريكية لبقاء القوات التركية في كابول، وتحديدا تأمين مطارها الدولي وتشغيله، بعد الانسحاب الأمريكي، وهو الأمر الذي تجاوبت معه أنقرة وأعلنت استعدادها له، قبل أن تطيح به سيولة التطورات في أفغانستان وسيطرة طالبان على معظم أراضيها.
ويبدو أن هذا المسار الإيجابي، الذي وصفتُهُ في مقال سابق بـ"التهدئة" بين الجانبين، قد تعرض لهزة بعد أن سحبت تركيا قواتها من أفغانستان في ظل رفض طالبان بقاءها مع التهديد باستهدافها، ما أعاد العلاقات إلى سابق عهدها من التوتر والتأزم، فاستمر التعنت الأمريكي بخصوص إس 400، والدعم المقدم لقسد، والانحياز لليونان في ملف شرق المتوسط، وغير ذلك.
تصلُّبُ الموقف الأمريكي تجاه أنقرة بخصوص منظومة إس 400 تحديدا، رغم المبادرات والمقترحات التركية العديدة لواشنطن، ومنها شراء منظومة باتريوت وتأجيل تفعيل إس 400 وتشكيل لجنة مشتركة لبحث تأثيراتها على الأسلحة الأمريكية، أوصل أنقرة في ما يبدو إلى حالة من اليأس من إقناع واشنطن وتغيير موقفها.
تفاعل ذلك مع عدم اجتماع بايدن مع أردوغان في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، واقتراب لقاء الأخير ببوتين على أرضية من الاختلاف والتوتر في سوريا تحديدا، فخرج الرئيس التركي بتصريحات نارية تجاه الإدارة الأمريكية، مؤكدا أن العلاقات معها لا تسير على ما يرام
وقد تفاعل ذلك مع عدم اجتماع بايدن مع أردوغان في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، واقتراب لقاء الأخير ببوتين على أرضية من الاختلاف والتوتر في سوريا تحديدا، فخرج الرئيس التركي بتصريحات نارية تجاه الإدارة الأمريكية، مؤكدا أن العلاقات معها لا تسير على ما يرام وأن ذلك "لا يبشر بخير"، كما انتقد دعمها لمنظمات إرهابية شمال شرق سوريا.
الآن، يأتي اللقاء مع بايدن في سياق شبه معكوس. فاللقاء مع بوتين لم يخرج باختراقات حقيقية أو تفاهمات جديدة، بما يوحي باستمرار الخلاف التركي- الروسي حول سوريا عموما وإدلب على وجه الخصوص، ما يعني استمرار استهداف القوات التركية والمعارضة السورية القريبة منها من قبل قسد والنظام السوري، بل والمقاتلات الروسية، ويعني كذلك ارتفاع احتمالات لجوء روسيا لرسائل أكثر سخونة في الشمال السوري تجاه تركيا، بما في ذلك تهديد النظام بعملية واسعة في إدلب، ما يحيج أنقرة لموقف غربي ودولي داعم لها، وفي القلب منه موقف واشنطن.
جدول أعمال اللقاء بين الرئيسين التركي والأمريكي لن يختلف كثيرا عن سابقيه، إذ سيتشكل في الغالب من الملفات الخلافية، وعلى رأسها إس 400 وإف 35، ودعم قسد وعدم التعاون في ملف غولن، وشرق المتوسط، وغيرها، إضافة لقضايا إقليمية أخرى عديدة منها ليبيا والعراق وسوريا والقوقاز. وهي ملفات من الواضح أن مساحة اللقاء الزمنية لن تتسع لنقاشها بعمق، بل ربما لن تتسع لذكرها جميعا.
يأتي اللقاء مع بايدن في سياق شبه معكوس؛ فاللقاء مع بوتين لم يخرج باختراقات حقيقية أو تفاهمات جديدة، بما يوحي باستمرار الخلاف التركي- الروسي حول سوريا عموما وإدلب على وجه الخصوص، ما يعني استمرار استهداف القوات التركية والمعارضة السورية القريبة منها من قبل قسد والنظام السوري، بل والمقاتلات الروسية
فاللقاء يأتي على هامش قمة العشرين وليس زيارة مطوّلة للولايات المتحدة، ومن ثم سيكون محددا زمنيا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ليس هناك أي مؤشرات على حدوث تغيير في المواقف الأمريكية من تركيا وأردوغان على وجه التحديد. بل لعله من اللافت نشر مقالين خلال الأيام العشرة الفائتة في موقع فورين بوليسي الأمريكي حول موضوع "خلافة أردوغان" لأسباب صحية في المقام الأول، وهو الأمر الذي يبدو أن الرئاسة التركية قد أخذته على أنه رسالة مقصودة أو محتملة، فردّت بنشر فيديو لأردوغان وهو يلعب كرة السلة، مع تأكيد "حرصه على ممارسة الرياضة ثلاث مرات في الأسبوع"، تفنيدا للمزاعم المتعلقة بصحته على ما يبدو.
كانت أنقرة استبقت اللقاء بإعلان أردوغان رغبة بلاده في شراء منظومات إضافية من إس 400 الروسية "إن احتاجت إليها"، وأنه "ليس لأي طرف التدخل في الأمر"، وكان ذلك قبل وخلال القمة التي جمعته ببوتين، لكنها بالطبع لم تسع لخطوات عملية بهذا الشأن. كما استبقته قبل أيام بالإعلان عن توقيف عدد من الأجانب بتهمة التجسس لصالح إحدى الدول، وقالت بعض التقارير المسربة إنهم مواطنون روس، ما فُهم على أنه رسالة للإدارة الأمريكية قبيل اللقاء.
ليست هناك أي قرائن على أي تغيرات حقيقية قبل لقاء أردوغان- بايدن، لا من جهة أنقرة ولا من قبل واشنطن، ما يدفع لخفض سقف التوقعات من اللقاء. فالملفات الخلافية الكثيرة والشائكة أكبر وأعقد من أن تُحَلَّ في لقاء عابر على هامش قمة العشرين، لتبقى العلاقات التركية- الأمريكية على أرضيتها المتوترة ومسارها المتذبذب في السنوات الأخيرة، بعيداً عن الحل
كما تناقلت وسائل الإعلام خبر طلب أنقرة من واشنطن شراء 40 طائرة إف 16 وتحديث 80 طائرة قديمة منها. البعض رأى في الخبر توطئة للقاء أردوغان ببايدن و/ أو يأس تركيا من مشروع مقاتلات إف 35، بينما رأى آخرون في الإعلان تمهيدا لرفض أمريكي ثم "توجه تركيا اضطرارا" لمقاتلات سوخوي الروسية، كما حصل بخصوص المنظومات الدفاعية. وفي الحالتين يفترض أن يكون الأمر، إن صح، على أجندة اللقاء.
من جهته، استبق بايدن اللقاء برسالة بعث بها إلى الكونغرس انتقد فيها العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري، قائلاً إنها أضرت بجهود مكافحة داعش، وهو ما استدعى رداً حاداً من وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الذي دعا بايدن "للصدق مع الشعب الأمريكي والكونغرس" ومراجعة السياسات الأمريكية بدل انتقاد تركيا.
وفي المحصلة، ليست هناك أي قرائن على أي تغيرات حقيقية قبل لقاء أردوغان- بايدن، لا من جهة أنقرة ولا من قبل واشنطن، ما يدفع لخفض سقف التوقعات من اللقاء. فالملفات الخلافية الكثيرة والشائكة أكبر وأعقد من أن تُحَلَّ في لقاء عابر على هامش قمة العشرين، لتبقى العلاقات التركية- الأمريكية على أرضيتها المتوترة ومسارها المتذبذب في السنوات الأخيرة، بعيدا عن الحل وكذلك عن القطيعة، لتبقى في إطار مروحة المصالح والمهددات المشتركة، التي تبقي على ما هو أكثر من شعرة معاوية بين الجانبين.
twitter.com/saidelhaj