تواصلت خدمات رفعت الأسد بحسب الصحيفة لأربعة عقود متتالية، أهّلته لنيل وسام الجوقة الشرقية الفرنسية من الرئيس ميتران يومها. وعلى الرغم من مطالبة بعض المنظمات المدنية الفرنسية بسحب الوسام منه لجرائمه بحق الشعب السوري، فإن الحكومات الباريسية المتعاقبة لم تكتف بصمّ آذانها عن الدعوات فقط، وإنما وفّرت له إقامة آمنة
الأسوأ من ذلك هو ما يتعلق بالجانب الفرنسي وأكذوبة استقلالية قضائه، فالقضاء الذي خرس تماماً على تهريب رفعت الأسد إلى سوريا بوساطة روسية كما تردد، شملت إعادة أمواله التي جُمدت في فرنسا بتهم الاختلاس والتهرب الضريبي وغسيل الأموال، مع السماح له بالعودة الآمنة، مقابل تخليه عن نصف أمواله
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 أعلن رأس النظام السوري بشار الأسد في حديث شهير لصحيفة شيكاغو تريبيون، عن تسليمه 15 ألف وثيقة للسلطات الأمريكية تتعلق بمكافحة ما وصفه بالإرهاب، وظلت الأوساط الأمريكية تتحدث عن دوره في إحباط عملية كبيرة للأسطول السادس الأمريكي في البحرين.
النظام السوري هو فعلاً وواقعاً وحقيقة منذ سطوه على السلطة في سوريا عبارة عن نظام برتبة مخبر أجنبي، وكانت القصة منذ بداية ظهور حافظ الأسد، فحين كان قائداً لسلاح الجو زار بريطانيا، واختفى لساعات طويلة عن زملائه في الفريق، دون أن يكشف عن سبب اختفائه، وهو ما دفع أحد رؤسائه لصفعه على وجهه بعد عودته إلى سوريا لثبوت علاقته مع المخابرات البريطانية. وتواصلت الخيانة بعد فضيحة تسليم القنيطرة والجولان عام 1967، بالإضافة إلى التدخل في لبنان الذي كان بغطاء إسرائيلي تحدثت عنه وثائق وتصريحات لا تحتمل التفسير والتأويل، ولا ننسى دوره الإجرامي في ذبح القوى الوطنية والفلسطينية، ومجازره ضد المخيمات الفلسطينية يوم تدخل في لبنان، بضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي عام 1976، ومعها جرائمه ضد الشعب السوري في الثمانينيات والآن، واستدعاؤه كل الاحتلالات الأجنبية وشراذم المليشيات الطائفية.
من المخجل أن يتجاهل الإعلام الغربي والعربي خبر اللوفيغارو، ومن العجب أن يصمت القضاء الفرنسي على هذا التعدي الفاضح والسافر على استقلاله، ولكن ستظل فرنسا بأعين السوريين أنها من بذرت ورعت وسقت البذرة الطائفية في سوريا؛ منذ قضائها على أول حكومة ديمقراطية عربية بزعامة الأمير فيصل بن الحسين، التي كانت تضم نخباً سياسية وعسكرية وثقافية ودينية قلّ نظيرها يومها، ولكن فرنسا لم تتحمل أن تكون هذه النخب السنية هي من يحكم سوريا، فاحتلتها، وشكلت جيشها على أساس طائفي، وهو الذي انقلب على حكومات ديمقراطية بعد سنتين فقط من رحيل الاحتلال الفرنسي شكلاً وصورة، وبقائه فعلاً وحقيقة.
جروح الجزائر واعتذارات فرنسا الخجولة
رفعت الأسد العائد بـ"مكرمة" الترفع