في مثل هذه الأيام قبل ثلاثين عاماً، بدأت أفواج
المهاجرين
اليهود السوفييت تأتي جماعات إلى دولة الاحتلال، وبلغت أعدادهم إلى حد مليون يهودي بين عامي 1990-2010، ما أسهم بدور كبير في تغيير وجه الكيان، خاصة
على صعيد التزايد السكاني، للرد على ما تعتبره أوساط الاحتلال "القنبلة
الديموغرافية الفلسطينية".
يقدم الإسرائيليون ما يعتبرونه مقاربة نظرية
مستندة لأعمق أدبيات الهجرة في العالم، بحيث يعيد وضع الهجرة الروسية إلى إسرائيل
في سياقها التاريخي، بعيدا عن التقديمات الأيديولوجية التي تقدمها الرواية
الصهيونية التقليدية، مع العلم أن أول اليهود الروس وصل إسرائيل في سنوات
السبعينيات من القرن العشرين، لكن ما يعتبرونها "الهجرة الكبرى"، لم
تبدأ حتى أواخر عقد الثمانينيات، خلال السنوات الأخيرة من الاتحاد السوفيتي، قبيل
انهياره النهائي، وتحديداً بين 1989-1993.
وتصف المحافل الإسرائيلية هذه
الهجرات اليهودية
بأنها "هجرة الذعر" القادمة من الاتحاد السوفيتي السابق، بسبب الأزمة
الاجتماعية والاقتصادية، علماً بأن كثيراً منهم لم يكن لديه أي علاقة مع الصهيونية
في مكان إقامتهم السابق، وجاء معظمهم من روسيا وأوكرانيا، وروسيا البيضاء وآسيا
الوسطى، ولذلك لم يكن لديهم الكثير من التقدير لوطنهم الجديد "إسرائيل".
وتتحدث المعطيات الرقمية التي أصدرها الجهاز
المركزي للإحصاء السوفيتي لعام 1989، تواجد 1.4 مليون يهودي يعيشون في البلاد،
منهم 877 ألفاً هاجر لإسرائيل، وكانت هذه الموجة من الهجرة في هذه الفترة القصيرة
من الوقت أكبر تدفق للمهاجرين إليها منذ تاريخ إنشائها، مع العلم أن جزءًا كبيراً
منهم ليسوا يهوداً، واستخدم العديد منهم وثائق مزورة للقدوم لإسرائيل، لتحسين
مستوى معيشتهم، وتعزيز وضعهم المالي الشخصي.
ووجدت العديد من الوثائق الإسرائيلية طريقها
للنشر للمرة الأولى، مفادها أن إسرائيل احتالت على مليون مهاجر روسي عام 1989
بفرض قيود عليهم تمنع هجرتهم لأي دولة في العالم باستثنائها، بدفع رشى للديكتاتور
الروماني السابق "نيكولاي تشاوشيسكو"، وبموجبها يحصل على 100 مليون
دولار على شكل قرض من الولايات المتحدة، وقام بتنفيذ عملية الاحتيال الكبرى هيئة
"ناتيف"، التي تركز نشاطها بين يهود دول الاتحاد السوفييتي السابق
وأوروبا الشرقية.
كما تزعم المحافل الإسرائيلية أن الهجرات
الروسية ستعمل على تغيير التوازن الديمغرافي بين العرب واليهود في إسرائيل، مع أن
الهجرة اليهودية الكبيرة من دول الاتحاد السوفيتي لإسرائيل جاءت في ظروف تاريخية
لم يسبق لها مثيل، فالموجة التي وقعت في حقبة التسعينيات جاءت على أرضية الفوضى
التي استشرت في روسيا الجديدة عقب بشائر الضعف والتفكك في الاتحاد السوفييتي،
والضبابية التي سادت الحياة، والخوف مما يسميه اليهود "اللاسامية"، والرغبة
بالخروج لما اعتبروه في حينه العالم الحر".
ولقد دفعت هذه الهجرات اليهودية القادمة من
الاتحاد السوفيتي السابقة إلى إسرائيل لزيادة أسبابها ودوافعها، وتمحورت حول
الأزمة التي انتابته، وأدت لانقسامه إلى دويلات وجماعات عرقية، فضلاً عن الدعاية
في أوساط اليهود السوفييتي بأنهم سيجدون الجنة في "إسرائيل"، بجانب
العامل الصهيوني في اليقظة القومية اليهودية، ودعمها يهود الولايات المتحدة،
وقاموا على تمويلها على الصعيدين المادي والثقافي، على أن يتجهوا لإسرائيل، وليس
لأي مكان آخر.
واليوم بعد مرور ثلاثة عقود على الهجرات
اليهودية من الاتحاد السوفيتي السابق، يشكو الإسرائيليون كثيرا من سماتهم السلبية،
فالكثير من المهاجرين الروس يعملون في مجال الفساد والجريمة، بما يعكسه ذلك على
المجتمع الإسرائيلي من آثار سلبية، وعدد كبير منهم لا يؤمنون بالديانة اليهودية،
ولا يؤمنون بالكنس، ولا يؤدون الشعائر، ويوجد بينهم عدد من العملاء للمخابرات
الروسية، سبق أن جندتهم إبان تواجدهم في دول الاتحاد السوفييتي، وأبقت على صلتها
بهم عقب هجرتهم لإسرائيل.
ويستمد المهاجرون اليهود الروس تأثيرهم من
كثافتهم العددية، وتماسكهم النسبي مقارنة بطوائف أخرى، ما عكس نفسه في شتى مناحي
الحياة: كالتوظيف واحتلال المراكز الهامة، ونسبتهم في الكنيست التي تجعلهم
"بيضة القبان" في أي تشكيلة ائتلافية حكومية، واحتلال مراكز هامة في
الوزارات.
كما يعلّم اليهود الروس اللغة الروسية لأطفالهم،
ويقرأون واحدة من السبع صحف باللغة الروسية التي تم أنشاؤها، ويشاهدون محطات
القنوات الخاصة بالروسية في إسرائيل، ومحطات روسية في الخارج، وبعد سنوات زادت على
الثلاثين عاشوها، فإن مئات الآلاف منهم ما زالوا ناطقين بالروسية، ولا يمكنهم
مواصلة محادثة هاتفية باللغة العبرية، وعدة آلاف منهم لا يمكنهم الاستفسار عن
اتجاهات الطرق بالعبرية، رغم أنهم يشكلون ما يقرب من 20% من مجمل سكان دولة
الاحتلال.
ورغم الإجماع الإسرائيلي الواسع على استجلاب
المهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفييتي السابق، لأنهم يعززون الحالة
الديموغرافية لصالح اليهود في إسرائيل، بجانب كونه عملا صهيونياً أيديولوجياً
قومياً، إلا أن الحماسة لاستيعاب الروس وغيرهم من يهود رابطة الدول المستقلة عن
الاتحاد السوفييتي السابق أخذت بالتلاشي تدريجياً، ووصل الحد في العديد من الأطياف
السياسية لتوجيه أصابع الاتهام للقادمين الجدد، بجلب ظواهر وآفات جديدة على المجتمع
الإسرائيلي.
وهناك قضية حساسة يعانيها المهاجرون اليهود
السوفييت، وتتعلق بتعريف اليهودي وفق الشريعة اليهودية، فالحديث يدور عن 33% منهم
ليسوا يهوداً، وتشكل لهم أمراً معرقلاً بقضايا الزواج والدفن، وهناك جدل داخل
الأوساط السياسية حول الموضوع، فثمة جهات تدعو لتخفيف الشروط المطلوبة التي تضعها
الحاخامية الرئيسة، وهناك من يدعو للتشديد.
كما يشكو الإسرائيليون من أن المهاجرين اليهود
الروس جلبوا معهم أفكاراً لم تكن منتشرة أو قائمة في المجتمع الإسرائيلي،
كالجريمة المنظمة والدعارة والإدمان على الكحول وغيرها، إضافة لدخول عصابات
المافيا، وانتشار ظاهرة رشاوى وشراء الأحزاب الفاعلة في الحلبة السياسية
الإسرائيلية.