خلال الحرب الأهلية الإسبانية بين قوات الجنرال فرانكو من جهة، والشعب الإسباني المدعوم بالكتائب الأممية من جهة أخرى، ابتكر فرانكو اصطلاح «الطابور الخامس»، وكان وقتذاك يحاصر مدريد بأربع فرق عسكرية، وكان يقصد بالطابور الخامس، بأن لديه فرقة خامسة في داخل مدريد تقوم بمهاجمة المدافعين عنها في مواقعهم وتخرب تحصيناتهم، وتدمر معنوياتهم من الداخل.
انتهت الحرب بفوز فرانكو وسيطرته على إسبانيا لأكثر من نصف قرن، بالتعاون مع الألمان في الحرب العالمية الثانية، ومع الحلفاء بعدها. لكن استخدام مصطلح الطابور الخامس بقي حيا وطازجا حتى اللحظة.
بالتأكيد، ومن ذلك الزمان حتى الآن، تم ويتم استخدام هذا المصطلح في جميع أنحاء المعمورة لأسباب متنوعة، لكن أفضل وأكثر استخداماته كفاءة وفعالية كانت-وما فتئت وما برحت-- في الوطن العربي الكبير.
الغريب في هذا المصطلح أنه عابر للأيديولوجيات، من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، ويستخدمه من كان على الكرسي، سواء كان الحكومة المناوبة، أم الثورة التي تستلم الحكم بعده، وهكذا تتم شيطنة وتخوين وزعرنة أي ثورة، ومن ثائر إلى آخر، ومن يساري إلى قومي إلى يميني إلى ليبرالي إلى ليموني إلى برتقالي ..إلى ..إلى..إلى... والعكس بالعكس.
لذلك يتم مواجهة الاحتجاجات بعنف (ثوري) بصفتها خيانة وطنية، ولذلك تتحول الاحتجاجات إلى ثورات كبرى، لكن بلا تخطيط، فتقع البلاد في مطب الفوضى التي تأكل الأخضر قبل اليابس، والوطني قبل الخائن.
هو بالفعل طابور خامس، حسب المواصفات والمقاييس العالمية.
وهكذا تتحول الثورات إلى هباء في هباء في هباء!!
نقلا عن (الدستور)